يبدو منتخب ألمانيا لكرة القدم، بطل العالم 4 مرات آخرها في 2014، كالتائه الباحث عن نفسه.صحيح أن من شأن الخروج المذل من الدور الأول لكأس العالم 2018 أن يربك إحدى أبرز الدول في عالم «المستديرة الساحرة»، غير أن أحداً لم يتوقع أن تصل الأمور الى ما وصلت اليه بالنسبة الى بلد اشتهر عبر تاريخه باحتواء الأزمات وبـ«العودة أقوى من ذي قبل».بعد «كارثة مونديال روسيا»، تركزت الأنظار الى الملعب وما دار بين الخطوط، واسترسل المحللون في الحديث عن بطء اعترى الأداء، وتحديداً في الدفاع، الأمر الذي عرّض «ناسيونال مانشافت» لوابل من الهجمات المرتدة، خصوصاً في المباراة الاولى امام المكسيك والتي انتهت الى فوز الأخيرة بهدف.المباراة الثانية امام السويد لم تكن سوى «فشة خلق»، حيث لعب التوفيق في صالح الالمان فخرجوا من عنق الزجاجة وحققوا فوزاً في اللحظة الأخيرة.هنا اعتقد كثيرون بأن «المنتخب القوي» عاد، فحلّت مباراة كوريا الجنوبية لتؤكد بأن ألمانيا لم تخسر فقط في أرض الملعب بهدفين صاعقين وتودع من الدور الاول للمرة الاولى منذ 80 عاماً، بل أن ثمة ما هو أكثر إيلاماً.هل هو حقاً بطء الدفاع؟ هل ان لاعبَي الارتكاز لا يساعدان قلبَي خط الظهر؟ هل ان المنتخب يفتقد الى الثلاثي فيليب لام وباستيان شفاينشتايغر وميروسلاف كلوزه؟ما هي إلا أيام حتى بدأت الروايات تتسرب من المعسكر الالماني، عبر وسائل الاعلام المحلية. فالمشكلة لم تكن فنية فقط، بل أن ثمة أموراً أخرى أدت الى وقوع «الكارثة».اولى الفضائح أن شرخاً كبيراً كان قائماً بين اللاعبين القدامى ومعظمهم من الفائزين بمونديال 2014 واللاعبين الجدد الفائزين بكأس القارات 2017، وشعور هؤلاء بأن المدرب يواكيم لوف يفضل «الحرس القديم» على العناصر «حديثة العهد».ومن ثم طاف الى السطح خلاف كبير بين ماتس هوميلز وسامي خضيرة اللذين كانا بالكاد يلقيان السلام على بعضهما البعض في روسيا، خصوصاً بعد أن صرح الاول بأن خط الدفاع لا يلقى دعماً من الوسط.وقال لاعب بايرن ميونيخ إن المشاكل في الدفاع كانت واضحة في المباريات الأخيرة (الودية)، ولا تجب أن تكون الخسارة أمام المكسيك مفاجأة. وأضاف: «المكسيك استحقت الفوز. تأمين التغطية للدفاع لم تكن جيدة، وتُركتُ مع جيروم (بواتنغ) في الخط الخلفي في مناسبات عدة» في إشارة الى غياب الدعم من لاعب الارتكاز خضيرة.ومن ثم كشفت تقارير صحافية ألمانية أن لوف اتخذ قراراً بفصل خدمة الإنترنت عن فندق إقامة بعثة المنتخب بسبب كثرة استعماله من قبل اللاعبين في ألعاب الـ «بلاي ستيشن».وذكرت صحيفة «بيلد» أن لوف طلب من الاتحاد الألماني فصل الإنترنت لأن اللاعبين كانوا يقضون أوقاتاً طويلة على هذه الألعاب حتى ساعة متأخرة من الليل بما في ذلك الأيام التي تسبق المباريات.وكان للمدير الاداري للمنتخب أوليفر بيرهوف، كلمة كشفت المستور حين صرح بأن الجهاز الفني، وليس فقط اللاعبين، يتحمل مسؤولية الخروج المبكر.وفي بلد لا يمكن فيه ترك أي شيء للصدفة، استمر البحث عن الاسباب الكامنة خلف «الكارثة»، الى ان خرج والد اللاعب مسعود اوزيل الى وسائل الاعلام وقال بأن على نجله ان يترك منتخب المانيا بعد ان «تحول الى كبش فداء» عقب الخروج من الدور الاول لكأس العالم.وتعرض اوزيل (29 عاما) لانتقادات في المانيا بعد خيبة مونديال روسيا.وكانت الضغوط تزايدت فعلا على لاعب ارسنال الانكليزي قبل انطلاق البطولة بسبب صورة جمعته بالرئيس التركي رجب طيب اردوغان وتم استغلالها للتشكيك بولائه لالمانيا.وأجج بيرهوف الموقف بالنسبة الى اوزيل، وهو من أصول تركية، مؤكدا في بيان أنه كان يتوجب الاستغناء عن اللاعب بسبب فشله في ايضاح موقفه من الصورة.وقال والد اللاعب مصطفى اوزيل لصحيفة «بيلد ام سونتاغ»: «هذا البيان وقح. برأيي انه يهدف (بيرهوف) الى انقاذ نفسه».واعتذر بيرهوف لاحقا عما قاله مؤكدا انه «كان على خطأ».واعتبر والد اوزيل ان ابنه وافق على التقاط صورة مع اردوغان من باب «الادب» فقط، ولم يكن المقصود أبدا أن تكون بيانا سياسيا.وأكد: «لا يريد (مسعود) ان يوضح موقفه، ولا يريد ان يدافع عن نفسه. يلعب مع المنتخب الالماني منذ تسعة اعوام... وتوج معه بكأس العالم»، وتابع: «ساهم كثيرا في هذا البلد، لكن الوضع كان: اذا فزنا نفوز معا، واذا خسرنا فإننا نخسر بسبب اوزيل».وتوجه الى ابنه بالقول بشأن استمراره مع المنتخب من عدمه: «يجب ان يقرر بنفسه، ولكن لو كنت مكانه سأقول: شكرا جزيلا»، مؤكدا: «الجرح يكبر كثيرا، ومن يدري ماذا سيحدث في المباراة المقبلة؟ لو كنت مكانه لابتعدت، لكنها وجهة نظري الشخصية».وكان أوزيل ومواطنه إلكاي غوندوغان، وكلاهما من اصل تركي، التقيا مع أردوغان في لندن في مايو والتقطا معه صورة وسلماه قميصين موقعين، كتب الأول على قميصه «إلى رئيسي».وفي حين شرح غوندوغان اسباب اتخاذ الصورة قبل بداية مونديال 2018 من دون أن يعرب عن أسفه لذلك، فإن اوزيل أعلن بأنه لن يتحدث الى الصحف الالمانية.وأكد بيرهوف أن التقاط غوندوغان وأوزيل للصور مع أردوغان لم يزعج المعسكر الالماني كثيراً و«لكن الجدل لم يتوقف. مع التفكير قليلاً، كان يتوجب حل المشكلة بطريقة أكثر وضوحا».وأخذت المسألة بعدا آخر وأعمق بعد الاداء المخيب للآمال لأوزيل أمام المكسيك، وتعرضه لهجوم من أحد المشجعين الالمان عقب المباراة، ما دفع لوف لاستبعاده عن مباراة السويد، ليعود الى التشكيلة اساسيا في المباراة أمام كوريا الجنوبية.ورأى العديد من الخبراء أن لوف ارتكب خطأ فادحا بإعادة أوزيل الى التشكيلة الاساسية.يبدو من خلال كل من سلف أن المشاكل لم تكن وليدة اللحظة، بل انها سبقت انطلاق المونديال بأشهر وانعكست في النتائج السيئة التي حققها الفريق خلال المباريات الودية.المسؤول الأول هو لوف، وهو يُسأل عن السبب في عدم فرض الاستقرار المعهود على المنتخب بعد 12 سنة من الزمن على توليه مهمة قيادته.لمَ «تجاهل» معظم العناصر «الجديدة» التي أثبتت قدرتها في كأس القارات 2017؟وأين الفائدة التي استغلتها المانيا من تجهيز لوف لجيل جديد لم يظهر منه أحد في المونديال؟وإذا كان لديه ولاء للاعبي «منتخب 2014»، لمَ استبعد أسماء مثل ماريو غوتسه واندري شورلي وغيرهما؟لم يكترث المدرب لـ «ثورة الصغار»، فدفع الثمن غالياً تمسكه بـ «الكبار».كان لزاماً عليه استدعاء لاعب مانشستر سيتي الانكليزي ليروي ساني، افضل لاعب صاعد في الـ «بريمير ليغ»، واقحام جوليان براندت كأساسي على حساب لاعبين بدا أنهم «انتهوا» مثل توماس مولر.من اصل 23 لاعباً في القائمة الرسمية، استخدم لوف 21 في ثلاث مباريات فقط، وهذا كثير جداً في بطولة مجمعة تقام في غضون شهر من الزمن.كان مانويل نوير رائعاً على الرغم من الاصابة التي أبعدته ثمانية أشهر عن الملاعب، لكن البعض رأى بأن وفاءه لا يمكن أن يمنحه مقعداً أساسياً في تشكيلة المونديال على حساب مارك أندري تير شتيغن المتألق مع برشلونة الاسباني.ما لا يمكن استيعابه ذاك التصريح الذي خرج الى العلن خلال المونديال وجاء فيه أن خضيرة وأوزيل تقدما باعتذارهما الى ادارة المنتخب عن الاداء السيئ الذي قدماه امام المكسيك، وانه بناء على ذلك جرى اعادتهما الى التشكيلة الاساسية امام كوريا الجنوبية.وهنا يطرح سؤال عما اذا كان لوف يضع تشكيلته بناءً على المردود في الملعب أو بناء على «كلام» اللاعبين ووعودهم؟يجد المنتخب الالماني نفسه اليوم على مفترق طرق حيث يتوجب على لوف، الذي جدد الاتحاد الالماني الثقة به، طي صفحة وفتح صفحة جديدة تماماً، لأن الاستمرار بـ «عقلية مونديال روسيا» سيجعل المنتخب يعاني طويلاً وهو على أبواب بطولة دوري الامم الاوروبية المقرر ان ينطلق مشواره فيها في سبتمبر المقبل.تبقى الانظار شاخصة على قرارات ستصدر في القريب العاجل، فمن هي الرقاب التي ستنال منها؟
رياضة - رياضة أجنبية
مشكلة ألمانيا ... «مرتدّات» خارج الملعب أيضاً
02:06 م