ذكرتُ في مقالي السابق «جدّد حياتك» ما كتبه الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله - من كلام يحتاجه كل مسلم في حياته، وأنصح الجميع بتنزيل الكتاب مجاناً من موقع الإنترنت، وأستكمل اليوم بعض المواضيع المهمة:3 - هموم وسموم وفي هذا الفصل يتكلم الشيخ الغزالي عن المرض العصري، الذي يدمر حياة الكثير من الناس فيقول: «الأفراد والجماعات منطلقون في سباق رهيب لإحراز أكبر حظ مُستطاع من حُطام الدنيا، وقواهم البدنية والنفسية تدور كالآلة الدائبة وراء هذه الغاية، وقد احتشدت فيها جميع الخصائص الإنسانية الدنيا والعليا! إلّا أن الآلات قد يقطر عليها من الزيت ما يرطّب حدة الاحتكاك في حركتها ويمنع الشرر المتولد من إحراقها، أما أعصاب الناس في عراك المادة الرهيب فتمضي مستثارة يستبد بها القلق والضيق حتى تشتعل فتأتي على الأخضر واليابس»!ونقل الغزالي عن ديل كارنيغي: «عشت في نيويورك أكثر من 37 سنة، فلم يحدث أن طرق أحد بابي ليحذرني من مرض يدعى القلق، هذا المرض الذي سبب في الأعوام السبعة والثلاثين الماضية أكثر مما سببه الجدري بعشرة آلاف ضعف، نعم لم يطرق أحد بابي ليحذرني أن شخصاً من كل عشرة أشخاص من سكان أميركا معرض للإصابة بانهيار عصبي مرجعه في معظم الأحوال إلى القلق».ويقول الدكتور و. الفاريز: «اتضح أن أربعة من كل خمسة مرضى ليس لعلتهم أساس عضوي البتة، بل مرضهم ناشئ عن الخوف والقلق والبغضاء والأثرة المستحكمة، وعجز الشخص عن الملاءمة بين نفسه والحياة».وقد عالج الإسلام تلك القضية الخطيرة أفضل العلاج وذلك بربط الإنسان بالإيمان باليوم الآخر والتجافي عن دار الغرور، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَن كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمعَ له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومَن كانت الدنيا همّه، جعل الله فقره بين عينيه وفرّق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلّا ما قدّر له» (الترمذي).ثم تكلّم الكاتب عن طرق عدة لمعالجة ظاهرة القلق!4 - حياتك من صنع أفكارك  حكى ديل كارنيغي قصة شاب نهكته العلة، فرحل عن وطنه يطلب الصحة في السياحة، وارتياد الأقطار البعيدة، وكان أبوه يعلم طبيعة مرضه، وأن سقامه جاءت من توعك مزاجه وغلبة أوهامه، فكتب إليه هذه الرسالة: «ولدي، إنك الآن على بعد 1500 ميل من بيتك، ومع ذلك لست تحس فارقاً بين الحالين هنا وهناك، أليس كذلك؟ بلى، لأنك أخذت عبر هذه المساحة الشاسعة الشيء الوحيد الذي هو مصدر كل ما تعانيه، ذلك هو نفسك، لا آفة البتة بجسمك أو عقلك، ولا شيء من التجارب التي واجهتها قد تردي بك الى هذه الهاوية السحيقة من الشقاء، وإنما الذي تردى بك هو العوج الذهني الذي واجهت به تجاربك، وكما يفكر المرء يكون، فمتى أدركت ذلك يا بني، فعُد إلى بيتك وأهلك، لأنك يومئذ تكون قد شُفيت!».قال الشاب: «هاجني هذا الخطاب وبلغ بي الغضب حداً قررت معه ألّا أعود إلى بيتي وأهلي»، قال: «وفي تلك الليلة دلفت إلى مكان لأستمع إلى موعظة دينية وكانت بعنوان: (هذا الذي يقهر نفسه، أعظم من ذلك الذي يفتح مدينة)، وكأنما كان جلوسي في معبد من معابد الله، وإنصاتي إلى الأفكار التي تضمنها خطاب أبي تقال بصيغة أخرى... ممحاة مسحت الاضطراب الذي يطغى على عقلي، وهالني إذ ذاك أن أرى نفسي على حقيقتها، نعم؟ لقد رأيتني أريد أن أغير الدنيا وما عليها، في حين أن الشيء الوحيد الذي كان في أشد الحاجة إلى التغيير هو تفكيري واتجاه ذهني، هو نفسي».5 - لا تنتظر الشكر من أحديقول الشيخ الغزالي: مع أن نعم الله تلاحقنا في كل نَفَس يملأ الصدر بالهواء، وكل خفقة تدفع الدماء في العروق، فنحن قلما نحس ذلك الفضل العام، أو نقدر صاحبه ذا الجلال والاكرام! إن جمهور البشر ذاهل عما يكتنفه من آلاء وإنه يتقلب في خيرات الله غير واعٍ لكثرتها، لا شاكراً لمرسلها!إن كثيرا من الناس يتناول أنعم الله وكأنه يسترد حقاً مسلوباً منه أو ملكاً خاصاً به، ومن ثم فهو لا يرى لأحد فضلاً عليه، يضرب ديل كارنيغي أمثلة عدة لشيوع الجحود بين الناس، ويضرب مثلا بصامويل لايبيتر الذي اشتغل محامياً ثم قاضياً - انقذ 78 رجلاً من الإعدام، فكم من هؤلاء تقدّم له بالشكر؟ لا أحد!إن الجحود فطرة، إنه ينبت على وجه الأرض كالأعشاب الفطرية، يقول الغزالي: وإنني بعد ما بلوت الناس أجدني مضطراً لأن أقول: محض عملك وانشد ثوابه وحده، ولا تنتظر أن يشكرك أحد من الناس، بل توقع أن يضيق الناس بك وأن يحقدوا عليك، كما قال الشاعر:إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحاًعني وما سمعوا من صالح دفنواجهلاً علينا، وجبناً عن عدوهملبئست الخلّتان: الجهل والجبن