«صاحب المعروف لا يقع فإن وقع وجد متكئاً». عبدالله بن عباس رضي الله عنهما.الواسطة كلمة مستحدثة، ظهرت في وقتنا المعاصر، وهي تعني إيجاد شخص نافذ يوصل شخصاً آخر لمبتغاه ومراده بعد أن عجز هو عن ذلك. والواسطة قديماً كانت تُسمى الشفاعة، والشفاعة تعني التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة. قال عمرو بن العاص: «في كل شيء سَرَفٌ إلا في ابتناء المكارم أو اصطناع المعروف، أو إظهار مروءة».وللشفاعة والواسطة قديماً مكانة شريفة، ويجري فيها أهل الفضل من أجل فتح أبواب الخير وإغلاق أبواب الشر، وإحقاق الحق، ورفع كُرب الناس وإدخال السعادة عليهم. قال صلى الله عليه وسلم: «لأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ - يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ - شَهْرًا». صححه الألباني. قال الإمام الشافعي:وأفضل الناس ما بين الورى رجلتقضى على يده للناس حاجاتوكان الأولون يتسابقون على تقديم شفاعتهم لمَنْ يستحقها، بل ويحرصون عليها حرصاً كبيراً تقرباً لوجه الله تعالى لا يريدون سمعة ولا جزاءً ولا شكورا، ويفرحون بمن يقصدهم لكيّ يسعوا في قضاء حاجته. قال ابن عباس: ثلاثة لا أكافئهم: رجل بدأني بالسلام، ورجل وسع لي في المجلس، ورجل اغبرّت قدماه في المشي إرادة التسليم عليّ، فأما الرابع: فلا يكافئه عني إلا الله عز وجل، قيل فمن هو؟ قال: رجل بات ليلته يفكر بمن ينزله ثم رآني أهلاً لحاجته فأنزلها بي.وقال ابن القيم رحمه الله في وصف شيخه، شيخ ابن تيمية: كان شيخ الإسلام يسعى سعيا شديدا لقضاء حوائج الناس. وسُئل ابن المنكدر أي الأعمال أفضل؟ فقال: «إدخال السرور على المؤمن». وقال وهب بن منبه «إن أحسن الناس عَيشاً من حسن عيش الناس في عيشه، وإن من ألذ اللذة الإفضال على الإخوان».أما واسطة اليوم فاختلفت مفاهيمها 180 درجة، وانعكس مضمونها، وانحرف مجراها ومقصدها، حتى أصبحت تقلب الحق باطلا، والباطل حقا! والأمر غير المعقول إلى أمر معقول، ووضعت الشخص الذي لا يستحق في مكان الشخص الذي يستحق، وجعلت من الشخص الأجوف محاضراً، وجعلت من الشخص التافه شخصاً مهماً، وجعلت من الشخص الفاشل شخصاً مسؤولاً يأمر وينهى، وقتلت أحلام الكثير من المبدعين، وسلبت حقوق الكثير المستحقين!