كونا - كما الشجرة الطيبة التي تسد ثمارها رمق كل رائح وغاد، تقف «ثلاجات الطعام» في كويت العطاء شاهدا على رغبة لا تكل وسعي لا يمل، من شعب استطالت أياديه البيضاء، فبلغت من المعمورة كل بقاع لتصبح الإنسانية له استحقاقا والخيرية له عنوانا.وفي جديد أعمال هذا الشعب المعطاء، عمد كثير من الكويتيين إلى تنصيب ثلاجات «خير» في واجهة بيوتهم لتكون «ركنا» يأوي إليه ذوو الحاجة وحلا عمليا للطعام الفائض الذي يطعمون به مسكينا ويتيما وفقيرا لوجه الله من دون أن ينتظروا جزاء ولا شكورا.ولكونها مظهرا للخير الذي اشتهر به الكويتيون، يتسارع انتشار ثلاجات الطعام بشكل لافت، فتراها تغطي مناطق تمتد من الخالدية والشامية والنزهة، إلى اليرموك والعمرية والفنطاس والصليبخات، ومن العارضية والجهراء والأندلس إلى الفروانية والسرة والعدان، لتكون للكويتيين «سيماهم» التي توجد في «وجوه» بيوتهم ويعرفهم بها كل دان وقاص.وتحتاج ثلاجات الخير إلى «رعاية» تعينها على تجاوز تحديات جادة، حتى تكتمل مسيرة هذا العمل الطيب ويضيف إنجازا إنسانيا جديدا إلى سجل كويتي حافل شارف حد الإعجاز. والمتتبع للمساهمة الشعبية المتسارعة في ثلاجات الطعام يجد أنها تنبع من إحساس مشبع بحب الخير والتسابق على فعله فها هو المستشار السابق لوزير الدولة لشؤون البلدية نمشان النمشان يقول «إن الثلاجة التي توجد في منطقتنا جاءت بمبادرة طيبة حاز بها جاري علي الصانع قصب السبق الخيري ليوضع بها الطعام الفائض سواء لديه أو لدى أهل المنطقة».ويؤكد النمشان أن ما يتم رفد الثلاجات به هو من «رأس الوجبة الرئيسية للعائلة وليس مما تبقى على المائدة»، مشددا على أن «الوجبات تكون من أوسط ما نأكل».وتسترعي تلك التجربة الواعدة اهتمام ودعم الكثيرين، فعلى صعيد المختارين يقول مختار منطقة خيطان ضاوي العتيبي إنها «نافذة من نوافذ الخير وطريقة فعالة لتقليل هدر الطعام». وفي شأن تنظيم عمل الثلاجات لفت إلى ضرورة أن «تشرف عليها جهة مسؤولة لتكون ضامنة لسلامة الطعام في كل وقت».أما مختار الفروانية مطلق المعصب فقد ذكر أن ثلاجات الطعام «تتماشى مع حلول منظمة الأغذية للحد من نسبة الفاقد والمهدر من الطعام». واقترح المعصب أن يتم تنظيم وضع الثلاجات عبر إشعار أصحابها لأقرب فرع من فروع الجمعيات الخيرية الموجودة في المنطقة، لتخصص موظفا يتابع ما يوضع بها من أطعمة محبذا أن يكون هناك دور لوزارة الصحة أو البلدية في هذا الشأن.وعن نوعية الطعام الذي تذخر به الثلاجات يقول حسن عجيل - أحد المستحسنين للفكرة - إنه رأى مثالا جيدا من أمثلة إدارة مثل هذه الثلاجات في منطقتي الصليبخات والعارضية، مشيرا إلى أن الوجبات التي توضع بها غالبا ما تكون مرتبة ومن صنع البيت وتتنوع ما بين الأسماك و(المجبوس) وقد تشمل الحلويات في بعض الأحيان.وعلى صعيد الرقابة لا تخضع الثلاجات لإشراف وزارة الصحة، فهي وفق ما أوضحه الناطق الرسمي باسم الوزارة الدكتور أحمد الشطي توضع بتوجه شخصي من صاحب المنزل دون أن تمر بأي آلية للحصول على ترخيص تجعلها تحت سلطة الجهة المرخصة، وتلزمها بمتابعة صلاحية ما يوضع بها من أغذية. ومن بين التحديات التي تواجه الاستفادة المثلى من تلك الثلاجات، ضبط تعامل بعض المستفيدين مع محتوياتها، فقد يطلع بعضهم على الوجبات المغلفة ثم يتركها بلا أغطية وفي صورة منفرة. وفي إشارة إلى سلبية أخرى في التعامل مع الثلاجات، ذكر مختار الفروانية اتجاه بعض المستفيدين إلى الحصول على معظم ما يوجد بها من أغذية دون النظر إلى حاجة الآخرين.ولمواجهة التحدي المتمثل في ضمان سلامة الطعام في تلك الثلاجات، رجح مختار منطقة العمرية التي يوجد بها أكبر عدد مما تم رصده من ثلاجات طعام سعد الطشة، توعية أصحابها بكيفية متابعة ما يضعونه فيها من أطعمة.كما نبه نائب رئيس فرع جمعية إحياء التراث الإسلامي بالعمرية مندني الكندري، إلى أن ضمان سلامة الأطعمة يحتاج إلى موظف مختص ذي مؤهلات فنية تتيح له ذلك، وهو ما لا يتوافر لدى الجمعيات الخيرية.ولفت الكندري إلى أن الأهم في هذا الجانب هو دور صاحب الثلاجة ذاته «حيث نحرص نحن بدورنا على ترتيب وتنظيم الوجبات في ثلاجة الفرع لتكون في أبهى صورة». وشدد على أهمية طباعة ملصقات باللغات العربية والإنجليزية والأوردية لتوجيه المستفيدين من ثلاجات الخير وتنبيههم إلى ضرر بعض السلوكيات التي تحرف هذا المظهر التكافلي عن مساره.