عُرف عن التجار مقدرتهم العالية على المفاوضات، وحبهم للمفاوضات من أجل الوصول لأفضل العروض، فحتى بعد إتمام الصفقة تجد التاجر مستعداً أن ينقض الاتفاق من أجل أن يبدأ في مفاوضات جديدة طمعاً في عرض أفضل. اذهب لسوق المباركية ذلك السوق التراثي العريق، وشاهد جدي وجدك... اتبع خطواتهما... إنهما يفاوضان التاجر للسعر الذي يرغبان فيه، وبعد أن يرضخ للسعر الذي يريدان... ينقضان الاتفاق ويبدآن في مفاوضات جديدة من أجل سعر أفضل، وهما على أتم الاستعداد لإلغاء الصفقة من أجل مئة فلس، وربما أقل من ذلك!وتتبع عيونهما بدقة... إنهما يتتبعان الجميع من أجل ألا يدخل غيرهما في المفاوضات ويفوز بالصفقة أو يدمر مفاوضاتهما الحثيثة!وتتبع أكثر... أقصد تتبع من يرافقهما، إنه دائما ما يردد أن هذه البضاعة لا تساوي هذا السعر، وأنها بضاعة رديئة!إنه أسلوب التفاوض الذي يتقنه التجار، ويتقنه أبناء البلد الذي عُرف عنه أنه موطن التجار...أتى إلى الولايات المتحدة الأميركية رئيس تاجر، فقام بإلغاء معظم الاتفاقيات التي وقعتها الولايات المتحدة... ألغاها الواحدة تلو الأخرى.انسحب من اتفاقية المناخ، ومن الاتفاق النووي مع ايران، ومن اتفاقيات حقوق الانسان!إنه فكر تاجر لا يرغب في خسارة الصفقة، إنما يسعى لعروض أفضل، ويسعى لمكاسب أكثر. فمثلا اتفاقيات حقوق الإنسان حددت أجر العامل في الساعة، والولايات المتحدة الأميركية ستخسر كثيراً إذا وافقت على الأجر الجديد الذي اقترحته منظمة حقوق الإنسان.وهكذا... ابحث عن الأسباب التي جعلته ينسحب ستجدها في غالبيتها مادية، لكن التاجر لا ينسحب من صفقة، إذا علم أن هناك من ينتظر انسحابه منها ليفوز بها. وبالنسبة لمنطقة الخليج، فالكثيرون بانتظارهم أي انسحاب للولايات المتحدة ليأخذوا مكانها، والتاجر لم ينسحب ولن ينسحب، وهو يعلم فداحة الدرس القاسي الذي تلقاه في سورية.إذاً باختصار... يبدو أن هذا التاجر قد تدرب وتمرس في سوق المباركية العتيق، ويبدو أن سوق المباركية هو المدرسة الحديثة، فحتى من تخرج في هذه المدرسة بدرجة مقبول أو ناجح، فمن الجائز أنه يتقن أسلوب التفاوض...