بالطبع لا يختلف اثنان على أن جزاء المحسن، هو الثواب وليس العقاب، وقد يسخر البعض من هذا السؤال الواضحة اجابته. لكن مشكلتنا ليست في الإجابات المنطقية والعقلانية التي يتقنها الجميع بل في فقدان السلوكيات والممارسات المنطقية والعقلانية. ففي حديث للإمام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه يقول: ازجر المسيء بثواب المحسن. أي بدل ان تعاقب المسيء كي يتأدب كافئ المحسن كي يتعظ المسيء. لكن عملياً هل نحن نستخدم هذا السلوك في المنزل مع أبنائنا وفي المدرسة مع طلبتنا وفي أماكن العمل مع موظفينا ام العكس هو الحاكم؟جميعنا صادفنا في المدرسة معلمين حرموا جميع الطلاب لأن أحدهم تحدث أو ضحك اثناء الحصة. لكن كم منا يتذكر أن المعلم كافأه على التزامه بآداب الصف خلال 12 عاماً من الدراسة في المدرسة و4 سنوات في الجامعة؟وأما في محل العمل، فالأمثلة لا تعد ولا تحصى... قد تلتزم طوال العام بالحضور والانصراف وأداء العمل بأحسن وجه، لكن لا تلقى كلمة ثناء أو تقدير من مسؤولك، لكن ما ان يتهاون أحد الموظفين في وظيفته ويزداد غيابه أو استئذانه، يعاقب جميع الموظفين بمنع الاستئذانات أو تحديده في إطار ضيق، ويجمع المدير جميع الموظفين بما فيهم المحسن والمسيء ويوبخهم جميعاً وينتقد اهمالهم وعدم اهتمامهم بالعمل وسوء تصرفاتهم! وهو بذلك يطبق بالضبط عكس ما وصى به علي بن ابي طالب سلام الله عليه ولاته حيث قال لهم: يجب على الوالي أن يتعهد أموره ويتفقد أعوانه حتى لا يخفى عليه إحسان محسن ولا إساءة مسيء، ثم لا يترك أحدهما بغير جزاء فإنه إذا ترك ذلك تهاون المحسن، واجترأ المسيء، وفسد الأمر وضاع العمل.والنتيجة المذكورة هي بالضبط ما يحصل في الدوائر الحكومية والشركات الخاصة من شعور المجتهد بالعمل بالإحباط والياس وعدم الرغبة في الإنتاج، وبالتالي فساد الامر وضياع البلدان.وأصبح الناس يرددون لبعض، لا فائدة من اهتمامك وجديتك في العمل، فبالنهاية انت المعاقب وليس المتهاون، والسبب في ذلك أن المتهاون سوف يجد طريقة جديدة للفرار من مسؤولياته، والمحسن هو الذي يشعر بأنه عوقب على ذنب لم يرتكبه.فالمدير يراعي نفسية المسيء ولا يتحدث معه بانفراد كي لا يجرح مشاعره، ولذلك يجمع الجميع ويخاطبهم سواسية، وهو بذلك يتصور أنه نشر العدل بين موظفيه، بينما هو في الواقع حقق الظلم ولم يراع نفسية المحسن، وفقد ولاءه لجهة العمل والمنظمة، والولاء للمنظمة من أهم عناصر نجاح أي مجموعة بأي غرض تجمعوا فيها.وكذلك الامر في المنزل ومع الأطفال، فالأم تعدهم لو أكملوا دروسهم للساعة الفلانية، ستسمح لهم بمشاهدة التلفاز، يلتزم أحدهم ولا يلتزم اثنان او العكس، فيحرم الجميع من المشاهدة ويشعر الطفل المجتهد بالغبن والخسارة... ولا تقل ان الدراسة لنفسه وهو المستفيد وغيرها من الشعارات، فهو لا يفهم هذه الأمور ولا يدرك أهميتها. هو يرى ان اخاه لعب ولم يلتزم بالدراسة وهو حرم نفسه من ذلك وبالنهاية لا فرق بينه وبين أخيه. في هذه المواقف، الأفضل إعطاء الحق للطفل المجتهد بأن يختار القناة التي يريدها وان يشاهد التلفاز وهو من يغير القنوات. صحيح ان الطفل الثاني سيشاهد ايضاً وقد يكون البرنامج هو البرنامج المفضل لديه ايضاً، لكن يكفي أنه مجبور على ذلك وأن الأخ او الأخت هي التي تتحكم في الموضوع كي يشعر بأنه معاقب وأن ما حصل عليه المجتهد أمر محبب، ويجب ان يسعى للحصول على هذا الامتياز في المرة المقبلة.يا ترى كيف ستكون دوائرنا الحكومية والشركات الخاصة إذا طبقوا هذه التوصية الإدارية الخالدة: ولا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء، فإن في ذلك تزهيداً لأهل الاحسان في الاحسان وتدريباً لأهل الإساءة على الإساءة، وألزم كلاً منهم ما ألزم نفسه. mosawi.75@gmail.com