يطل دور الـ 16 من بطولة كأس العالم 2018 لكرة القدم برأسه، اليوم، مع أمنيات وتمنيات المنتخبات التي «تخلّصت» من عبء دور المجموعات.مفاجأة واحدة فقط عاشها الدور الأول، غير أنها تساوي، ربما، أي مفاجآت أخرى كان من الممكن أن تحدث معاً في «روسيا 2018»، وتمثلت في خروج ألمانيا المذلّ إثر خسارتين امام المكسيك وكوريا الجنوبية وبينهما فوز عابر على السويد 2-1.ولا شك في أن كل التوقعات التي سبقت انطلاق المونديال، قد سقطت، حتى توقعات أكثر المحللين درايةً، إذ إن أحداً ما كان يتوقع هذا المصير السيئ لرجال المدرب يواكيم لوف.بعد طي صفحة ألمانيا، تفتح، انطلاقاً من اليوم، صفحة الجدية مع انطلاق «بطولة أخرى» بنظام الاقصاء المباشر، حيث يعتبر الخطأ ممنوعاً.وإذا كان بالإمكان التعويض في الدور الاول، فإن مقاربة الواقع ابتداءً من اليوم، تختلف تماماً. وإذا كان إهدار كل من الأرجنتيني ليونيل ميسي والبرتغالي كريستيانو رونالدو ركلة جزاء في دور المجموعات «مهضوماً»، فإن الثمن سيكون أغلى بكثير في الأدوار الإقصائية.ربما لم يكن أحد يتوقع أن تقع فرنسا في مواجهة مباشرة مع الارجنتين في الدور الثاني، حيث كان يُعتقد بأن ميسي سيقود «راقصي التانغو» الى احتلال صدارة المجموعة الرابعة، بيد أن «عملقة» كرواتيا خلطت الاوراق، وأفضت الى «موقعة» من العيار الثقيل بين «الديوك» ومنتخب «بلاد الفضة».لا شك في أنه سيكون من المؤلم رؤية أنطوان غريزمان، كيليان مبابي وبول بوغبا، يحزمون حقائب العودة مبكراً، وهو ما ينطبق، وإن بصورة أكبر، على ميسي حامل «الكرة الذهبية» كأفضل لاعب في العالم خمس مرات، والذي يدرك بأن هذه البطولة قد تكون الاخيرة، وربما تشكل الأمل الأخير له لدخول «الجنة الاسطورية» التي سبقه اليها مواطنه دييغو مارادونا والبرازيلي بيليه.المهم أن «ليو» الذي حقق «كل شيء» مع برشلونة الاسباني، على المستويين الفردي والجماعي، يدرك مدى صعوبة المهمة الى حد صرح فيه بأن فرنسا «لديها منتخب جيد جدا، ولاعبون بمؤهلات فردية جيدة. مدافعو فرنسا جيدون، لاعبو الوسط جيدون والمهاجمون جيدون ايضاً. لدى فرنسا عناصر سريعة جدا قادرة على خلق الفرق. ستكون المهمة صعبة».ويشار في سياق المباراة المرتقبة الى ان «البرغوث» سيكون في مواجهة مع زميليه في برشلونة، عثمان ديمبيلي وصامويل أومتيتي.وقد يقع «السيناريو» الذي يتمناه كثيرون، وتلتقي الأرجنتين مع البرتغال في ربع النهائي، في صراع فردي متجدد ما بين ميسي ورونالدو، لكن يتوجب على الاول تجاوز عقبة رجال المدرب «المتحفظ» ديدييه ديشان، وعلى الثاني التخلص من الأوروغواي العنيدة التي لم تهتز شباكها بأي هدف حتى اليوم إثر فوزها على مصر بهدف، السعودية بهدف، وروسيا بثلاثية نظيفة في دور المجموعات.وسيقف أدينسون كافاني ولويس سواريز في وجه رونالدو، وهما يدركان بأن تخطي البرتغال، بطلة أوروبا 2016، قد يضعهما في مواجهة أميركية جنوبية محتملة مع الارجنتين حيث احتمالات بلوغ نصف النهائي تبقى قائمة.اما اسبانيا التي تسعى بشكل حثيث الى استعادة امجاد «حديثة»، فيبدو دربها الى ربع النهائي سالكاً، وإن كانت ستواجه روسيا صاحبة الضيافة في دور الـ 16.صحيح ان «لا روخا» لا تشبه المنتخب الذي «احتل» العالم لأربع سنوات كاملة («يورو 2008» - مونديال 2010 - «يورو 2012»)، وتعاني من ذيول إقالة المدرب خولين لوبيتيغي قبيل انطلاق «العرس العالمي»، غير أنها تملك اسلحة كفيلة بجعلها تتجاوز روسيا والوصول الى «أبعد نقطة» في المونديال، في الظل التألق الواضح للاعب ريال مدريد «إيسكو» الذي أكد، في الملعب، بأنه القلب النابض لتشكيلة المدرب البديل فرناندو هييرو.كرواتيا لم تكن الوحيدة التي حصدت النقاط التسع كاملة في الدور الاول، إذ أن الاوروغواي أنجزت المهمة أيضاً، غير أن منتخب البلد «المتفرع» من يوغوسلافيا السابقة، فرض نفسه نجماً للدور الاول، ليس فقط لأنه سحق الارجنتين بثلاثية، بل لأنه أبان عن رغبة في «تحقيق شيء» قد يُترجم تتويجاً تاريخياً في ختام مونديال 2018 يوم 15 يوليو المقبل.وما يُخشى منه في منتخب كرواتيا هو غياب «نَفَس البطل»، وما إذا كان هذا العنصر موجوداً أصلاً في نفوس اللاعبين وعقولهم وشخصيتهم.لا خلاف على ان كرواتيا صنعت التاريخ في مونديال فرنسا 1998 عندما أنهت المسابقة في المركز الثالث، غير أنه يتوجب على القيّمين على الفريق إبعاد اللاعبين عن المقارنة بذاك المنتخب الذي أبدع بقيادة المدرب ميروسلاف بلازيفيتش.يجب أن يسعى لوكا مودريتش وايفان راكيتيتش وماريو ماندزوكيتش وزملاؤهم الى تحقيق اللقب، من دون الأخذ في الاعتبار ما أنجز في 1998، لأن من شأن ذلك أن يحد من طموحاتهم و«يقتل» تلك الرغبة في إصابة ما هو أفضل.صحيح ان بلوغ نصف النهائي سيعتبر انجازاً عزيزاً للمدرب الكرواتي زلاتكو داليتش، بيد أن «الأسلحة» التي يمتلكها تبقى قادرة على القيام بأكثر من ذلك.وتبقى كرواتيا مرشحة لتجاوز الدنمارك التي قد «تفعلها» بروحية «الفايكينغ» التي لطالما اعتزت بها، مستندةً في ذلك الى تاريخ مجيد أضاء شمعته الوحيدة ذاك المنتخب الفريد المتوج بلقب «يورو 1992» في السويد.وبعد أن جرى رسمُ دورٍ ثانٍ ناري تلتقي فيه البرازيل مع المانيا، مع كل ما تحمله المواجهة من معانٍ ثأرية للأولى وتأكيد زعامة للثانية، ابتسم عشاق الـ «سيليساو» لأن «الماكينات» ودّعت باكراً، وبات على نيمار دا سيلفا وزملائه اليوم مواجهة منتخب أقل شأناً هو المكسيك. تعتبر البرازيل مرشحة على الورق للعبور لأن «شخصية البطل» آخذة في بناء ذاتها في التشكيلة، بقيادة فيليبي كوتينيو الذي سحب بساط النجم الاول في المنتخب من نيمار.وتبقى المكسيك لغزاً محيّراً، وهو ما يرجح كفة البرازيل عليها.فقد بدأت المونديال بصورة صاروخية متغلبة على المانيا بهدف، ثم تفوقت على كوريا الجنوبية 2-1، قبل ان تُسحق بثلاثية امام السويد.وكان «تشيشاريتو» وزملاؤه بحاجة الى انتظار نتيجة اللقاء بين المانيا وكوريا الجنوبية لتحديد المصير.لقد اهتزت صورة المكسيك في الجولة الاخيرة من دور المجموعات، الامر الذي من شأنه زعزعة ثقة اللاعبين في أنفسهم، وهو ما قد يستغله «راقصو السامبا» للمضي قدماً نحو ربع النهائي.على الورق، يبدو بأن البرازيل ستلتقي بلجيكا في دور الثمانية، خصوصاً ان الاخيرة ستواجه اليابان «المحظوظة» بنقاط اللعب النظيف، في دور الـ 16. وتعتبر المواجهة بين السويد وسويسرا متكافئة، نوعاً ما، مع أفضلية للأولى التي تجاوزت عقدة غياب العملاق زلاتان ابراهيموفيتش المعتزل دوليا منذ صيف 2016.تستحق السويد المكان الذي تتواجد فيه اليوم، فقد حجزت بطاقتها الى المونديال بالتفوق على هولندا في التصفيات، قبل ان تحرم ايطاليا من التواجد في المونديال للمرة الاولى منذ 60 عاما، في الملحق. وفي النهائيات، خسرت امام المانيا بصعوبة بالغة قبل ان تنتزع صدارة مجموعتها بجدارة.وفي حال وصل المنتخب السكندينافي الى ربع النهائي، فإن ذلك سيكون أشبه بالإنجاز، لأن السويد لم تكون مرشحة أساساً للتأهل الى المونديال لأنها تواجدت في مجموعة هولندا وفرنسا، ثم واجهت ايطاليا. لا شك في أن مسار السويد هو الأصعب الذي يسلكه أي منتخب آخر متواجد اليوم في دور الـ 16.اما المنتخب السويسري الذي لم يسبق له الفوز في مباراة خروج المغلوب في المونديال، فقد بدا عنيداً في بداية مشواره عندما تعادل مع البرازيل (1-1) قبل ان يقلب الطاولة على صربيا في الجولة الثانية (2-1) ثم يحقق تعادلاً خجولاً مع كوستاريكا الضعيفة (2-2) في الجولة الاخيرة.من جهتها، بدأت كولومبيا من الآن تبكي الغياب المحتمل لنجمها الاول خاميس رودريغيز عن المباراة امام انكلترا الصلبة، بعد أن أصيب مجددا وغادر الملعب في اللقاء ضد السنغال. وقد أعرب مدرب منتخب «الكافيتيروس» الأرجنتيني خوسيه بيكرمان عن قلقه بشأن وضع لاعب يعتبر دوره حاسماً كلما تواجد على أرض الملعب، فضلاً عن كونه هداف مونديال 2014.لقد تبيّن بوضوح بأن منتخب انكلترا لم يبذل كل طاقاته امام بلجيكا في الجولة الثالثة الاخيرة من الدور الاول، وربما اراد الخسارة كي يتفادى شغل المركز الاول في المجموعة وبالتالي تحاشي اسبانيا او كرواتيا في ربع النهائي، لكن الفضيحة الكبرى ستقع في حال الإقصاء أمام كولومبيا.اليوم، ينطلق دور الـ 16، وهو فصل جديد من فصول المتعة، مع احتمالات تمديد وقت على شوطين وربما الوصول الى ركلات ترجيح تحبس الأنفاس.ننتظر معارك حقيقية، والبقاء سيكون بالتأكيد... لـ «الأقوى».