«أيها الصامدون فوق ثراهالكم المجد والثنا والتحيةأيها الصامدون مثل جبالراسيات على الرياح عصيةأيها الصامدون فوق ثراهاكالليالي في دورة أبديةأنتمو سورها الذي سوفتبقى فوقه راية الكويت الأبيةقد كتبتم لنا ملاحم مجدهي للعز والفدا أبجديةإن صبرا صبرتموه سيبقىفوق جيد الكويت أغلى هدية»(شعر عبدالله العتيبي شاعر الوطن والوطنية ) يوم الجمعة 3/‏ 8/‏ 1990، أصبحنا صامتين، مخنوقي العبرة، حبست مآقينا، نفوسنا في عزلة، جفت دماؤنا، تناثرت أفكارنا، قتلت آمالنا.وبينما أنا اغتسل وجهي، أحسست بدفء وخوف، التفت خلفي و إذا أمي تأخذني بحضنها - فتعانقت مناجاة الدموع بيني وبينها، أمي تلك المرأة الشجاعة العنيدة، تلك المرأة الشامخة الأبية، تلك الأم التي ولدت وربّت اثني عشر ولدا؛ ثلاث إناث وتسعة ذكور، تهاوت بين يديْ وللمرة الأولى في حياتها، لا أستطيع أن أستنجد بأحد فأنا المعني بهذا السقوط، اتكأت عليّ فسندتها إلى حيث ترقد مواسيا معزيا نفسي، التففنا حولها وتسورتنا المأساة، الحمد لله ها هي تعيد أنفاسها... هناك صراخ وفرح. من القادم؟ إنه أخي عماد الرقيب في القاعدة البحرية، عاد عماد وعادت أمي إلى الحياة مرة أخرى، أمل يتجدد... نبض ينتعش. فرحتنا بعودة أمي إلى الحياة أنستنا فرحة عودة عماد. أخذ عماد يقبل رأسها ويدها وهي تتفحصه بعينيها كما يشخـّص الطبيب المريض، انتقل نظرها إليّ؛ فأجبتها: سيعود اطمئني وسوف يلم الله شعثنا إن شاء الله، مثلما جاء إخوته سيأتي هو أيضا سالما معافى باذن الله. تركت عماد مع أمي يقصّ عليها ويحاكيها ووقفت كعادتي عند بوابة المنزل أتحدث مع أخي صباح، الملازم لبوابة المنزل يتسقط الأخبار من هنا وهناك، وفجأة طرأت على بالي فكرة، فقلت له: هلا رافقتني بالسيارة لنستطلع الأخبار ونرى بأعيننا ماذا يجري في البلد، فليس من المعقول أن نقف مكتوفي الأيدي على أمل أن يستدعينا قسم الشرطة بعد أن دوّنا أسماءنا. فقال: تعال قدت سيارتي ناحية المسيلة نظرنا إلى مبرة الشيخ صباح السالم طيب الله ثراه، و إذا بالمدرعات العسكرية الواقية واقفة على حدود المبرة، لقد جاء الغزاة يزحفون كالتماسيح الجائعة على الطريق الساحلي، يفترسون ويقتلعون كل ما تقع عليه أعينهم، لم يتركوا خضرا ولا يابسا، محملين بكراهية بغيضة، ومعبئين بحقد دفين ومتراكم من سنين...«هنا بدأ التاريخ أول خطوةهنا...والليالي من هنا بدأت بكرابلادي..بلاد طهّر الحب قلبهافما نقضت عهدا..ولا أضمرت غدراوما حملت يوما لقوم ضغينةوما كشفت عن بعض عوراتهم سرابلادي.. وكف الزمان صغيرةوقد يبتدأ بالعد بالأصبع الصغرىبلادي غيوم الخير تسعى لأفقهاوكل ربيع في ثراها له ذكرىأكاد أراها ليلة العيد تزدهيوكل الليالي حولها تنثر البشرى وأبصرها للعيد تغسل وجههابنهر ضياء سال من حولها عطراوقد علموا بغداد أن بلادناكمثل «عصا موسى تلقفت السحرالقد صهرتها النار حتى توقدتومن تحت أكوام اللظى أنهضت صقرا»(شعر عبد الله العتيبي شاعر الوطن والوطنية)* كاتب وباحث لغوي كويتي* المصدر: رواية ( الكويت في قلب شاعر- 2 /‏8 /‏1990حتى 26/‏2/‏1991)fahd61rashed@hotmail.com