«إلى روح أمي في عليين»...ما كنتُ أعرفُ أن للشجرةِ عند سقوطِها زلزلةً لا تزول، هيبةً توقّعُ أنّاتِ ذبيح، خفقانَ قلبٍ صريعانكسار الروح على قارعةِ زمانٍ موغلٍ في الوحشةِ والعذابارتحالا قسريا عن الآمالِ الوارفة انفلاتَ الوجود من الوجودما كنتُ أعرفُ أن للأرضِ في الشوق عهدًا قديما وأنها تعرفُ غرسَها مهما طال به المَدىوأنّها تطوي أطباقَها على وجدٍ عظيمفترقبُ غرستَها... ترنو إلى رونقِها...تركضُ وراء بسمتِها المحلّقةِ في السمواتتهفو إلى نظمِ شملِ أحبتِها: صفصافةٍ على الضفافِ تتهدل سدرةٍ طموح، توتةٍ تمنحُ العابرين رحمةً وذكرى نخلةٍ تسافرُ في الأفقِ الجميل، كافورةٍ تتفنّنُ في عطائِها الجزيل... تهتفُ بهم جميعا، أن هَلمّوا إليّ إلى حيث تكونُ الغرسةُ الفريدة، والشجرة الرؤومما كنتُ أدرك أني سأشهدُ لحظةَ السقوطِ الأليم أنّي سأكونُ يتيمَ ظلِّها العامرِ بالحكاياتوأني سأصحو على تيهٍ يذرعُ مشرقَ الأرض، يعصفُ مغربَها العجولما كنت أدرك أن مَرائي الحياة ستنضو أثوابَها الخادعاتأنّ الليلَ- ذلك البهيم- سيصيرُ سيّدَ الوقت، وحارسَ العبراتأن التذكّرَ سيكون سَلْوتي الموجعة وإيقاعَ لهفةٍ تحثُّ خطاي الموهنة...أمضي... وأمضي وأمضي لَعلّي أبلغُ المُرتقَى الوَضِيء لكنّ الشملَ النظيمَ قد هَوى وانْصدَعفأعودُ كما الشريد بلا جذوة دفءٍ أو هُدىفقد طوَى الرَّدَى بستانَ حِكْمتيوكمْ أنعمَ على سِنيّ عمري بقطوفٍ دانياتمن أُنسِ عذوبتِها وتعفّفِها، ونضارةِ رحمتِها وحنانِهاوبراحِ سماحتِها وسخائِها، وزَكِيّ عفافِها وعزتها، وجميع شمائِلهافكيف أكونُ بعدكِ يا حبيبة؟وأنا أعيشُ على كِسْرةٍ-لا تَنْكسر- من ألمٍ وحنينوعلى شَرْبةٍ لا تروي التياعي وشجونيكيف الطيورُ بعدكِ- يا قلبَ الطير الرفيف- وهي تهيمُ هنالكَ وحيدة؟تروحُ وتجيءُ ذاهلةٍ فلا تجدُ الأليف كيف الحقيقةُ بعدكِ, يا حقيقةَ الحب؟من يرفأُ ثوبَه، يعطّرُ طيّاتِه, يَجْبُرُ عُراه؟لقد أضحى عاريًا جدا، وبائسا جدا، وفاتكا جدا، وأنا ذيّاك الطّريدفلماذا يا أمي.. يا شجرةَ عمري... يا وطنَ الحبِّ والظلال، تركتِ ابنَ ظلّكِ بلا وطن؟!