وقعت أعين الصين على ميناء جوادر الباكستاني الذي يطل على بحر العرب في خطوة تؤكد مدى حرص بكين على مد أصابعها إلى كافة الشبكات الاقتصادية العالمية.ويقع ميناء جوادر على الساحل الشرقي من بحر العرب على الساحل الباكستاني، وقد كان هذا الميناء حتى سنة 1958 تابعاً لسلطنة عمان، إذ قامت باكستان بشرائه من عمان، وبدأت في مباشرة عملها فيه اعتباراً من عام 2004. ويعتبر هذا الميناء قريباً جداً من الأراضي الصينية الغربية وبها قلاع صناعية تهيمن على نصيب عال من الاقتصاد العالمي فأدركت الصين أهمية هذا الميناء، وهي الدولة العظمى التي تخطط ببعد نظر وتشعر بأنها تتحرك كتلة واحدة حكومة وشعباً ولا تنافر بينهما.وفي نوفمبر من عام 2016، بدء تدشين الممر الاقتصادى الصيني - الباكستاني باستثمارات تصل إلى 46 مليار دولار، ومن المتوقع أن يعود هذا الميناء بفوائد كثيرة لباكستان في رفع معدلات التنمية بها إلى 5 في المئة.ويستفيد الاقتصاد الصيني من هذا الميناء أكثر، إذ إنه يختصر مسافة كبيرة للوصول إلى الأسواق العربية وسوق شمال أفريقيا، بالإضافة إلى إطلالته على مضيق هرمز الذي يمر منه أكثر من ثلثي بترول الخليج، كما أنه يوفر أكثر من 70 في المئة من تكاليف النقل للسلع التي كانت يتم نقلها عبر موانئ الصين الشرقية من مصانع قريبة من ميناء جوادر.إن تخطيط التنين الأصفر الصيني يجب أن يكون محفزاً لنا، ودرساً كبيراً لدول تحسن التخطيط والهيمنة واستطاعت أن تمد أذرعها فوق كافة أرجاء الأرض، ونحن بثرواتنا كان بإمكاننا أن نبسط الهيمنة على اقتصاديات عالمية كثيرة إذا توافرت لنا الإرادة لذلك.ومن المخاطر التي نخشاها أن يؤثر هذا الميناء سلباً على ميناء جبل علي العالمي إلا أننى لا انحاز لهذه الفكرة لأن ميناء جبل علي اجتذب وكالات وصناعات وماركات عالمية صار هو مسارها الوحيد، ولكن هذا لا يعفينا من الاهتمام وأخذ الحيطة، وحجز مكان لنا داخل المنظومة العالمية، فالدخول فيها وأخذ نصيب منها خير من تجاهلها ثم سحب البساط من تحت أرجلنا.هناك تخوفات إماراتية مشروعة وهندية أيضاً، ولكن بقية دول الخليج لن تتأثر كثيراً لعدم اعتمادها على صناعة الملاحة والتجارة الدولية، بينما الإمارات تتخوف لاحتمالية سحب البساط من ميناء جبل علي الذي يسيطر على 5000 شركة عالمية تدير أعمالها داخله.إن الصين بما تفعله تتقدم أكثر فأكثر نحو الهيمنة على الاقتصاد العالمي وتنظر إلى بعيد ونحن نتصارع ليكيد بعضنا لبعض، وفي النهاية نحن الخاسرون والمستفيد الوحيد من حولنا دول إقليمية تقتات على مشكلاتنا، فلماذا لا يكون لنا مشروع نقل عربي موحد يربط شرقنا بغربنا، ويجعل كل من يتواطأ علينا سهمه في الفلاة.لدينا خليجنا العربي وقناة السويس وسواحلنا الطويلة على البحرين الأحمر والمتوسط التي تربط الشرق بأوروبا، ولكن رغم ذلك لم نر مشروعاً عربياً يجمع شرقنا بغربنا ولا يجعلنا عرضة لتهديدات إقليمية واطماع شرقية أو غربية. * باحث في اقتصاديات النقل البحري والاقتصاد الإسلامي edkw@egcss.com
اقتصاد
نقل بحري
ميناء «جوادر» والتنين الأصفر
09:56 ص