دق استشاريون متخصصون جرس الإنذار من التداعيات السلبية لما تتداوله وسائل التواصل الاجتماعي على الجسم الطبي، ولاسيما ما يجري الحديث عنه في شأن الأخطاء الطبية، والخوض فيها من قبل أناس غير متخصصين، وتحميل الأطباء مسؤولية المضاعفات الصحية لأي عمل جراحي.وقال الاستشاريون، خلال استضافتهم في برنامج «الليلة» على شاشة تلفزيون الكويت، إن كثرة خوض وسائل التواصل في هذا الأمر وتحميل الأطباء مسؤولية أي تداعيات صحية للمريض، ستؤدي إلى عزوف الاطباء، ولاسيما المتميزين منهم، عن إجراء بعض العمليات الصعبة التي قد تنتج عنها مضاعفات، داعين كلا من وزارة الصحة ومجلسي الامة والوزراء إلى وقفة جادة حيال هذا الامر.استشاري أمراض القلب وقسطرة القلب التداخلية الدكتور ابراهيم الرشدان، قال إن 95 في المئة من المعلومات المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي تصله في ما يخص امراض القلب وعلاجها هي معلومات خاطئة، منتقدا حديث كثير من الناس غير المتخصصين عن الاخطاء الطبية، «وهذا لا يحدث من قبل العامة فقط، ولكن حتى من قبل بعض اطباء الذين يتحدثون في ما هو غير متخصصين فيه». وتابع «أنا أنأى بنفسي ان أتكلم عن موضوع ليس من اختصاصي، وليس عيبا ان يقول الانسان (ما أدري) وحتى الجانب الايجابي في وسائل التواصل يحتوي على خطأ».وبين ان «المشكلة الآن ان الناس عندما يريدون أن يعرفوا اي شيء عن المرض يلجأون الى غوغل، ويعتقد المريض انه قرأ الموضوع وعرف الطب و(يناجرك) عندما يأتي الى المستشفى وتناقشه. كما أن وسائل التواصل يمكن ان تنال من الشخص أو من الاطباء بسهولة لعدم الرقابة، والحمد لله ان لدينا في الكويت كنترولا الآن على تلك الوسائل التي يتحدث فيها الناس عن كثير من الاشياء واعراض الناس»، مشيرا الى ان «هناك قوانين تحجم انتشارها ولكن في ما يتعلق بالمواضيع الطبية فان الناس يتركون للتكلم فيما يشاءون وهذا شيء خطأ».وحول ضعف ظهور الاطباء للرد على ما يثار في تلك وسائل التواصل قال الرشدان «أهل السياسة ما قدروا عليهم، فهل نحن كاطباء نستطيع أن نقابلها، ونحن يوميا في العمليات وما بين المرضى؟ فاهل الاختصاص لديهم عملهم، واتوقع ان هناك اشياء اهم نتطرق لها، لكن هناك كثيرا من الاطباء اصحاب مستوى عال وثقة يقومون بتوعية الناس في الشوشيال ميديا». وأضاف «في وسائل التواصل للأسف حرية مطلقة الآن - في الوقت وبالاسلوب الذي تبيه - وكثيرمن الناس بأسماء وهمية، وحتى في وسائل الاعلام ليس هناك شيء يجب ان يؤخذ كنص اساسي او كمصداقية 100 في المئة. فهناك كثير من الاشياء قد تخفى حتى في وسائل الاعلام سواء المرئية او المقروءة، فعندما يأتي صحافي وليس بدكتور ولا يعرف بالطب ويسمع عن حادثة ويضخمها، بقصد السبق الصحافي أوالنيل من شخص او جهة معينة فهذه أمور ترجع الى اخلاقيات المهنة التي للاسف يجب ان ترتقي».وحول امكانية ان يخصص في القطاع الحكومي قسما خاصا لوسائل التواصل ليقدم الاطباء من خلاله نصائح والرد على ما يثار، قال «وسائل التواصل سلاح ذو حدين، وللأسف الآن كثير من الناس الذين ليس لديهم متابعون كثيرون ليس شرطا ان يكونوا اناسا جادين، بينما واحد (غشمري ودمه خفيف) تتابعه الناس التي تريد ان (تتونس) فيكون لديه مليون متابع، لكن انت كطبيب لا يتابعك أكثر من ألفين او ثلاثة ولن يكون هناك انتشار».وأضاف «لابد من العمل لظهور كلمة الحق والصدق والكلمة النابعة من المصادر الطبية الحقيقية، وقد كان لدي الرغبة هذه من زمان لكن للاسف، نحن كاطباء مشغولون جدا ولا نستطيع ان نقوم بهذه الشغلة. وهذا الامر يحتاج إلى آليات ومعدين وان كانت برامج حكومية او عامة أو خاصة، فانه يمكن ان يستنار برأينا لمدة خمس او عشر دقائق لكن لا نستطيع ان تقوم بالاعداد وتقديم المواضيع، فتلك الامور تحتاج الى آليات ضخمة».وأكد الرشدان ان «التعامل مع وسائل التواصل لابد ان يكون جديا للرد على كل الاشياء التي تثار، لانه كما ذكرت 95 في المئة من المعلومات فيها خاطئة، وهناك اناس يسمعون لها، واناس تعرضوا لجلطات بسببها، ومنهم مريض عندي شخصيا بناء على ما تداوله في فترة من الفترات حول أن دواء الكوليسترول ضار ولا يجب اخذه». وتابع «يجب ان نبعد وسائل التواصل عن القرارات الطبية، في ما يتعلق بالمرضى الذين يتعالجون علاجا مزمنا، وينبغي على المريض الا يتخذ قرارا بتغيير العلاج قبل ان يستشير المختص، ولكن الناس للأسف تسمع كلام الاجنبي، وتعتقد أنه صحيح وتقوم بعمل (إعادة إرسال) دون التيقن من صحته. فظروف إشاعة الاخطاء الطبية والمخاوف عند الناس وعزوف الاطباء عن علاج الحالات الصعبة هذا شيء يشكل خطرا على مستقبل الطب والجهة الصحية التي تقدم العلاج، ولابد ان نقف وقفة حقيقة جادة سواء من المهتمين بالأمر الصحي وزارة الصحة و المشرع والجانبين الحكومي والجنائي. ولابد ان نحاول جادين وألا نفكر في اليوم وغد، ولكن نفكر بعد 10 الى 20 عاما، وأن نتكاتف ونأخذ افكار الدول التي سبقتنا ونحاول تطبيقها لدينا في الكويت،حيث لا نحتاج ان نعيد اختراع العجلة». وأضاف «حاولت القيام باجراء بعض العمليات الصعبة في احد المستشفيات، حيث وجدت عزوفا و امتناعا لكثير من الاطباء، لكونها حالات صعبة، وكثيرا ما يقول الاطباء (اشحقه اسوى حالة صعبة، زميلنا الفلاني تم منعه من السفر، وتبي يصير فينا نفس الشيء). لذلك لابد من ان تكون هناك جدية من وزارة صحة ومجلس الأمة بإصدار القوانين ومحاولة ايجاد مخرج لهذا الموضوع، فلا يمكن ان نحاكم ونسيء لطبيب في امر كان هدفه علاج المريض».وأوضح ان «في الكويت اذا كان الطبيب يعالج المريض على احسن ما يكون وحسب الاصول الطبية، وكان هناك احتمال واحد بالمليون ان يتوفى المريض فانه يتم تسمية ذلك (قتل خطأ) وهذا ليس صحيحا». وضرب مثالا على ذلك بعلاج حالات «الصدمة القلبية»، موضحا انها «من اصعب حالات امراض القلب ونسبة الوفيات فيها تبلغ 80 في المئة، وهي اعلى نسبة وفيات في اي مرض، وان نسبة الوفيات يمكن تنزل بعد علاج الاطباء الى 50 في المئة، وهي نسبة عالية جدا لكن تم تقليلها وهنا كيف للاطباء أن يقدموا على خدمة هؤلاء المرضى؟ وعليه نتمنى ان نسعى جادين وجاهدين بدعم شعبي للارتقاء بالنظام الصحي، فالهدف ليس حماية الاطباء ولكن الارتقاء بالنظام الصحي، لاننا نريد ان يعالج الاطباء مرضى الحالات الصعبة الذين يمكن ان يعزف بعض الاطباء عن علاجهم الآن». وأضاف ان «من يفصل في موضوع الاخطاء الطبية اناس مختصون في المجال الطبي ومجال العلاج، ففي كندا لا أحد يستطيع ان يشتكي على الطبيب في المخافر لان الامر قضية طبية، فهناك لجنة محكمين اطباء متخصيين في المجال من جهات مختلفة، ويصلون الى قناعة معينة فيه تقصير او ليس فيه وتتم المحاكمة في محاكم مدنية لا جنائية، وهذا عكس الحادث لدينا حيث ان حدثت مضاعفات يستطيع صاحب المريض واهله الذهاب الى المخفر والشكوى على الطبيب ومنعه من السفر».  من جهته رأى استشاري الأنف والاذن والحنجرة وجراحة تجميل الوجه والاستاذ المساعد في كلية الطب الدكتور خالد الصبيح، أن هناك تعسفا وظلما للأطباء في استغلال مصطلح «الخطأ الطبي» حيث هناك من اشتكى وربح شكواه، الامر الذي أدى إلى عزوف من الاطباء خصوصا المتميزين عن عمل بعض العمليات الصعبة التي قد تنتج عنها مضاعفات، والخشية والخوف من اجراء هذه النوعية من العمليات. فالخوف من وقوع مضاعفات هو خطأ طبي لانه يمكن بالجهد والعناية تحقيق الشفاء للمريض.  وأكد الصبيح ان«الخوف من الضغوط الخارجية او التعسف الذي يحدث الآن، سواء في وسائل الاعلام او التواصل الاجتماعي لهما اسباب سلبية اخرى، ففي حال وجود عملية صعبة وان قرر الطبيب اجراءها، فإنه يمكن ان يكون تحت تأثير ضغط نفسي وهذا يؤثر عليه قبل وخلال العملية وفي قبولها». وأوضح ان«ذلك من شأنه ان يؤثر على العملية التعليمية، فلدينا برامج البورد الكويتي والتدريب، وهذه مهمة كثيرا لتخريج جيل ثان من الاطباء، ولكون العملية التعليمية لابد ان تكون تحت اشراف الاستشاري، فانه كذلك يخاف ان يعطي اي نوع علاجي للطبيب المتدرب خوفا من حدوث مضاعفات». ورأى الصبيح ان«الخطأ الطبي ينبغي ان يتم التعامل فيه مع الطبيب من قبل الجهة التي تحدد ان كان هناك خطأ او لا، ومع الحادثة نفسها. ففي الدول المتقدمة طبيا يتم التعامل مع الخطأ الطبي بطريقة جميلة جدا عبر نشره في مجلات علمية ونشرات دورية ليستفيد منها الاطباء». واشار الى ان«هناك نسبة من المواطنين للاسف ليس لديها ثقة في الطب، لا لشيء وأنما بسبب ما يحدث من تضخيم وخدش للجسد الطبي الكويتي».من جهته، قال استشاري الجراحة والاستاذ المساعد في كلية الطب الدكتور محمد جمال ان«الاخطاء الطبية تسمية خاطئة، فتعليق الخطأ وفق الابحاث في هذا الصدد على شخص، وجعله كبش فداء لا يؤدي الى اصلاح الخطأ»،منتقدا ما يحدث في وسائل التواصل الاجتماعي بهذا الشأن. وأضاف جمال«للأسف نحن في 2018 ومازالنا نعامل الخطأ بطريقة خاطئة، وهناك تكسب سياسي كبير في هذا المجال، فبعض الاجراءات التي يمكن معها تقليل حدوث الخطأ الطبي ومنها ايجاد الملفات الالكترونية وتقليل ساعات العمل وتدريب الاطباء». وأوضح ان«الاخطاء هي السبب الثالث لوفاة المريض ومعالجتها ينبغي ان تكون عبر الطريقة الحديثة والابحاث وبالنقاش الصحي الدقيق وعبر ايجاد الانظمة التي تمنع تكرارها».وعلى صعيد برنامج زراعة الكبد في الكويت، كشف جمال عن إجراء 4 عمليات زراعة كبد ناجحة منذ بدأ البرنامج في يناير 2018 وبتكاليف قليلة، مقارنة بزراعة الكبد في الخارج، مشيرا الى ان عمليات زراعة الكبد عملية معقدة وتحتاج تضافر العديد من الفرق. واشار الى ان العلاج بالخارج احد الاسباب التي تقلل البيئة الصحية في الكويت ورعاية المرضى، وتهدر كثيرا من الميزانية، مشيرا الى ان من 2010 الى 2013 في مكتب واشنطن فقط كان هناك 40 حالة لزارعة كبد كلفت نحو 60 مليون دولار، متوقعا ان الميزانية لزراعة الكبد في مكتب بريطانيا وفرنسا واميركيا كانت نحو نصف المليار دولار.