وعلى كل ما قد اكتنف المناضل الجزائري جرَّاء (الاستدمار)، فها هو يحمل قضايا الأمة العربية ولا ينسى قضية فلسطين والقدس قلب العرب النابض، ويشرح ذلك الجابري قائلا: «فقصة الابن الشهيد لمحمد بن ددش التلمساني، تقدم لنا صورة عن بدايات القصة الجزائرية المغتربة نشرا، والتي تتناول موضوعا قوميا عربيا، ينطوي على إحساس بالثأر والتضامن العربي، وتفرز لنا ما يعانيه الجزائري من توق إلى الثورة، وتسجل لنا مشاركة أبناء المغرب العربي محنة أشقائهم بالمشرق في الدفاع عن الأمة العربية والتصدي للغزاة، ومناصرة القضية الفلسطينية» (الأدب الجزائري المعاصر ص 143).ثم يتساءل: «كيف كان القصّاصون المبكرون يرون الثورة؟ كيف صوروا نضال شعبهم؟ ما هي رؤيتهم إلى المستعمر؟ كيف أبصروا المستقبل؟ ما الذي تحقق من أحلامهم، وما الذي ظل كابوسا ينغص هذا الحلم؟ ما هي العوامل النفسية التي جعلتهم يقبلون على الكتابة؟ ما مدى إيمانهم باللحمة النضالية المغاربية؟ كيف رأوا الثورة التونسية؟ ما مدى إسهامهم في هذه الثورة وأحداثها الوطنية اللاحقة؟ بأي لغة تحدثوا عن الأرض، والكيان، والشعب، والقرية؟ بأيّ لسان أنشدوا أغاني الدم وترنّموا بأصداء ما كان يتردد في الشعاب وعلى رؤوس الجبال؟ رؤيتهم للمحيط الاجتماعي وللمرأة على وجه الخصوص، كيف تتراءى في هذا الإنتاج». إن هذه الأسئلة وغيرها كان لابد من أن تراود من يطالع هذا الإنتاج القصصي الذي كان من المفترض أن يعبر منذ بزوغه عن منطلقات تقدمية، باعتباره ولادة خصيبة للثورة الجزائرية التي عرفت بأنها من أعمق الثورات في القرن العشرين، وأسخاها بذلا، وأشدها ضراوة. من يتأمل الواجهة الأولى لهذه القصص، وهي عناوينها، يلاحظ أن كتّابها كانت تحكمهم لهجة التحدّي والتصدّي، وقوة المجاهرة، والفتوة والنخوة، وكانت الأحداث الآتية في الصحف ووكالات الأنباء وعابري الحدود تزيد في ضرامهم وانفعالهم، فتقوي اللهجة التي نطالعها على كل عنوان من هذه العناوين، من قصة لأخرى، تصلهم أخبار عن شهداء وعن ضحايا وعن قُرى تتهدم، وعن اعتقالات ومداهمات مروّعة، فيحوّلون هذه الأخبار إلى عناوين كالمراجل، وكالرصاص الدامي لم تكن الأخبار سارة في كل الأحوال ولكن فواجعها سرعان ما تتحول إلى إرادة للثأر ونقمة عارمة وقوة جارفة تغلي في الدماء، فتخرج هذه القصص وقد كساها الغضب، ووترها الإصرار وهي تحمل هذه العناوين: «سأنتقم لك يا جدار» و«نضال»،«فديتك يا شعبي»، «أنا الجزائر»، «العمر موهُوب»، «برقية من الجبل»، إلى آخر هذه العناوين الثائرة التي كانت تشير إلى الحالة النفسية التي كان عليها الكاتب الجزائري المقطوع عن الوطن والأهل ثم لا تأتيه أخبارهما إلا من خلال وكالات أنباء مسموعة» (الأدب الجزائري المعاصر ص 150 و 151).دور المرأة الجزائرية في المقاومة ما انفك الجابري يمزج دماء المغرب العربي بوحدة المصير، والقاسم المشترك في حق الوجود وحرية إبداء الرأي وقوة الكلمة، نراه يذكر لنا مشاركة المرأة التونسية لأختها المناضلة الجزائرية بهذه الكلمات المذهّبة عن الشاعرة التونسية فاطمة بوذينة حيث قال:«فقد مثلت فاطمة بوذينة صوت المرأة المغربية التي نراها تشارك للمرة الأولى في مثل هذه المناسبات بعد أن حققت المرأة حريتها وبارحت جدران البيت إلى الشارع والمدرسة، وصعدت إلى الجبال للمساهمة في حركة التحرير جنبا إلى جنب مع الرجال، ومع المقاتلين منهم على امتداد جبال الأطلس، فأوحى كل ذلك إلى فاطمة بوذينة بأن توجه «تحية بنت خضراء الشمال» إلى المرأة المغربية عموما، والجزائرية على وجه الخصوص، وتدعو مثيلاتها من الشابات المغربيات إلى تلبية نداء المجد، وتبعث فيهن الحماس، وتهيب بهن لتحقيق السعادة والوحدة:أختي إلى العلياء نحو المبتغىأختي فروح المجد هاتفة بناأنتن من آل الأشاوس منبتاأنتن في هذا الشمال المفتدىفانهض نحو سعادة وسيادةٍعبد الحميد لها ينادي من هنابنت الجزائر وابنة الخضرا همافي وحدة قومية تبني المنىوكذاك بنت المغرب الأقصى التيتبغي التحرر من قيود الأشقياإن قلن من أنتن قلن بعزةإنا نريد العدل أو نلقي الردىإنا نريد المغرب العربي في عز تليد يبتغيه جهادنا (التواصل الثقافي بين الجزائر وتونس ص 24 و 25).وحينما يقوم محمد صالح الجابري عالم تونس وفارسها الذي لا يبارى- رحمه الله وشمله بعطفه ورعايته- بتثمين دور المرأة الجزائرية بطريقة تحرك فيك كل ساكن، وتوقظ فيك نخوة عروبية استهواها السُّبات؛ فيقشعر جلدك أو كما يقال في اللهجة الجزائرية والتونسية والمغربية «يشوك لحمي» وأنت أمام بطولة لا مثيل لها في تاريخ الأمة العربية الإسلامية المعاصر حيث يقول: «فقد تحملت المرأة الجزائرية في بداية انطلاق الثورة مسؤولية إدارة العائلة والقرية بأكملها بعد رحيل الرجل إلى الجبال، وبسبب هذه المسؤولية تعرضت العائلة والقرية إلى الضربات العنيفة، وإلى الترويع والتشريد، في ظروف العزلة وغياب الحامي، وخلو البيت من وسائل الدفاع. ومع ذلك فقد صمدت المرأة صمودا عنيدا، ودافعت بما أمكن من والوسائل عن العرض وشرف العائلة والقبيلة والقرية، وتعرضت إلى أبشع أنواع الاضطهاد والاغتصاب والقتل، وشاهدت بيتها يخرب، ورأت أطفالها يعدمون أمامها، وزوجها يؤتى به من السجون مصفدا مشوّه الملامح يذلُّ ويُعرض كامتحان عسير في شرفه وقيمه، ومع كل ما شاهدت ورأت لم تنثن ولم تهن عزائمها، بل واصلت نضالها في جرأة وثبات. ثم جاءت مرحلة صعود المرأة إلى الجبال ومشاركتها الفعلية في المعارك المسلحة، والتمريض والطبخ، والقيام بدور الاتصال، وتوزيع المنشورات السرية وقيادة الخلايا في المدن.وإن هذا الدور الذي لعبته المرأة الجزائرية في حرب التحرير يسجل لها بفخار في سجل الكفاح الوطني والقومي، مما جعل بعض من اشتهرن من الأسماء وتعرضن للسجن والحكم بالإعدام تمتد إلى الصحافة العربية والعالمية، فأصبحت المرأة الجزائرية مضرب المثل في البطولة، وأغنية على كل الشفاه» (الأدب الجزائري المعاصر ص 175 و176).  - الكويت تكرم الجابري: نقلا عن جريدة «الصريح»، الأربعاء 29 أكتوبر 2008 «في حفل انتظم في مدينة الكويت مساء الإثنين الماضي تحت رعاية الأمير صباح الأحمد الصباح أمير دولة الكويت وبحضور رئيس البوسنة والهرسك ورئيس وزراء لبنان ووزير الإعلام الكويتي وعدد من سامي المسؤولين العرب والأستاذ عبدالعزيز البابطين للإبداع الشعري، وجمع غفير من المثقفين ورجال الإعلام في الوطن العربي تم تكريم الأديب والكاتب التونسي الدكتور محمد صالح الجابري، لإسهامه المتميز في إعداد معجم البابطين لشعراء القرنين التاسع عشر والعشرين الذي صدر أخيرا في 25 مجلدا وتم الاحتفال بصدوره بهذه المناسبة».* كاتب وباحث لغوي كويتيfahd61rashed@hotmail.com