استضاف منتدى المبدعين الجدد في رابطة الأدباء الكويتيين الروائي والناقد التونسي الدكتور شكري المبخوت، في جلسة حوارية، حاضر فيها عن جنس السيرة الذاتية اليوم في الأدب العربي ومستقبلها، رابطاً بينها وبين الرواية العربية. حضر اللقاء سفير تونس في الكويت أحمد بن الصغير، ورئيس قسم اللغة الفرنسية في كلية الآداب في جامعة الكويت الأستاذ الدكتور منصف الخميري، ورئيس اللجنة الثقافية في الرابطة سالم الرميضي، ورئيس لجنة أدب الطفل في الرابطة أمل الرندي. وأدار الكاتب حمد الشريعان اللقاء مع الدكتور المبخوت الذي كان تحت عنوان «جنس السيرة الذاتية اليوم في الأدب العربي ومستقبلها»، وتناول فيه مشكلة خصائص السيرة الذاتيّة العربيّة ومستقبلها. فبعد أن ربط المحاضر بين السيرة الذاتيّة والرواية العربيّة التي تشهد طفرة كمية ونوعيّة، تساءل عن حظّ السيرة الذاتيّة من المدوّنة السرديّة العربيّة، وهل بلغت ما بلغته الرواية العربيّة من تعبير عن الواقع العربيّ الفرديّ والجماعيّ.وذكّر المبخوت بقيام السيرة الذاتيّة على التردّد بين المرجعيّ التوثيقي لتاريخ صاحبها ومقتضيات الكتابة الروائيّة من الناحية الفنيّة والجماليّة. فكأنّ الأساسيّ هو الجانب الفنّي قبل الجانب التوثيقيّ، وإن كان سلوك القارئ للرواية التي لا يزعم أصحابها أنّها سيرة ذاتيّة يقوم على العكس، وهو البحث عن تطابق الشخصيّة والأحداث مع تاريخ المؤلّف الشخصيّ في كثير من الأحيان. وقدّم مثالاً عن ذلك تساؤلات القرّاء عن مدى مطابقة شخصيّة الطلياني لشخص الكاتب شكري المبخوت. فوعي القارئ العفويّ يربط بين التخييلي والتوثيقي التاريخي. وعلى النقد ان يأخذ هذا السلوك العفويّ بعين الاعتبار بما أنّ السرد علاقة حواريّة بين الذوات الكاتبة والقارئة. والسيرة الذاتيّة من أقدر أجناس السرد على شدّ القارئ وإدخاله في لعبة الحوار هذه، لأنها تقدّم مبدئيّاً قصّة نجاح. هنا تكمن المشكلة تحديداً في رأي الدكتور المبخوت. فـ«المظهر البطولي» للسيرة الذاتيّة لا يحجب عنا انّها مناسبة للبوح بالمخازي والعيوب والنقائص، لا لتمجيد الفضائل والقيم المثلى. وأجاب المحاضر على سؤال: كيف تصرّفت السيرة الذاتيّة العربيّة؟، بقوله: «إذا استثنينا القليل من الأعمال مثل الخبز الحافي لمحمّد شكري، وسيرة عبد القادر الجنابي مثلاً، فإنّ جلّ السير الذاتيّة العربيّة يضعف فيها جانب البوح والتعرّي وتظلّ مشدودة إلى منظومة القيم السائدة أخلاقيّاً ونظرة المجتمع إلى سياسة الجسد.وأرجع المحاضر المسألة إلى انّ السيرة الذاتيّة الأبرز في الثقافة العربيّة وهي «الأيام» لطه حسين، بقوّتها وفتنتها غاب منها الحميميّ، وسرعان ما تحوّلت إلى أنموذج لكتابة السير الذاتيّة. فقد صنع طه حسين بطلاً إيجابيّاً فيها، يقوم من الناحية الأيديولوجيّة على رسم ملامح إنسان غالب الصعاب بقوّة العقل والإرادة والعلم والإصرار على المعرفة، لتغيير واقعه الفرديّ والجماعيّ. فجاءت أقرب إلى «سيرة عقل وفكر»، وهو ما يسمح بإدراجها ضمن السيرة الذاتيّة الفكريّة. وتابع: «يستند هذا الضرب من السير الذاتيّة إلى التمرّد والتبرّم والتشكيك في نظام القيم السائدة. وهو ما يؤدّي إلى البحث عن معنى الوجود بالانفصال النسبي عن المجتمع والتعطّش إلى المعرفة والإيمان بمفاهيم الحريّة والترقّي والتقدّم». وكان الكاتب المبخوت قد حلّل هذه الخصائص كلها في كتابه «أحفاد سارق النار»، لأن السيرة الذاتيّة الفكريّة تنبني عنده على أسطورة برومثيوس وصنوه الحديث فاوست.وأرجع المبخوت هذه السيطرة للجانب الفكري إلى عامل ديموغرافي واجتماعي تاريخي. فجل كتاب السير الذاتيّة من الجامعيّين والمثقّفين والأدباء الذين ينتمون إلى جيل كانت المدرسة فيه مصعداً اجتماعيّاً، وكانت شواغلهم فكريّة ثقافيّة لمواجهة الفكر التقليدي (مثال صراع طه حسين مع الأزهر). لذلك فإنّ ثورتهم كانت على قدر انتمائهم ومواقعهم الاجتماعيّة فظلّوا في سياق الحياء الاجتماعيّ والأخلاقيّ.وفي ختام اللقاء كرّمت رابطة الأدباء الكويتيين الكاتب المبخوت، ممثلة برئيس لجنتها الثقافية سالم الرميضي وعضو مجلس إدارتها أمل الرندي، بتقديم درع الرابطة له.