تواجه منظمة الدول المنتجة للنفط (أوبك) في الوقت الراهن ظروفاً شبيهة إلى حد بعيد بتلك التي تسببت بانهيار أسعار النفط عام 1998، حينما وصل إلى مستوى 10 دولارت. ورغم ما تتمتع به «أوبك» من مواطن قوة، خصوصاً في ظل قدرتها على الالتزام بقراراتها واستقطاب منتجين عالميين كبار في اتفاقاتها، فإن هناك علامات كثيرة تشير إلى إمكانية حدوث تباطؤ في اقتصادات الدول الناشئة، بالتزامن مع أزمة الليرة التركية، وضعف نمو الطلب على النفط من قبل الصين في الوقت الذي أقدمت فيه المنظمة على زيادة الإنتاج.ووفقاً لتقرير نشرته وكالة «بلومبرغ»، فقد ظلت «أوبك» ولأكثر من عقدين تحاول جاهدة تجنب تكرار قرارها الخاطئ بزيادة الإنتاج عام 1997، في الوقت الذي كانت قد بدأت «تختمر» فيه بوادر أزمة في الأسواق الناشئة حينذاك.ولفت التقرير إلى أن هذه الزيادة في الإنتاج جاءت في أسوأ توقيت، إذ إن بوادر المشكلة التي طفت على السطح في عام 1997 تحولت منتصف 1998 إلى أزمة كاملة عصفت بالأسواق الناشئة، وشملت كلاً من روسيا والبرازيل.وفي تلك الفترة شهد نمو الطلب العالمي على النفط تباطؤاً، جاء في جزء منه بسبب الشتاء الدافئ غير الاعتيادي الذي تعرض له النصف الشمالي من الكرة الأرضية، الأمر الذي أدى إلى انخفاض أسعار النفط إلى 10 دولار للبرميل، وهو المستوى الأكثر انحداراً منذ الحظر النفطي في عامي 1973 و1974.وأوضح التقرير أن المنظمة تواجه الآن المعضلة ذاتها مجدداً في الأسواق الناشئة، ورغم أنها حتى الآن ليست شبيهة بشكل كبير بأزمة 1997، إلا أن هناك علامات كثيرة تشير إلى تباطؤ النمو الاقتصادي بدءاً من تركيا وصولاً إلى الصين.وفي هذا الاتجاه، أوضح مدير معهد «أكسفورد» لدراسات الطاقة، بسام فتوح، أن ميزان المخاطر يشير بوضوح إلى أن التباطؤ في الاقتصاد العالمي سيكون له أكبر تأثير على أسعار النفط.وقد انخفض مزيج برنت أخيراً لأقل مستوى منذ 4 أشهر ليبلغ نحو 70.30 دولار خلال هذا الأسبوع، متراجعاً بنحو 13 في المئة مقارنة مع أعلى نقطة وصل إليها في منتصف مايو الماضي حيث بلغ 80.50 دولار، في حين تراجع المؤشر العالمي بفضل انخفاض مستويات الشراء من قبل الصين، وزيادة إنتاج «أوبك» وروسيا، بالإضافة إلى مخاوف الحروب التجارية التي من شأنها أن تسهم ببطء النمو الاقتصادي وانكماش الطلب على الطاقة حول العالم.وأضاف التقرير «بالنسبة للسعودية، يشكّل الاضطراب في الأسواق الناشئة تعقيداً آخر في بيئة مضطربة بالفعل»، مبيناً أن منظمة «أوبك» سعت إلى تعديل ضبط إنتاجها استجابة لتأثيرات غير معروفة للعقوبات الأميركية على الخام الإيراني، بالإضافة إلى انهيار الإنتاج الفنزويلي.ووفقاً لما نقله التقرير عن مصادر، فإن السعودية تفضل أن تكون حذرة في التعامل مع السوق النفطي، وهذا يوضح قيامها بخفض الإنتاج في يوليو الماضي بعد أن رفعته في يونيو.وأضاف التقرير «في حين أن الاضطرابات تعطي المسؤولين في منظمة (أوبك) سبباً للحذر، فإن التوقعات الاقتصادية ليست سيئة بقدر ما كانت قبل عقدين من الزمن، حيث لا يزال نمو الطلب على النفط السنوي فوق متوسط 10 سنوات».من ناحيته، قال رئيس أبحاث السلع في «كوميرزبنك أيه.جي» في فرانكفورت، يوجين وينبرغ، «يبدو الوضع مختلفاً اليوم بالنسبة لــ (أوبك) عنه في التسعينات، فاليوم نجد أن الأسعار لا تزال قوية، وقد أظهرت المنظمة مرونة وانضباطاً قوياً لم تكن تتمع به في ذلك الوقت».وتابع «عند العودة بالذاكرة إلى الفترة ما بين العامين 1997 و1998 نجد أن حالة من الانقسام كانت تسيطر على الأوضاع في منظمة (أوبك) لاسيما مع إفراط فنزويلا في ضخ المزيد من الإنتاج مع استخفاف المنظمة ككل بتحقيق أهدافها المتعلقة بالإنتاج، إلا أن الوقت الراهن يكشف لنا أن المنظمة تتمتع بقوة واضحة من الداخل علاوة على قدرتها في العمل مع حلفاء خارجيين، بما في ذلك روسيا، وكازاخستان، وأذربيجان، والمكسيك».وفي يوليو المنصرم أشار صندوق النقد الدولي في تقرير له إلى أن وتيرة النمو في بعض الاقتصادات بلغت ذروتها، إلا أنه توقع أن يبلغ نمو الاقتصاد العالمي بحلول 2019 عند 3.9 في المئة، وهو المعدل نفسه خلال هذا العام، في حين أن النمو الاقتصادي الصيني سيتباطأ من 6.6 في المئة من 6.4 في المئة.وقال مدير مركز سياسات الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا في نيويورك، جيسون بوردوف «إذا تم تطبيق العقوبات الأميركية على إيران، فإن هناك طاقة إنتاجية احتياطية ضئيلة للغاية لمنع ارتفاع الأسعار، لكن إذا أقدمت السعودية على رفع الإنتاج، لاسيما مع المخاوف التجارية والضعف الطلب من الأسواق الناشئة، فإن أسعار النفط قد تنهار».
109 في المئة الالتزام بالخفض
رويترز - ذكر مصدران مطلعان، أن لجنة المراقبة المشتركة بين «أوبك» والمنتجين المستقلين خلصت إلى أن منتجي النفط المشاركين في اتفاق خفض الإمدادات قلصوا إنتاجهم في يوليو بنسبة تصل إلى 109 في المئة خلال شهر يوليوالماضي.