ماذا لو لم تقم مسابقة دوري الأمم الأوروبية لكرة القدم بنسختها الأولى بُعيد مونديال 2018؟ ماذا لو قرر الاتحاد الأوروبي البدء بها في 2017 أو 2019 بنظام آخر لا «يتعارض» مع «يورو 2020» في المواعيد؟ أو فلنسأل: ماذا لو لم ترد هذه الفكرة في بال أحد من الأساس؟أسئلة تُطرح بعدما بلغت «المسابقة الوليدة» مرحلتها نصف النهائية وكشفت ما كشفته من حقائق قد لا تنطلي على معظم المتابعين.«عودة» هولنداتحدث كثيرون عن عودة منتخب هولندا بعد سنوات عجاف، وذلك إثر تصدره المجموعة الأولى على حساب فرنسا بطلة العالم والمانيا التي اكتفت بالمركز الثالث وهبطت بالتالي الى المستوى الثاني.لا شك في أن مردود «الطواحين» تحسن على يد المدرب رونالد كومان، حيث ظهرت الحيوية مجدداً على هذا الفريق وفرض نوعٌ من الصلابة والرغبة نفسه بين الخطوط.القائد والمدافع الصلب فيرجيل فان دايك يحمل لواء التغيير، وهو بمثابة القلب النابض في الفريق والانعكاس الواضح لكومان في «المستطيل الأخضر».المشكلة ان مسيرة هولندا ما زالت غامضة، بمعنى أن أحداً ليس قادراً على رسم خطها، تصاعدياً كان، أو عكس ذلك.فمن 4 مباريات، حصد «البرتقالي» 7 نقاط من أصل 12، وهو ما نالته فرنسا التي تخلفت عن خصمها بالمواجهات المباشرة فقط.هل يعني تأهل هولندا الى نصف النهائي بأنها أقوى من «الديوك» و«الماكينات»؟بالتأكيد لا. فالنجاح لا يُحسب لها فقط، بل لانكشاف خصميها.كان مكتوباً لفرنسا أن تسقط أمام أول فريق جريء تواجهه على الرغم من أنها بطلة العالم وتملك في صفوفها ما لذ وطاب من نجوم.المدرب ديدييه ديشان يتسلح بعناصر فتّاكة بيد أن اللاعبين «المتفجّرين في أنديتهم»، يعيشون حالة من التحفظ في المنتخب بسبب نهج ديشان نفسه.ما أن واجه الفرنسيون منتخباً «متحركاً» كهولندا حتى رفعوا «العَشرة»، من دون أن ننسى مباراتهم الاولى امام مضيفتهم المانيا حيث استحقوا الخسارة لولا سوء طالع الأخيرة والذي منحهم «نقطة من السماء».لا يعني تأهل هولندا وفشل فرنسا في بلوغ نصف النهائي بأن مقاييس اللعبة تبدلت، كما أنه لا يشير إلى أن المانيا «انتهت» خصوصاً أنها قادمة من مونديال هو الأسوأ لها، وأن لاعبيها يقتفون أثر الثقة الضائعة.أبانت المباريات الأخيرة عن أن المانيا لا تعيش أزمة حقيقية، فهي تملك الكثير من العناصر الشابة القادرة على المنافسة بجدية على لقب «يورو 2020».المشكلة أن المدرب يواكيم لوف كان قادراً على تحاشي «الأزمة المونديالية» لو كان جريئاً بما فيه الكفاية وقرر الاستعانة بالمواهب الصاعدة التي توجت بكأس القارات 2017 فضلاً عن ليروي سانيه، عوض التمسك بـ«الحرس القديم» الذي خذله في مونديال 2018 وأدى الى خروج «ناسيونال مانشافت» من الدور الأول للمرة الاولى منذ 80 عاماً.«مشكلة توقيت» عاشها لوف الذي يعي بأن ما يحتاجه اليوم هو بعض الوقت لبناء منتخب قادر على التتويج بالألقاب، وهو يدرك بينه وبين نفسه بأن الأمر ممكن، وإلا لما استمر ثانية واحدة في المنصب.الجدير ذكره أن القرعة لم ترحم المانيا وفرنسا اذ وضعتهما في مجموعة واحدة، في وقت عاشت «البطولة المستجدة» منافسات باهتة في مجموعات أخرى جمعت منتخبات تفتقد الى التاريخ والنجوم.«مفاجأة» سويسرالم يكن أحد يعتقد بأن منافسات المجموعة الثانية ستفضي في نهاية المطاف إلى تأهل أحد غير بلجيكا التي قدمت مونديالاً ولا أروع في روسيا وأنهته في المركز الثالث.كان كل شيء يسير وفق ما هو مخطط له بالنسبة الى المدرب الاسباني روبرتو مارتينيز، الى ان حلت الجولة الاخيرة التي شهدت سقوط «الشياطين الحمر» بمفاجأة مدوية امام سويسرا المتواضعة 2-5 بعدما كان ادين هازارد وزملاؤه متقدمين بهدفين نظيفين.هل يعني تأهل سويسرا الى نصف النهائي واكتفاء بلجيكا بالمركز الثاني بأن الاولى أفضل فنياً؟ بالتأكيد لا. الكثير من الضغوطات باتت مفروضة على نجوم بلجيكا بعد المونديال الذي كانوا أحد المرشحين الاقوياء للغنم بكأسه خصوصاً بعد اقصاء البرازيل من ربع النهائي 2-1.ربما فشل مارتينيز في اللعب على وتر الجدية لدى لاعبيه الذين رأووا في سويسرا خصماً في المتناول، فدفعوا الثمن غالياً. يبقى منتخب بلجيكا أكثر جودة، ربما على مستوى أوروبا ككل، وفشله في بلوغ نصف نهائي دوري الأمم ليس نهاية المطاف بالنسبة الى منتخب بات مرشحاً دائماً للعب الادوار الاولى في البطولات الكبرى.ايسلندا من جهتها، وبعد «يورو 2016» الرائع الذي قدمته، بدأت تختبر تراجعاً بيّناً، وها هي تحتل المركز الثالث في المجموعة من دون أي نقطة وتتهاوى الى المستوى الثاني.إيطاليا «مبهمة» المجموعة الثالثة أسفرت عن احتلال البرتغال للمركز الأول وتأهلها الى نصف النهائي، على حساب إيطاليا الثانية وبولندا الثالثة التي هبطت الى المستوى الثاني.كان الصراع معلناً مسبقاً لينحصر بين البرتغال وإيطاليا، حتى أن الكفة كانت متعادلة بينهما، خصوصاً أن الأولى افتقدت الى قائدها كريستيانو رونالدو الذي آثر التركيز مع فريقه الجديد يوفنتوس الايطالي، الأمر الذي منح الثانية الحظوظ اللازمة لتحقيق المفاجأة.لم يكن مطلوباً من إيطاليا أن تتوج، بل كان لزاماً على مدربها الجديد روبرتو مانشيني أن يثبت بأن ثمة أملاً في عودة الـ«آتزوري» الى الساحة بعد خيبة الفشل في التأهل الى مونديال روسيا.ويبدو بأن دوري الأمم لم يقدم جديداً على «الجبهة الإيطالية»، خصوصاً أن مانشيني الذي تولى المنصب في مايو 2018 جرّب لاعبين بالجملة والمفرق، حتى أنه استدعى المخضرم «المنسيّ» سيباستيان جيوفنكو من كندا لخوض إحدى المباريات، وأعاد ماريو بالوتيللي «المنتهي» لفترة وجيزة.كل هذه التجارب لم تفضِ خلال ستة أشهر الى الثبات على تشكيلة، علما ان تصفيات «يورو 2020» باتت على الأبواب، اذ تنطلق في مارس 2019 وتضع أوزارها في نوفمبر من العام ذاته.مانشيني لا يعتبر مدرباً مستجداً بل هو خبير في المجال، وسبق له أن درب أندية كبيرة مثل إنتر ميلان الايطالي ومانشستر سيتي الانكليزي، وبالتالي لم يكن ليحتاج الى تجربة هذا العدد الهائل من اللاعبين.هو مدرب يدرك ما يريد ويعرف الخطة التي تساعده على تحقيق فكره التكتيكي ويمتلك فكرة عامة عن قدرات الكرة الايطالية في مقابل منافساتها، ومن هنا، توجب عليه تحديد خياراته من اللاعبين منذ البداية، والاستقرار عليها، ومن ثم إجراء التعديلات «الطفيفة» التي تستوجب منه تحركاً.حتى اليوم، ما زال منتخب ايطاليا في طور البداية، والبداية في كرة القدم لا يجب أن تطول.جانلويجي دوناروما في حراسة المرمى، جورجيو كييليني وليوناردو بونوتشي في الدفاع، جورجينيو وماركو فيراتي في الوسط، ولورنزو انسينيي في الهجوم. هذا أساس الفريق، وعلى مانشيني أن يضيف ما يجده مناسباً، لا أن يلعب بتشكيلة مختلفة في كل مباراة.دوري الأمم أبانت عن استقرار وقوة لدى البرتغال، وعن بداية «مبهمة» لإيطاليا، واستمرار للصورة الشاحبة لبولندا التي ظهرت عليها في مونديال 2018.«إيمان» ساوثغيتكان الغموض يكتنف المجموعة الرابعة بعيد القرعة، خصوصاً وانها ضمت ثلاثة منتخبات قوية. انكلترا رابعة المونديال، كرواتيا الوصيفة، بالاضافة الى اسبانيا المتجددة مع المدرب لويس انريكي.احتاج الانكليز الى «شيء اضافي» لترسيخ الثقة بالمدرب الشاب غاريث ساوثغيت اثر كأس العالم الرائعة، فكان لهم ما ارادوا، من خلال حجز بطاقة نصف النهائي بعد ما هو أشبه بالمعارك التي خاضتها الفرق في مجموعة معقدة.نصف نهائي مونديال وبعده نصف نهائي دوري الأمم، لا شك في أن منتخب انكلترا يسير في الطريق الصحيح، والأروع ان «إيمان» ساوثغيت بنفسه ولاعبيه آخذ في الترسخ، وهو بدأ يستقر على تشكيلته ويجري تعديلات بسيطة متى ما دعت الحاجة الى ذلك.اسبانيا سجلت بداية قوية قبل ان تسقط في عقر دارها امام انكلترا 2-3 وامام كرواتيا في سبليت 2-3 وتكتفي بالمركز الثاني.اما كرواتيا فهي لم تعرف بطولة مستقرة. خسرت امام الاسبان بدايةً بسداسية «فادحة» وتعادلت مع ضيفتها انكلترا سلبا ثم أحيت آمالها من خلال الانتصار المدوي على «لا روخا» 3-2 قبل ان تتقدم على «منتخب الأسود الثلاثة» بهدف في «ويمبلي» وتضع قدماً في نصف النهائي ثم تجد نفسها في غضون دقائق متخلفة بهدفين وفي المستوى الثاني من دوري الامم.خارطة جديدةلم تقدم دوري الأمم جديداً على خارطة القوى العظمى في «القارة العجوز» بل أبقت الحال على ما هو عليه، خصوصاً أن ثمة قناعة بأن المهم يتمثل في تصفيات «يورو 2020» التي تجرى قرعتها في 2 ديسمبر المقبل.نصف نهائي دوري الأمم يقام في يونيو 2019 في البرتغال، ولا شك في أن الفريق الذي يتوج باللقب سيمضي ليلة من الليالي الملاح لأنه ينتمي الى منتخبات الصف الثاني في أوروبا.البرتغال وانكلترا وسويسرا وهولندا لم تكن أبدا من فرق النخبة في «القارة العجوز»، على الرغم من الفوز العابر للاولى بـ «يورو 2016» نتيجة الحظ الذي مهّد طريقها الى النهائي.كما أن نظام البطولة «السيئ» ساهم في تحقيق هذه النتائج. إذ لا يعقل ان تخوض هولندا مباراتها الأخيرة امام المانيا وهي تعلم بأن عليها التعادل لتتأهل، فيما تكتفي فرنسا بالمشاهدة بعدما أنهت مبارياتها قبل منافستيها. أين «تكافؤ» الفرص هنا؟المهم أن كبار أوروبا، المانيا وايطاليا وفرنسا واسبانيا، مطالبون بالتحرك بعد قسط الراحة الذي حصلوا عليه خلال دوري الأمم، خصوصاً أن الأهم، ونقصد به تصفيات «يورو 2020»، بات على الأبواب.
رياضة - رياضة أجنبية
دوري الأمم الأوروبية ... «فورة» لا تزعزع كبار «القارة العجوز»
03:29 م