في وهج النهار، تلاطمت الأقدار، وبكت عليك البحار، ذرفت دموعها على سواحل أرضك الحنون، «كويت يا كويت»، هو قدرك أن تطعني بخنجر مكر الحاقدين، فالحمد لله، ثم الحمد لله، ثم الحمد لله، قال تعالى:(ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين* الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)، البقرة (155و156و157).في الثاني من أغسطسوفي يوم الخميسقد خرجت بلاديبخنجر خسيسوأسفر المعاديعن حقده الخسيسولامت اللياليصباحها التعيسوجاءنا الجراديمتص في عنادأزاهر الحضارةوداست الجنودمنابت الخلودوالحب والنضارة (شعر عبدالله العتيبي، شاعر الوطن والوطنية)في صباح ذلك اليوم وأنا بين حلم الأمن ويقظة الأمان، وإذا بسماعة الهاتف قد أعياها الرنين، تثاقلت إليها لأضع حدا لإزعاجها، داهمني نشيج الأمومة... هاجمونا يا ولدي... قتلونا يا ولدي... ضربونا يا ولدي... غدر بنا البعثيون... وما زالت تردد يا ولدي بين جملة وأخرى، فدب التنميل في يدي ورجلي، وتسللت إليّ رعشة تعزف بأوتار شراييني وأوردتي نشيد الكويت «وطني الكويت سلمت للمجد... وعلى جبينك طالع السعد»، فأملصت يدي سماعة الهاتف، وتاهت عيني في أرجاء الغرفة، وتأرجحت ما بين قرار عقلي وعاطفة قلبي.حين هبت من الشمال سمومأغرقت زرعنا بنهر الرمادوأتانا الخميس يسحب فجراطفأت عينه ببحر السوادودهانا الصباح مثل غرابالقن الصادحات لحن الحداد (شعر عبدالله العتيبي)صوت القنابل يدوّي في كل مكان، يزلزل الأرض ويهز الجدران، ضجيج الناس صعد إلى أفق السماء، وأنا أتساءل هل انتهينا؟ أحقا ضاعت الهوية؟ أيعقل أن تهدر كرامتنا بغدر وخيانة؟ أنرضى أن نموت حتوف أنوفنا، وأنا... أين أنا من هذه الأحداث؟! أين موقعي؟! ما هو مصير أولادي؟! ها هم يستيقظون على ضجيج الناس وصوت المدافع، اصفرت وجوههم، وبدأ الكبير ينظر إلى الصغير، والصغير ينظر إلى الكبير، ودارت الأعين، ولفت العقول، وخيم استغراب المجهول في نفوسهم، وبدأ توهان المصير يحوم بين شعيرات جلودهم فتنافر الشعر واقشعرت الجلود، أسئلة كثيرة تدور في ثنايا فرائصهم، الكل يود أن يسأل الآخر ولكنهم لم يعتادوا الخوف قبل ذلك، ولم يعرفوا الانكسار في حياتهم قط، ولم يتذوقوا طعم الهزيمة، كانوا يعيشون ويمرحون في ظل الرجولة الكويتية، اعتادوا وتربوا على الحرية والديموقراطية والثبات والجرأة والعناد والإصرار، اعتادوا على النقاش وفنية الحوار، اعتادوا على أدب الكلام وعلى التواضع في سلوكهم. ترى ما هو موقع أبيهم وهو يرى أرضه تغتصب بخسة أيدي الغدر، ووضاعة الجبن البعثية، ونذالة نفوسهم الوقحة ولعابهم القذر، لقد دخل الأرض فئران الليل، ونعامات نهار الخوف، فماذا عسى والدكم أن يقول غير ما قاله شاعر الوطن والوطنية: نحن أبناء الكويتحقنا كالشمس ظاهرشعبنا كالبحر ثائرنحن أبناء الكويتاسمنا بالمجد زاخرغدنا بالمجد عامرقلبنا بالحب غامردربنا للخير سائرشعبنا حر وصابروستأتيه البشائريوم تحديد المصائرقادنا للعز جابرمع الحر المناصرسعدنا كالسيف باترهذه أرض الكويتقادها للعز جابر (شعر عبدالله العتيبي)* كاتب وباحث لغوي كويتيfahd61rashed@hotmail.com- المصدر: رواية (الكويت في قلب شاعر- 2 /8 /1990 حتى 26/2/1991)
محليات - ثقافة
مثقفون بلا حدود
الكويت في قلب شاعر (1)
09:02 ص