قبل أيام عدة وأنا في طريقي بالسيارة، كنت أستمع لإحدى إذاعات الكويت الرسمية، وكان الحديث حول سيرة الفنانة عائشة المرطة - رحمها الله - وذكرت المذيعة: «أنه في يوم وفاتها أمر الشيخ سعد العبدالله رحمه الله - وكان وليا للعهد - آنذاك - بجعله يوم حداد وطني نُكست فيه الإعلام وعُطلت وزارات الدولة»! استغربت جدا هذه المعلومة واستنكرتها... لكنها معلومة قيلت في إذاعة الدولة الرسمية! حين وصلت إلى مكاني بدأت أبحث عن هذه المعلومة، التي كانت محل استنكار واستغراب، وفعلا وجدت موقعا إلكترونياً على إحدى منصات البحث ينشر مثل هذه المعلومة، ووجدت نقلاً عن هذا الموقع من أشخاص عدة في مواقع للتواصل! لكن بالتدقيق وبالرجوع إلى مصادر البحث المعتمدة حتى الإلكتروني منها، لا تجد أي أثر لهذه المعلومة ولا إشارة وهي مستنكرة بطبيعتها ولا يمكن لأي أحد أن يصدقها. السؤال: رغم عدم إمكانية تصديق مثل هذه المعلومة، كيف وصلت لأن تذاع في الإذاعة الرسمية للدولة؟ والجواب عن هذا السؤال بسيط، إنه خطر البحث الإلكتروني الذي يعتمد عليه الجميع للأسف! اليوم هناك خطر محدق يهدد كل حقيقة وكل معلومة، فالناس - كل الناس - للأسف يعتمدون اعتماداً كلياً على منصات البحث الإلكترونية لمعرفة أي شيء في أي شيء، ويعتقدون أن أي معلومة يقرأونها في هذه المنصات حقيقية، خصوصا إذا غُلّفت ببعض البهرجات الإعلامية! تعرفون معنى هذا؟ معنى هذا أنه بالإمكان تزوير تاريخ أي دولة وتاريخ أي شخص، معناه إمكانية تزوير حتى المراجع الدينية المعتمدة في الفقه وغيره ونسبة فتاوى وكلام لعلماء وهو غير صحيح! معناه إمكانية حتى تزوير كتب الحديث وغيرها... التفكير فيما يمكن إحداثه مخيف جدا إذ إن كل شيء عرضة للتزوير، المسألة فقط تحتاج إلى قليل من الجهد وشيء من الوقت لتجد ما نشرته حتى لو كان مزوّراً... تجده حقيقة في منصات البحث! لا يشك أحد أنه في غير استطاعتنا السيطرة على هذا الفضاء الإلكتروني الواسع، لكن بالتأكيد اننا قادرون على السيطرة على عقولنا وطريقة تفكير المجتمعات في تلقي المعلومات... وإلا فإن النتائج مرعبة! النشر الإلكتروني وسيلة عظيمة جدا لنشر المعلومات وتسهيل الوصول إليها، ويجب ألّا تتحول إلى آفة وسرطان يأكل في جسد ثقافتنا، ولهذا فإن ضبط التعامل مع هذه المنصات هو السبيل الأوحد للاستفادة منها. سياسياًـ ما حدث في السنوات الأخيرة في الوطن العربي له أسباب كثيرة، نتفق أو نختلف حول بعضها لكن ما لا جدال حوله أن منصات النشر الإلكتروني كان لها الأثر الأقوى في ما حدث، قلت: سياسياً... لأنني أعلم أن الأنظمة العربية ما لم تخف على كيانها فلن تتحرك تجاه أي شيء، ولأن الخطورة التي سردنا بعضها لا تمس الثقافة والمعلومات والحقائق العلمية والمراجع التاريخية والدينية وغيرها من أركان جسد الثقافة، والتي هي ليست من اهتمام هذه الأنظمة بكل تأكيد، بل قد تمس سلامة هذه الأنظمة أيضا، لأن «السيل جرار»، لذا قلت: سياسيا، لعل الحكومات تتحرك نحو حفظ ثقافتنا وتاريخنا من التزوير بدعم خطة إرشادية لتنقية عقول المجتمعات من تلقي أي شيء وتصديقه من دون تمحيص. @lawyermodalsbti
مقالات
واضح
عائشة المرطة وخطورة البحث الإلكتروني!
12:31 م