أشكر أخي الفاضل الدكتور أمير الحداد على رده الصريح والواضح على ما كتبته في امتداح مدينة إسطنبول كنموذج لنهضة تركيا الحديثة. والحقيقة أنني لم أرد أن أتطرق إلى الجانب السياسي وإنما فقط لبيان إعجابي بما أنجزته تركيا من تطور عمراني وحضاري، فقد زرت إسطنبول عام 69 وشاهدت وضعها المتردي وانتشار الفساد وصراع الأحزاب، ثم شاهدت كيف تطورت حضارياً، وقارنت ذلك بأوضاع كثير من بلداننا العربية والإسلامية التي تردت - وللاسف - على المستويات كافة.وكان لا بد أن أعرج على أردوغان لأبيّن دوره في نهضة تركيا!ما ذكره أبو معاذ عن نظرة الشعب التركي، الذي يرى العرب خونة للإسلام منذ سقوط الدولة العثمانية، هو موضوع شائك وفيه آراء كثيرة ما بين مدافع ومهاجم، وقد ناقشت الكثيرين فيه، ولكن لابد أن أبين بأن الخلاف فيه لا يفسد للود قضية! وليسمح لي أخي أبو معاذ أن أبيّن بعض الأمور التي تعزز من النظرة الإيجابية لتركيا:أولاً: اعترف الدكتور أمير بأن الأتراك قد تغيّرت معاملتهم لنا في السنوات الثلاث الأخيرة، وهذا شيء إيجابي نعتز به، وليس ذلك من باب النفاق ولكنه صحوة تركية وعودة الى أحضان الأمة الإسلامية!أما المسلسلات التركية فنحن من يتسابق على مشاهدتها لأننا نفتقر الى الإنتاج الفني.ثانياً: غير صحيح أن أردوغان قد استغل أزمة سورية وهدد الغرب بالمهاجرين إن لم يدفعوا له ويفتحوا له أبواب الاتحاد الأوروبي، فتركيا هي من أسبق الدول إلى الوقوف مع السوريين في محنتهم ويكفي أن حدودها ظلت مفتوحة للسوريين خلال سبع سنوات من القتل والتهجير الظالم الذي وقع عليهم، ويوجد في تركيا أكثر من ثلاثة ملايين سوري يتمتعون بكل ما يتمتع به المواطن التركي، وإينما تجول الإنسان في تركيا يشاهد الأعداد الكبيرة من السوريين بينما الغرب المخادع يغلق أبوابه أمامهم ويضغط على تركيا لوقف هجرتهم، وقد وعد أردوغان بوعود كثيرة إن هو أوقف تدفق المهاجرين السوريين إلى تركيا، ثم أخلف بوعوده ثم تنامى المد العنصري في أوروبا رداً على مشكلة اللاجئين. لقد حاول أردوغان في بداية الازمة السورية أن يتصدى لروسيا صاحبة المكر والخديعة، ثم وجد بأن التنسيق معها هو الأفضل بدلاً من مصادقتها، ويكفي ما فعله في إدلب من صيانة أرواح ثلاثة ملايين سوري كان النظام السوري وإيران يسعون إلى البطش بهم!بالطبع فنحن لا نؤيد كل ما يفعله أردوغان في سورية، ولكننا نتساءل: أين ذهب التأييد العربي والحماسة العربية للقضية السورية؟ ولماذا تخلى الكثيرون عن هذا الشعب بعدما شاهدوا التواطؤ الروسي - الأميركي عليه وافشالهم لثورته؟ وأسأل اخي أبا معاذ: هل تؤيد اليوم انسحاب تركيا من القضية السورية والشعب لمصيره؟!ثالثاً: أما ما يخص الشأن الداخلي مثل «انقلاب غولن»، فيجب علينا ألّا نشكك في موقف أردوغان منه، فأهل مكة أدرى بشعابها، وهذه المؤامرة التي تم نسجها في الغرب وتعاونت دول غربية في تنفيذها ليست محاولة اغتيال عادية، لكي نقلل من خطورتها ونتهم تركيا بالمبالغة في العقوبة فيها، وما دامت تركيا تسلك سبيل القضاء لإصدار الأحكام على المتورطين فيها، فذلك هو الضمان لعدم ظلم الناس، قارن ذلك بسياسة «خذوه فغلوه»، التي يتم تطبيقها في بلداننا من دون محاكمات أو دفاع عن المتهمين!وأما عن تغيير نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، فهو كذلك شأن داخلي، وقد استفتى أردوغان شعبه على ذلك التغيير ووافقوه بغالبية بسيطة... قارن ذلك بالانتخابات المزوّرة في كثير من البلدان العربية وسلب إرادة الشعوب بالتزوير!رابعاً: لا يخالفني الدكتور أمير بأننا نعيش اليوم في عصر الاستضعاف، حيث تكالبت علينا قوى الشر من كل مكان وشتّتت كلمتنا، ولا شك بأن تلك الظروف تحتم علينا رص الصفوف، وتوحيد الكلمة والوقوف مع كل من يناصرنا في قضايانا، فالله تعالى قد أثنى على الروم عندما انتصروا على الفرس المجوس، وهذا نصر من الله «ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله»، لأن الروم النصارى أقرب الى المسلمين من الفرس، فكيف ونحن نشاهد امة مسلمة لها مكانتها العريقة في التاريخ تقف مناصرة ومؤيدة لقضايانا، بينما يتآمر بعض أبناء ملتنا علينا ويتسابقون على إرضاء أعدائنا!المجلس ينتصر لأعضائه!لا شك أنها فرحة لنا أن ينتصر مجلس الأمة لأعضائه ويرفض إسقاط عضوية الاخوين الفاضلين الدكتور وليد الطبطبائي والدكتور جمعان الحربش.لا أريد أن أخوض في المسألة الدستورية، والتي امتنع بعض أعضاء المجلس عن التصويت ضد إسقاط العضوية بسببها، لكن لا بد من بيان أن تماسك المجلس ورفضه لإسقاط العضوية هو موقف مبدئي يستحق منا الشكر الجزيل، ونأمل أن تتكلل تلك الجهود بإصدار قانون العفو العام أو العفو الخاص!ملاحظة: كنت أنوي نشر رد الدكتور أمير، ولكن لضيق المساحة اكتفيت بذكر فحواها والرد عليها.