تعتبر القوى السياسية في أي دولة من أهم المؤسسات الحيوية، فهي المؤسسات التي تعبر عن توجهات أفراد الشعب وتطلعاتهم من خلال عملها المؤسسي المنظم القائم على فكر يؤمن به أعضاء هذه القوى ومناصريها، ويتبلور هذا كله في مشروع سياسي واضح يطرح على الساحة السياسية، ويعمل من أجل كسب التأييد له في هذه الساحة كمشروع سياسي بديل للمشاريع السياسية الأخرى الحاكمة منها وغير الحاكمة.
كما تعتبر القوى السياسية المؤسسات الوحيدة التي بمقدورها تأهيل قيادات سياسية كفؤة، وهو ما يطلق عليه رجالات دولة تستطيع إدارة الحكومة، فلا الأسرة، ولا القبيلة، ولا الفئة، ولا الطائفة قادرة على ذلك كونها كيانات اجتماعية في الأساس، ولا تملك الأدوات التي تملكها القوى السياسية في عملية التأهيل للقيادات السياسية. هذا هو الدور الحقيقي للقوى السياسية فكرياً وعملياً، وهذا الدور ظاهر بجلاء في أغلب دول العالم، فهل قوانا السياسية في الكويت خاصة التقليدية منها قائمة فعلاً بهذا الدور الحقيقي؟
للأسف الشديد مازالت القوى السياسية التقليدية في الكويت قاصرة عن أداء هذا الدور الحيوي والمهم لحاضر البلد ومستقبله، فهي إلى الآن تفتقد للمشروع السياسي والبرامج المؤهلة للقيادات السياسية وفق أسس فكرية وسياسية متينة، وهذا ما يجعلها عاجزة عن طرح أي رؤية حقيقة للخروج من الأزمة السياسية التي تعاني منها الكويت. فهل يعقل أن غاية القوى السياسية من العمل السياسي هو أن يكون لها نائب في البرلمان، أو وزير في حكومة غير منتخبة، ثم تأتي بعد ذلك وتدعي أنها قوة سياسية معارضة؟ فالمعارضة الحقيقية هي من تطرح مشروعها السياسي كبديل سياسي فعال للحكومة، وهذا بحد ذاته عنصر فعال ومؤثر في تقويم عمل الحكومة لأنها ستحرص على نجاح مشروعها وإلا فالبديل جاهز ينتظر.
إن الغياب الحقيقي للتداول السلمي للسلطة في ظل قانون لتنظيم القوى والأحزاب السياسية بحيث يجعلها قوى سياسية معارضة حقيقية لا وهمية، هو ما أوصل الحياة السياسية في الكويت والعالم العربي كله إلى طريق مسدود، بحيث أصبحت الحكومات والقوى السياسية كماء طال ركوده فكثرت شوائبه وتكدر.
لابد أن يدرك الجميع أن المجتمع الكويتي يمر بتغيرات اجتماعية وديموغرافية كبرى رافقها ظهور أجيال جديدة متطلعة، وقوى سياسية جديدة تحمل مشاريع سياسية ورؤى فكرية واضحة، كل هذا يفرض واقع سياسي جديد له استحقاقاته السياسية والاجتماعية، فهل تتوافق الإرادات وتواكب هذه التغيرات لتخرج الكويت من أزمتها السياسية؟


سيف الهاجري
كاتب صحافي كويتي
binrashdan@yahoo.com