يحدثني أحد كبار السن عن زياراته السابقة للعراق فيقول: «كنا إذا سافرنا العراق ندخل السينما حيث لا توجد لدينا سينمات في الكويت، وكان مشغّل الأفلام يبدأ في تشغيل الفيلم وكلما دخل مشاهد جديد الى القاعة قام بإعادة تشغيل الفيلم من جديد حتى لا يفوته شيء، الى درجة أننا «تلوع كبودنا» (نصاب بالغثيان) من تكرار المشهد الواحد أمام أعيننا عشرات المرات».
اعتقد بأننا في الكويت قد سبقنا السينما العراقية ووصلنا الى مرحلة الغثيان من كثرة تكرار سيناريو التشكيل الوزاري أمام أعيننا بالطريقة نفسها والسيناريو نفسه عدة مرات خلال السنة الواحدة، فيبدأ المشهد من استجواب أو تهديد بالاستجواب لوزير يتلوه بيان للحكومة بتقديم الاستقالة يغيرون فيه كلمة أو كلمتين من بيانهم السابق، ثم قبول للاستقالة ثم تحرك محموم لتشكيل وزارة جديدة، وحينها تبدأ بورصة التوزير بمؤشر أخضر يصل الى آلاف النقاط حيث لا يبقى أحد في الكويت الا ويبدي رأيه فيمن سيتم تعيينهم وزراء، حتى عامل النظافة، وحيث يستغل النواب تلك الفرصة ليسلخوا الوزراء الحاليين ويحاولوا دحرجتهم من الدرج بحجة أنهم وزراء تأزيم والواجب تغييرهم، وفي ظل تمتعنا بالحرية الاعلامية المزعومة التي تمثلها 16 جريدة يومية، لكل منها أجندتها وأهدافها، فما عليك الا ان تتابع تحليل تلك الصحف المضحكة لبورصة التشكيل الحكومي وكأنما هذه الصحف قد اتخذت لها موقعاً حصيناً في قصر السيف او قصر بيان تسمع فيه ما يدور في أذهان أصحاب القرار، وقد لاحظت بأن كثيراً من الناس يتأثرون بقوة بما تنشره الصحف من ترشيحات وزارية دون أن يعلموا بأن الهدف من هذا النشر هو توجيه القرار وتحقيق مصالح بعض أصحاب الصحف.
لا يعني كلامنا هذا بأنه لا يوجد وزراء تأزيم أو وزراء فاشلون في الحكومة، يجب عدم اعادة توزيرهم ولكن لا يجوز استغلال تلك المناسبات لتحطيم المنافسين وتدمير الخصوم والمشكلة هي أنه لو كان لنا القرار لاستبعدنا في مقابل كل وزير ثلاثة نواب ممن هم أساس التأزيم والاسفاف وفشل المجلس.
هنالك نقطة يتم فهمها خطأ في كلامنا عن وجوب البعد عن سياسة المحاصصة، فيعتقد البعض بأن الواجب هو رفض توزير أي منتم الى قبيلة او طائفة او تجمع سياسي والاقتصار على غير المنتمين، وهذا الكلام أشبه بقصة «الغول والعنقاء والخل الوفي» التي لا وجود لها إلا في الخيال، ولا تستقيم منطقاً ولا سياسة اذ إن تركيبة البلد تقوم على الانتماء، ولكن المقصود بألا يكون اختيار الوزير مبنياً على انتمائه دون النظر الى كفاءته كما حدث في الوزارة الحالية.
الاختلاف الوحيد بين الافلام العراقية التي ذكرناها وقصة التشكيل الوزاري هي أن التشكيل الوزاري ينتهي دائماً كما تنتهي الافلام الهندية بنهايات مأسوية، اذ ترى الناس بعد كل تشكيل وزاري مصدومين من أسماء الوزراء ويبدأون في مسلسل النقد اللاذع الذي لا ينتهي الا عند تشكيل الحكومة التي تليها.
د. وائل الحساوي
wael_al_hasawi@hotmail.com
اعتقد بأننا في الكويت قد سبقنا السينما العراقية ووصلنا الى مرحلة الغثيان من كثرة تكرار سيناريو التشكيل الوزاري أمام أعيننا بالطريقة نفسها والسيناريو نفسه عدة مرات خلال السنة الواحدة، فيبدأ المشهد من استجواب أو تهديد بالاستجواب لوزير يتلوه بيان للحكومة بتقديم الاستقالة يغيرون فيه كلمة أو كلمتين من بيانهم السابق، ثم قبول للاستقالة ثم تحرك محموم لتشكيل وزارة جديدة، وحينها تبدأ بورصة التوزير بمؤشر أخضر يصل الى آلاف النقاط حيث لا يبقى أحد في الكويت الا ويبدي رأيه فيمن سيتم تعيينهم وزراء، حتى عامل النظافة، وحيث يستغل النواب تلك الفرصة ليسلخوا الوزراء الحاليين ويحاولوا دحرجتهم من الدرج بحجة أنهم وزراء تأزيم والواجب تغييرهم، وفي ظل تمتعنا بالحرية الاعلامية المزعومة التي تمثلها 16 جريدة يومية، لكل منها أجندتها وأهدافها، فما عليك الا ان تتابع تحليل تلك الصحف المضحكة لبورصة التشكيل الحكومي وكأنما هذه الصحف قد اتخذت لها موقعاً حصيناً في قصر السيف او قصر بيان تسمع فيه ما يدور في أذهان أصحاب القرار، وقد لاحظت بأن كثيراً من الناس يتأثرون بقوة بما تنشره الصحف من ترشيحات وزارية دون أن يعلموا بأن الهدف من هذا النشر هو توجيه القرار وتحقيق مصالح بعض أصحاب الصحف.
لا يعني كلامنا هذا بأنه لا يوجد وزراء تأزيم أو وزراء فاشلون في الحكومة، يجب عدم اعادة توزيرهم ولكن لا يجوز استغلال تلك المناسبات لتحطيم المنافسين وتدمير الخصوم والمشكلة هي أنه لو كان لنا القرار لاستبعدنا في مقابل كل وزير ثلاثة نواب ممن هم أساس التأزيم والاسفاف وفشل المجلس.
هنالك نقطة يتم فهمها خطأ في كلامنا عن وجوب البعد عن سياسة المحاصصة، فيعتقد البعض بأن الواجب هو رفض توزير أي منتم الى قبيلة او طائفة او تجمع سياسي والاقتصار على غير المنتمين، وهذا الكلام أشبه بقصة «الغول والعنقاء والخل الوفي» التي لا وجود لها إلا في الخيال، ولا تستقيم منطقاً ولا سياسة اذ إن تركيبة البلد تقوم على الانتماء، ولكن المقصود بألا يكون اختيار الوزير مبنياً على انتمائه دون النظر الى كفاءته كما حدث في الوزارة الحالية.
الاختلاف الوحيد بين الافلام العراقية التي ذكرناها وقصة التشكيل الوزاري هي أن التشكيل الوزاري ينتهي دائماً كما تنتهي الافلام الهندية بنهايات مأسوية، اذ ترى الناس بعد كل تشكيل وزاري مصدومين من أسماء الوزراء ويبدأون في مسلسل النقد اللاذع الذي لا ينتهي الا عند تشكيل الحكومة التي تليها.
د. وائل الحساوي
wael_al_hasawi@hotmail.com