الثَّدْي هو عضوٌ مزدوج أو ثنائي العدد، بمعنى أنه قد يكون إثنين أو أربعة أو أكثر من ذلك لدى إناث الثدييات عموما، وتستخدمه الإناث لإرضاع صغارها من خلاله، لكن له وظائف أخرى. وتكون للثدي أجزاء تشريحية داخلية وأجزاء أخرى خارجية تكون بارزة من الجسم على هيئة نهد بيضاوي الشكل أو شبه كروي.ويُطلَق لقب «الثَّدْيِيّات» على جميع المخلوقات الحية التي تَلِد وتُرضِع صغارها، حيث يتم إنتاج حليب في غُدد ثديية خاصة، ثم يَخرج عبر ثقوب الحَلَمات. ولهذا يتم تصنيف الإنسان ضمن فئة الثدييات. ومن بين جميع الثدييات، فإن الإنسان هو الوحيد الذي لدى ذكوره حلمتان، لكن حلمة الذكر لا يُطلق عليها اسم «ثدي»، بل تعرف في اللغة العربية باسم «ثنْدُوَة» وعندما تتضخم أنسجتها يطلق عليها مجازا اسم «ثدي».ولدى جميع الكائنات الثديية، يعتبر الثدي بمثابة «ينبوع رحمة» بكل ما تشتمل عليه العبارة من معان، حيث إنه لا يتدفق منه غذاء متكاملا سائغا طعمه فحسب، بل يحوي ذلك الغذاء إفرازات ومضادات حيوية طبيعية تحمي الرضيع من البكتيريا وتعزز جهاز مناعته فضلا عن أن الرضاعة المباشرة من الثدي تمنح الرضيع ارتياحا نفسيا ووجدانيا كبيرا يسهم في نمو مخه بشكل سليم.في حلقة اليوم نأخذكم في رحلة تسلط أضواء على هذا العضو الذي ينطوي على فوائد فائقة الأهمية والخصوصية...
موقعه... وبنيتهيتمركز بدن ثدي أنثى الإنسان فوق العضلة الصدرية الكبرى والعضلة المنشارية الأمامية، وهو يحوي لدى الأنثى البالغة غُددا ثديية كانت قبل البلوغ غددا عرقية لكنها تحوّرت لتنتج الحليب. وترتبط تلك الغدد الثديية المنتجة للحليب بهاتين العضلتين من خلال طبقة من النسيج الضام الكثيف تُسمّى «أربطة كوبر». وتحدث ترهلات الثدي بسبب ضعف أربطة كوبر، إذ انها تتهدل لأسباب عدة من بينها التقدم في العمر.ويتحدد حجم ثدي أنثى الإنسان ومدى استدارته وفقا لما يحويه من كميات شحوم حول تلك الغدد الحليب، وليس وفقا لحجم الغدد ذاتها. ومن الناحية البنيوية، ترتبِط الغدد الثديية بالجلد، لكنها تنتمي من الناحية الفسيولوجية (أي الوظيفية) إلى الجهاز التناسلي. أمّا الدائرة الداكنة التي توجد عادة حول حلمة الثدي فتُعرَف تشريحيا باسم «الهالة»، وتتفاوت درجات لونُها بين الزهري والبني الشبيه بالشيكولاتة الداكنة.ويتألف الثدي من قسمين منفصلين من حيث الوظائف الفسيولوجية. القسم الأول هو «طلائي»، ووظيفته متعلقة بالحمل والولادة والإرضاع من خلال قيامه بإنتاج وإفراز وضخ الحليب. أما القسم الثاني فهو «داعم»، وهو يتألف من جميع الأنسجة الأخرى التي تُشكِّل وتَدعم الثدي، ويشمِل: الشحوم والعضلات واللفافات. ويوجد في كلّ ثدي 15 إلى 20 من الفصوص (أو الفلقات) الانقسامية النسيجية، وهذه الفصوص تكون مرتبة في نسق شعاعي. وتفصل بين كل فصّ والآخر أنسجة شحمية. وبدورها، تنقسم تلك الفصوص إلى فصيصات أصغر حجما، وهي ايضا منفصلة عن بعضها ومُدعَمة بواسطة أنسجة من ألياف. ويشتمل كل فصيص على كِيس صغير يُنتِج ويخزِّن الحليب في داخله. وكل واحدة من هذه الأكياس محاطة بخلايا عضلية مِغْزَلية الشكل تنقبض لتدفع الحليب في اتجاه الحلمة خلال عملية إرضاع الطفل. ولدى الإناث الشابات البالغات، يكون معظم الثدي مؤلفا من أنسجة غددية كثيفة نسبيا. لكن مع تقدم السن تبدأ فصوص الثدي بالذبول تدريجيا بسبب فقدان جزء من تلك الكثافة ويستعاض عنها بشحوم. ولهذا السبب تحديدا يصبح الثدي أخف مع تقدم السن وبالتالي يصبح أسهل تصويراً بالأشعة التشخيصية.
إرضاع... ووظائف أخرى يَشهد الثدي كثيرا من التأثيرات والتغيرات خلال فترة الرضاعة تحديدا، حيث ان عملية انتاج وإدرار الحليب تتم تحت تأثير هورمونات ما بعد فترة الحمل. أمّا خلال فترة الحمل، فإن مستويات هورمونيّ الإستروجين والاروجسترون المرتفعة تعمل على إعداد وتأهيل الغدد المفرزة للحليب.أما كلمة السر التي تقف وراء بدء إفراز حليب ما بعد الولادة فهي «البْرُوْلاكْتِين» الذي هو هورمون يتم افرازه من الجزء الأمامي للغدة النُّخامية. وهكذا فإن البْرُوْلاكْتِين يلعب دَورا حيويا جدا في تعزيز عملية إدرار الحليب والرضاعة.وإلى جانب وظائفه ذات الصلة بالإرضاع، فإن لثدي الأنثى وظائف أخرى من بينها كونه «محفّزا غريزيا» لاستثارة رغبة الرجل إزاء الأنثى.
مسار إدرار الحليببعد اندفاع الحليب من أكياس الفصيصات الثديية الصغيرة المشار إليها آنفا، فإنه يتجمّع في مسالك دقيقة تُسمَّى «قنوات النهاية»، والتي تضخه بدورِها إلى القنوات الثديية الأوسع نسبيا. ويوجد نحو 20 من هذه القنوات الثديية التي تَنقُل كلّ واحدة منها الحليب من فصّ محدَّد. وعند الاقتراب من الحلمة الثديية، تتوسع هذه القنوات وتلتقي معا لتُشكِّل ما يُعرف تشريحيا بـ«الجيوب الناقلة للحليب». ويُمكِن أن يتم تخزين بعض الحليب في هذه الجيوب قَبْل انتقاله إلى القناة الناقلة للحليب التي ينتقل الحليب من خلالها إلى خارج عبر ثقب الحلمة.
نموه... وتطوّرهيلعب هورمون الإستروجين، الذي يفرزه المبيضان، دورا حيويا في نمو وتعزيز الأعضاء التناسلية الأنثوية، بما في ذلك الثديان. فالأستروجين يسهم في تطور ونمو حجم ثدي الأنثى بسرعة خلال مرحلة البلوغ. وطوال حياة الأنثى، يبقى الثدي متأثراً بالهورمونات، ولا يتوقف ذلك التأثر إلّا بعد أن ينقطع الحيض ويتوقف تقريباً إفراز هورمون الأستروجين، ما قد يؤدّي إلى تقلص حجم الثديين.
تغذيته الدمويةيستقبل الثدي تغذيته وأكسجينه عن طريق الدم من خلال شريانين صدريّين رئيسين أولهما هو الشريان الغائر الذي يمتد طولياً على جانبين الثدي وراء عظم القفص، وتنتشر منه فروع إلى أنسجة الثدي لتدخل أسفل سطحه بين الأضلاع؛ أما ثانيهما فهو الشريان الوحشي( متفرع من الشريان الإبطي) الذي يصل إلى الثدي من أسفل الذراع وتحديدا من تحت الإبط. وعلاوة على تلك الإمدادات الدموية، فإن الشريان الصدري الأخْرَمِي والشريان الوَرْبِي يزودان الثدي بإمدادات دم إضافية.
سرطان الثدي... خرافات وحقائق
في التالي نستعرض عدداً من الخرافات التي تشيع حول سرطان الثدي لدى النساء، مع تصويب كل خرافة بإيجاز:• الخرافة: كلما صغر حجم ثدي المرأة، انخفض احتمال إصابته بالسرطان...- الحقيقة: لا توجد إثباتات طبية تشير إلى وجود أي ارتباط بين حجم الثدي وزيادة أو نقصان فرصة اصابته بالسرطان. لكن قد يصعب تشخيص الإصابة السرطانية لدى السيدات ذوات الأثداء الضخمة نسبيا.• الخرافة: ارتداء حمالة الصدر السلكية أو الضاغطة يزيد احتمال الإصابة بسرطان الثدي...- الحقيقة: من الخطأ الاعتقاد بأن ارتداء حمالات الصدر السلكية قد يتسبب في الضغط على العقد الليمفاوية في الثدي وتراكم السموم التي تزيد فرصة نشوء أورام سرطانية. الحقيقة هي أن نوع حمالة الصدر أو تصميمها لا يزيد أو يُنقص من خطر الاصابة بسرطان الثدي.• الخرافة: التصوير الإشعاعي السنوي للثدي (الماموغرام) قد يزيد خطر إصابة المرأة بسرطان الثدي.- الحقيقة: تُستخدم الاشعاعات بكميات محدودة جدا وبشكل لا يزيد خطر الاصابة بسرطان الثدي. تكمن أهمية تصوير الثدي اشعاعيا بشكل دوري في الكشف المبكر عن التكتلات النسيجية قبل أن تصبح محسوسة.• الخرافة: ظهور أي تكتل أو نتوء محسوس في الثدي يعني بالضرورة أن فيه إصابة سرطانية.- الحقيقة: نحو 80 في المئة من التكتلات والنتوءات المحسوسة في الثدي تنشأ عن تغيرات ورمية غير سرطانية (أي حميدة). ومع ذلك، يُوصى دائما بضرورة المسارعة إلى استشارة طبيب عند ملاحظة ظهور أي تغير في نسيج الثدي أو إفرازاته أو بنيته التشريحية.• الخرافة: لا يظهر سرطان الثدي إلا لدى السيدات اللواتي في تاريخ عائلاتهن سرطان ثدي. - الحقيقة: تبلغ نسبة السيدات اللواتي يتم تشخيص إصابتهن بسرطان الثدي من دون وجود تاريخ عائلي للاصابة 70 في المئة، لكن ذلك لا يُلغي عامل التاريخ العائلي في زيادة فرصة الاصابة حيث تتضاعف الاحتمالية في ظل إصابة المُقربين من الدرجة الأولى (الأم أو الأخت أو الابنة).• الخرافة: من المستحيل عودة سرطان الثدي بعد استئصاله جراحيا.- الحقيقة: قد تعاود الخلايا السرطانية النشوء في بعض الحالات بعد الخضوع لجراحة استئصال الثدي، وتصل نسبة هذا الاحتمال الى 10 في المئة.
أمراض الثدي... ودواعي استئصاله
ثدي المرأة على وجه الخصوص عُرضة لاحتمالات الإصابة بأمراض أو اضطرابات يكون بعضها حميداً بينما يكون بعضها الآخر خبيثاً.وفي حين لا تستدعي الأمراض الحميدة عادة اللجوء إلى استئصال الثدي جراحيا بل يقتصر الأمر عادة على التدخل بعلاجات وأدوية عقاقيرية أو إشعاعية أو حتى من خلال تقنيات العلج الطبيعي، فإن الأمراض الخبيثة تكون في معظم الحالات مدعاة للمسارعة إلى تنفيذ خيار الاستئصال الجراحي الذي قد يكون جزئيا أو كليا.
الأمراض الحميدةومن أبرز تلك الأمراض والاضطرابات الحميدة نذكر ما يلي:متلازمة فرط إفراز اللبن وزيادة برولاكتين الدم (ثَرّ اللَّبَن)، ومتلازمة تِيتس (اعتلال الغضروف المحدب، أو متلازمة التقاطع الغضروفي)، وورم فِيلُوْدْز، الالتهابات النسيجية الحادة، الأورام المُصَلِّبة الحميدة، واضطرابات التكيسات اللّيفية، ومرض وجع الثدي (الماستودينيا)، والخراريج ، والالتهابات الحُبيبية، الأورام الغددية اللّيفية، والزوائد الحلمية، والتكيسات، و نقص أو فرط التنسّج ?اضطرابات الحلمة، والتضخّم المبكر (قبل سن البلوغ)، والتهابات ما حول القُنوات الناقلة، وتوسُّع القنوات الناقلة، وأورام القنوات الحُلَيْمِية، والتثدّي (لدى الذكور).
الأمراض الخبيثة... وخيار الاستئصال عملية استئصال الثدي هي إجراء جراحي اضطراري يتم اللجوء اليه لإزالة أنسجة الثدي إما كليا أو جزئيا أو جذريا، وذلك بهدف كبح نمو أمراض خبيثة من أبرزها سرطان الثدي أو حتى الحؤول دون الإصابة به.وفي العادة، لا يتم اللجوء إلى خيار استئصال الثدي إلا عند الرغبة في إزالة والتخلص من أنسجته مصابة فعليا بالسرطان أو من المرجح جدا أن تصاب به قريبا. قد يتم استئصال ثدي واحد فقط (استئصال أحادي) أو كليهما معا (استئصال ثنائي). ويكون استئصال الثدي جزئيا أو كليا خيارا علاجيا في حالات عدة من أبرزها جميع الإصابات السرطانية.لكن بفضل التطور الكبير في التقنيات الجراحية، أصبح ممكنا استبقاء جلده سليما خلال اسئصال الثدي جراحيا، بحيث يمكن لاحقا إعادة حشو ذلك الجلد ليستعيد الثدي شكلا قريباً من مظهره الأصلي من خلال إجراء جراحة لاستعادة شكل الثدي، وهي الجراحة التي تعرف بـ«إعادة بناء الثدي» ويمكن إجراؤها إما بالتزامن مع عملية الاستئصال في وقت لاحق.
الاستئصال وقائياًفي بعض الحالات المحددة، قد يتم اللجوء إلى استئصال الثدي من باب الوقاية، ويكون ذلك في حال توافر دلائل ترجح أن خطر الإصابة السرطانية مرجح بنسبة عالية لدى المريضة، أو عند اكتشاف إصابتهن ببعض التأثيرات البيئية التي تزيد احتمالات إصابتهن قريبا بسرطان الثدي.وعادة ما يشتمل خيار الاستئصال وقائيا على إزالة كلا الثديين معا، وهو يسهم إلى درجة كبيرة في تقليص خطر الإصابة بسرطان الثدي مستقبلا.أما أنواع استئصال الثدي الأخرى فتشمل ما يلي:? الاستئصال كليا: يعني إزالة الثدي بالكامل، بما في ذلك أنسجته والهالة والحلمة وحتى جلد الثدي.? الاستئصال مع استبقاء الجلد: تتم بموجبه إزالة جميع أنسجة الثدي كما في الاستئصال كليا، ولكن يتم استبقاء جلد الثدي. ويمكن إجراء عملية إعادة بناء الثدي عقب ذلك مباشرة أو لاحقا. لكن قد لا يكون الإبقاء على الجلد مناسبًا في حالات استئصال الأورام الضخمة نسبيا.? الاستئصال مع استبقاء الجلد والحلمة والهالة: هنا تتم إزالة أنسجة الثدي فقط، لكن يتم استبقاء الجلد والحلمة والهالة. وعادة يتم إجراء إعادة بناء الثدي عقب هذه العملية مباشرةً.
مخاطر ومضاعفات محتملةهناك عدد من المخاطر والمضاعفات المحتملة التي قد تظهر عقب الخضوع لعملية استئصال الثدي، ومن بينها:? نزيف ما بعد الجراحة.? الإصابة بعدوى التهابية.? نشوء تورمات لمفاوية في الذراع في حال الخضوع لتشريح العقدة الليمفاوية الإبطية.? نشوء أنسجة متندبة صلبة في موضع الاستئصال. ? الشعور بآلام وتصلب في الكتف. ? التنميل، وخصوصا تحت الذراع، بسبب إزالة العقدة الليمفاوية.? تراكم دم متجلط (ورم دموي) في موضع الجراحة.