في قاعة الشيخ جابر العلي - إحدى قاعات مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي - كان الجمهور الكويتي على موعد مع فارس الأمسية الاستثنائية الفنان المصري طارق بشير، الذي أحيا بمعية الفرقة الموسيقية بقيادة الدكتور محمد باقر كلاسيكيات الزمن الجميل «من غير ميكرفون»، إذ «حيّر الأفكار» بروائع لعمالقة الغناء العربي، من طراز موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب وسيد درويش ورياض السنباطي وزكريا أحمد، إلى جانب أعمال فولكلورية من التراث المصري والموسيقى العثمانية.شهد الحفل، حضور حشد جماهيري غفير، تقدمته قيادات مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، بالإضافة إلى كوكبة كبيرة من عشاق الطرب الأصيل، حيث نفدت كمية التذاكر المخصصة لهذه الأمسية، بعدما عجت المدرجات بالمئات من الحاضرين، الذين تسمّروا على مقاعدهم طوال فترة الحفل الذي امتد لساعتين. في البداية، قدمت الفرقة الموسيقية مقطوعة عثمانية لعاصم بك الناياتي، قبل أن يشدو الفنان طارق بشير بموشح بعنوان «حيّر الأفكار»، وهو من الموشحات القديمة التي تنتمي إلى الإيقاع المربع الشرقي، ومن مقام راست، وقد اشتهر بصوت الفنان الكبير الراحل صباح فخري. ويقول مطلعه «حيّر الأفكار بدري في صفا خده الأسيل... من لغصن البان يزري بالتثني إذ يميل». بعدها، تألق بشير بموشح آخر بعنوان «يا شادي الألحان» من كلاسيكيات الموسيقى العربية، ومن كلماته «يا شادي الألحان أسمعنا رنات العيدان... وأطرب من في الحان... واحسبنا من ضمن الندمان». وفيما كان الهدوء سيد الموقف في المدرجات، ظل إحساس المطرب المصري يحلّق وحده في الأجواء، على أجنحة الأغنية الشهيرة «أنا هويته وانتهيت» لسيد درويش، حيث بدا الغناء نابعاً من القلب ليلامس شغاف القلوب من دون مؤثرات أو هندسة صوت. ولعل تصميم المسرح بطريقة معمارية وهندسية فذة، ساعدت بشير والفرقة الموسيقية في إيصال الصوت والإحساس إلى الجمهور في الصفوف الأخيرة، كما لو أنهم في المقاعد الأولى.وبالعودة إلى الحفل، فقد أدار بشير الرؤوس طرباً بأغنية «امتى الزمان يسمح ياجميل... وأسهر معاك على شط النيل» لموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب. تبعها بأغنيتين لمحمد القصبجي هما «حبك يا سيدي» و«رق الحبيب». ثم قطف فارس الأمسية وردة من حدائق الموسيقار رياض السنباطي بعنوان «ليه يا بنفسج»، وهي من أغاني «الطقطوقة»، حيث صاغ كلماتها بيرم التونسي وتغنى بها من قبل الفنان الكبير الراحل صالح عبدالحي. ويقول مطلعها «ليه يا بنفسج بتبهج... وإنت زهر حزين والعين تتابعك». تلتها أغنية «يا ترى نسي ليه» لمحمد القصبجي، ليختتم الليلة الغنائية المتفردة بأغنية «يا صلاة الزين» لزكريا أحمد. الحفل بمجمله كان استثنائياً بكل ما للكلمة من معان، ويُحسب لمركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي أنه قدم تجربة غير مسبوقة في الموسيقى العربية المعاصرة، حيث لم يسبق لأي فرقة موسيقية كبيرة أن واجهت الجمهور من دون ميكروفونات، سواء للعازفين أو للمطربين، إلا من خلاله، وكان ذلك في العام الماضي حين أحيت كل من أوركسترا لندن وأوركسترا بوخاريست حفليهما بلا ميكرفون على خشبة المركز، وهي تجربة تتطلب أسلوباً خاصاً في الأداء، لكي تنجح الفكرة وتصل النغمات إلى آذان المستمعين بأقل قدْر من الحواجز. يُذكر أن الفنان طارق بشير سبق وأحيا حفلاً العام الماضي في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، عطفاً على حفلاته الأخرى في دار الآثار الإسلامية وغيرها، وهو مطرب متخصص بالتراث المصري، إذ يعمل بدأب على إحياء هذا الموروث من الاندثار، بالرغم من إقامته في المملكة المتحدة وبمدينة أكسفورد تحديداً.