استضافت جمعية الصحافيين الكويتية الأسبوع الماضي مدير مكتب التواصل الإقليمي في دبي التابع لوزارة الخارجية الأميركية مايكل بليتيه. وقد تحدث السيد بليتيه خلال ندوة حوارية إعلامية عن قضايا عدة متعلقة بالسياسة الأميركية الخارجية، أهمها قيام وزارة الخارجية الأميركية بإنشاء مكتب للتواصل مع الصحافة والإعلام وشعوب المنطقة الهدف منه تحسين صورة الولايات المتحدة في العالم العربي.
موضوع مكتب التواصل الأميركي من المواضيع التي كنت أنوي التعليق عليها منذ وقت طويل، ولكن قبل الولوج في التعليق على هذا الموضوع أود أن أتوقف عند نقطة مهمة وردت في سياق حديث السيد بليتيه خلال الندوة والمتعلقة بالقضية الفلسطينية عندما قال: «إن هدفنا ومصلحتنا الاستراتيجية تكمن في إقامة دولتين فلسطينية وإسرائيلية جنباً إلى جنب»! (الراي الكويتية).
السيد بليتيه لم يوضح لنا في معرض كلامه ما الخطوات «العملية» التي اتخذتها الإدارة الأميركية في سبيل الوصول إلى الهدف الذي أشار إليه، وهو إقامة دولتين فلسطينية وإسرائيلية تعيشان جنباً إلى جنب؟ ولا عن ماهية وحقيقة المصلحة الاستراتيجية في إقامة دولة فلسطينية تعيش إلى جانب الكيان الصهيوني؟ لكنه شدد وأكدد أنه «منذ مؤتمر أنابوليس والحكومة الأميركية تركز على المفاوضات الثنائية والمباشرة بين الجانبين»! وسؤالنا هنا للسيد بليتيه: عن أي مفاوضات ثنائية ومباشرة تلك التي تحدثت عنها، والتي قامت بها إدارتكم منذ مؤتمر أنابوليس؟ بالمناسبة، أليس مؤتمر انابوليس هذا الذي نحتفل جميعاً به في مثل هذه الأيام بمناسبة مرور عام على انعقاده، والذي انعقد وسط حملة إعلامية ودعائية مكثفة ساقت لنا الآمال والأحلام والكلام المعسول عن قيام دولة فلسطينية نهاية العام 2008؟ فأين هي تلك الدولة الفلسطينية التي تعهد مؤتمركم الصاخب بقيامها أو على الأقل بوضعها على سكة القطار بانتهاء ولاية الرئيس جورج بوش؟ ألا تتفق معي بأن سكة الدولة الفلسطينية المنتظرة باتت أبعد ما تكون عن قطار حلم الدولة منذ مؤتمر أنابوليس؟
ثم ما حصيلة تركيزكم على المفاوضات الثنائية والمباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ مؤتمر أنابوليس والتي أشرت إليها في سياق حديثك؟ نعم سيد بليتيه، للإنصاف نقول إن جهودكم التي بذلتموها منذ مؤتمر أنابوليس وحتى الان تحققت وبامتياز مع مرتبة الشرف، ولكن كيف؟ تحققت في جانب واحد فقط، وهو استفحال النشاط الاستيطاني إلى أكثر من الضعف منذ مؤتمر أنابوليس، وهذا ليس كلامي أو كلام المؤسسات الفلسطينية وإنما هو كلام الإسرائيليين أنفسهم، حسب التقرير الذي نشرته قبل أيام منظمة «السلام الآن» الإسرائيلية التي ذكرت بأن نحو خمسة آلاف وحدة سكنية جديدة قد تم إنشاؤها منذ مؤتمر أنابوليس، غالبيتها الساحقة تقع في ضواحي القدس الغربية! نعم سيد بليتيه، هذا هو الإنجاز الوحيد، على ما يبدو، لجهودكم التي تركزت على إجراء مفاوضات ثنائية ومباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي أدت الى تضاعف النشاط الاستيطاني! أما عن مؤتمر أنابوليس الذي تعهد بالوصول إلى اتفاق على قيام دولة فلسطينية نهاية العام الحالي فيبدو أنه «ذهب مع الريح»، كما اعترفت بذلك وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس وعرابة مؤتمر أنابوليس التي صرحت قبل أيام بأن التوصل إلى اتفاق قبل نهاية العام الحالي أمر مستبعد! إلى هنا وأجد الكلام عن مؤتمر أنابوليس وعن جهودكم في إرساء عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائليين كافٍ، ولا داعي لفتح زاوية اخرى عن جهودكم التي قمتم بها منذ ذلك المؤتمر المشؤوم «فالضرب في الميت حرام»، كما تقول الأمثال الشعبية عندنا، فلو أردنا فقط الحديث عن المآسي التي تقوم بها إسرائيل تجاه قطاع غزة بمباركة ومساعدة ومساندة أميركية، لكان الأجدر بكم إقفال مكتب التواصل بالشمع الأحمر!
الآن دعنا ننتقل بالحديث عن «مكتب التواصل» الذي أشرتم خلال الندوة أنه قد أُنشئ من أجل التواصل مع العالم العربي لتحسين صورة الولايات المتحدة أمام شعوب المنطقة! وسؤالي هنا للسيد بليتيه: فكرة إنشاء مكتب للتواصل بين الإدارة الأميركية وشعوب المنطقة قد تكون فكرة جيدة من ناحية المبدأ، خصوصاً اننا مع أي شكل من أشكال الحوار البناء الذي يقوم على أسس الاحترام المتبادل، لكن السؤال: لماذا قامت الولايات المتحدة وخلال إدارة الرئيس جورج بوش، تحديداً، بإنشاء مكتب لتحسين صورتها أمام الرأي العام العربي والإسلامي؟ ما الذي قامت به إدارتكم طوال أعوام حكمها تجاه شعوب المنطقة الذي استوجب معها إنشاء مكتب خاص لتحسين صورتها أمامنا؟ قد تكون الاجابة بالنسبة إليك محرجة بعض الشيء سيدي المحترم، لهذا سأتطوع بالنيابة عنك، ومن دون مقابل، للاجابة عنها!
الولايات المتحدة وفي ظل إدارة الرئيس جورج بوش سيدي المحترم تعرضت إلى أعنف هجمة دولية من منظمات حقوق الإنسان التي اتهمت إدارتكم بأنها تقود انتهاكاً وهجوماً عالمياً على حقوق الإنسان في العالم، وأنها تتحمل مسؤولية تدني احترام حقوق الإنسان! الإدارة الأميركية وفي عهد الرئيس بوش سيدي المحترم حققت الرقم القياسي بانتهاك حقوق آلاف المسلمين والعرب على الأراضي الأميركية بحجة مكافحة الإرهاب! الإدارة الأميركية وفي عهد الرئيس بوش سيدي المحترم كان لها السبق في تدشين «معتقل غوانتاناموا» و«معتقل أبو غريب» العراقي اللذين سيبقيان وصمة عار في جبين السياسية الخارجية الأميركية بعد الانتهاكات الفظيعة التي جرت فيهما. أما السجون والمواقع السرية التي أنشأتها إدارتكم خارج الأراضي الأميركية فهي ليست عنا ببعيد! الإدارة الأميركية وفي عهد الرئيس بوش سيدي المحترم تسببت في انحطاط المعايير الأخلاقية الأميركية باعتراف الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر بسبب سياساتكم تجاه شعوب ودول العالم! الإدارة الأميركية في عهد الرئيس بوش كانت الشريك الأول وبامتياز في الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان في 2006 والمجازر التي ارتكبت في قانا وبقية القرى والأحياء اللبنانية هي خير شاهد على ما اقترفته أيادي إدارتكم خلال عدوان يوليو 2006! أما الحديث عن العراق وما يجري في فلسطين المحتلة بفضل جهودكم ومساعيكم في إرساء الأمن والأمان والسلام فالحديث عنهما يطول ويطول!
سيدي المحترم مايكل بليتيه، لقد كان بإمكان إدارتك الأميركية الاستغناء عن إنشاء مثل هذا المكتب وأن تقوم بتوفير المال والجهد والطاقة البشرية لتحسين وتلميع صورة الولايات المتحدة أمام شعوب ودول المنطقة لو أنها وببساطة لم ترتكب تلك المآسي والفظاعات كلها بحق شعوبنا! وبالمناسبة فإن ما ذكرناه من حقائق قامت بها إدارتكم خلال الأعوام الماضية ليست سوى محطات معدودة! فسجلها الحافل بالانتهاكات والحروب والمآسي والفظائع والفضائح طوال الأعوام الثمانية الماضية من حكم إدارة الرئيس جورج بوش لن يستطيع «مكتب تواصل» أن يمحيه، فالعطار يا سيدي المحترم لا يستطيع أن يصلح ما أفسده الدهر!

عمار تقي
كاتب كويتي
taqiammar@yahoo.com