لم تكن انتهتْ عمليات «حصر الإرث» المحلّي للانتخابات النيابية في لبنان وتوازناتها الجديدة، حتى دخلتْ في «الميزان» الخارجي، أبعاد وخلاصات وتداعيات، على وهج الترقُب الذي ساد «الكرة الأرضية» طوال يوم أمس لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب حيال الاتفاق النووي مع إيران ومآل الوضع في المنطقة برمّتها في ضوئه.ولم تنظر بيروت بعين الارتياح للتقاطُع بين إسرائيل وإيران على قراءة نتائج الصناديق في لبنان على انها «انتصار» لـ «حزب الله»، وهو ما عبّر عنه أمس «بالفم الملآن» علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، الذي أشاد بانتصار «حزب الله» وحلفائه في الانتخابات، معتبراً «ان هذا الانتصار وتصويت الشعب اللبناني للائحة المقاومة ناتج عن تأثير السياسات اللبنانية الراهنة في الحفاظ على استقلال ودعم سورية امام الارهابيين»، ولافتاً الى «ان الفوز في الانتخابات جاء استكمالاً للانتصارات العسكرية اللبنانية بقيادة (حزب الله) في مواجهة الكيان الصهيوني».وجاء موقف ولايتي غداة اعتبار وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بينيت أنَّ «مكاسب (حزب الله) في الانتخابات تُظْهِر (أنَّ لا فارق بين الدولة والحزب المدعوم من إيران)»، مشيراً إلى أنّ «إسرائيل يجب ألا تفرِّق بينهما في أيّ حربٍ مستقبلية».ورغم الترحيب الدولي بإنجاز لبنان استحقاقه النيابي ودعوة الأمم المتحدة إلى «أن يواصل جميع الأطراف السياسيين التصرّف بمسؤولية في الأيام التي تلي الانتخابات لحماية استقرار لبنان بما في ذلك التشكيل السريع للحكومة»، فإنّ تظهير «النسخة الخارجية» لهذه الانتخابات، وحتى في الإعلام الغربي، على أنها فوزٌ لـ «حزب الله» وحلفائه بأكثر من نصف مَقاعد البرلمان وتأكيدٌ لنفوذ إيران الاقليمي المتزايد، جَعَل أوساطاً سياسية تخشى أن يكون مسار ما بعد 20 الجاري، تاريخ بدء عملية استيلاد الحكومة الجديدة (بعد بدء ولاية البرلمان المنتخَب) على محكّ موجبات «الصراع الاقليمي».وفي حين رأتْ هذه الأوساط أن قرار ترامب سيترك ارتداداتٍ على الواقع اللبناني فإما يُسرّع في «تفكيك الألغام» من أمام مرحلة تكليف رئيس للحكومة ثم التأليف، وإما يحوّل هذا الاستحقاق «صندوقة بريد» لمَن يعنيهم الأمر في الخارج حيال نفوذ طهران في لبنان، اعتبرتْ أن «حزب الله» الذي يتعاطى مع نتائج الانتخابات على أنها وفّرتْ لـ «خيار المقاومة» ومشروعها (بأبعاده الاقليمية) للمرة الأولى أكثرية نيابيةً تستند إلى «شرعية شعبية»، لن يَكون في وارد التفريط بما مَنَحَه إياه الاستحقاق النيابي من أوراق قوة سيستخدمها في محاولة ترْجمتها داخل الحكومة، توازنات وحقائب وبياناً وزارياً، على أن تبقى حدودُ «مجاهرتِه» بانتصاره محكومة بمقتضيات مرحلة ما بعد قرار ترامب. علماً أن اقتناعاً لطالما ساد بأن الحزب يفضّل الإبقاء على سياسية «القيادة من الخلف» تفادياً لـ «استدراج متاعب» أو وضْعه «وجهاً لوجه» مع المجتمع الدولي.وكانت الساعات التي تلتْ انقشاع غبار نتائج الاستحقاق النيابي على تَراجُعٍ في حجم كتلة زعيم «تيار المستقبل» رئيس الحكومة سعد الحريري الى نحو 21 (من 32) مع بقائه الأول في تمثيل الطائفة السنية (17 نائباً من أصل 27 يمثلونها هم من حصته ونال تياره غالبية كبيرة من أصواتها)، حَمَلتْ «إشارات سريعة» إلى عنوان «المعركة» في الطريق إلى تشكيل الحكومة الجديدة، وسط رسْم «الثنائي الشيعي» بلسان رئيس البرلمان نبيه بري خط دفاع هجومياً حول حقيبة المال معلناً أنها للطائفة الشيعية، ليقابله الحريري رافضاً تكريس أعراف جديدة لم ينصّ عليها اتفاق الطائف، ومعلناً رفْضه أي شروط مسبقة على تسميته لرئاسة الحكومة العتيدة.وإذ تساءلت الأوساط نفسها إذا كان ما شهدتْه شوارع بيروت يوميْ الأحد والاثنين من استباحة وأعمال شغب من مناصري «حزب الله» والرئيس بري لم توفّر نصب الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بمثابة «رسالة مبكّرة» لزعيم «المستقبل» ووضْع «دفتر شروط» بسقف عالٍ لمرحلة التكليف والتأليف، دعت إلى رصْد موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحزبه (التيار الوطني الحر الذي خرج من الانتخابات بتكتل مع حلفائه من نحو 29 نائباً) خصوصاً من مسألة حقيبة المال التي سبق أن أطلق إشارات الى رفْضه تكريسها لطائفة، وهو ما ردّ عليه أيضاً بري ضمناً ملوّحاً بفتْح باب النقاش في مراكز قيادية عسكرية ومالية وأمنية مكرّسة عُرْفاً للمسيحيين.وتوقّفت الأوساط نفسها عند الزيارة التي قام بها كل من السفير الإماراتي لدى لبنان حمد سعيد الشامسي والقائم بأعمال سفارة المملكة العربية السعودية في بيروت الوزير المفوض وليد البخاري للرئيس الحريري، وحرْص البخاري على إعلان «اننا أردنا أن نكون أول المهنّئين للرئيس الحريري على فوزه في الانتخابات النيابية، كما حرصنا على تأكيد عمق العلاقات التي تربطنا بلبنان».وفي رأي هذه الأوساط ان مسارعة السعودية الى اعتبار نتيجة الانتخابات فوزاً للحريري عكستْ استمرار غطاء الرياض لزعيم «المستقبل» والتعاطي على أن الزعامة السنية ما زالت بيده، الأمر الذي يؤشر على وجود قرار بعدم ترْكه بلا «ظهير إقليمي» أو إدارة الظهر للبنان، وتالياً إلى محاولة حفْظ التوازن في لبنان ببُعده الخارجي بمواجهة تعاطي طهران مع نتيجة الانتخابات على انها انتصار لـ «حزب الله».وكان لافتاً البيان الذي أصدرتْه السفارة الأميركية في بيروت أمس وهنأت فيه الشعب اللبناني على إجراء الانتخابات، مشيرةً الى أنه «في الوقت الذي يتطلع لبنان إلى تشكيل حكومة جديدة، نحض جميع الجهات على احترام التزامات لبنان الدولية، بما في ذلك الواردة في قراري مجلس الأمن 1559 (الميليشات اللبنانية وغير اللبنانية) و1701، بالاضافة الى سياسة النأي بالنفس عن الصراعات الخارجية»، معربةَ عن «أملها أن تستمر الحكومة اللبنانية المقبلة بالسير على طريق بناء لبنان مستقر وآمن».
بيروت «في قبضة» إجراءات أمنية مشدّدة بعد «الغزوة»
قتيل في الشويفات باشتباك بين أنصار جنبلاط وارسلان
| بيروت -«الراي» |
غداة التوتر في بيروت، سقط قتيل أمس في اشتباكات بين أنصار ?«الحزب التقدمي الاشتراكي?» برئاسة وليد جنبلاط وأنصار «?الحزب الديموقراطي اللبناني» برئاسة النائب طلال ارسلان? في منطقة ?الشويفات?.وعمل جنبلاط وارسلان على التهدئة منعاً لتفاقم الأمور، ووجها دعوة، في بيان مشترك، إلى «جميع المناصرين في الحزبين للوقف الفوري لكل أنواع الإشتباك بينهما في منطقة ?الشويفات»، وأكدا «في إتصال بينهما ضرورة ممارسة أعلى درجات ضبط النفس لقطع الطريق على الطابور الخامس الذي قد يدخل على خط الإشكال ودفعه نحو مزيد من التصعيد». كما وجها دعوة إلى «?الأجهزة الأمنية? المختصة للتدخل ووقف الإشتباك الذي بدأ فردياً وتطور إلى ما لا تحمد عقباه». وأكد جنبلاط وارسلان أن «صفحة ?الإنتخابات النيابية? قد طويت وأنهما يحرصان على عدم وقوع أي مشكلة في أي منطقة من مناطق الجبل حتى ولو إختلفت الرؤى السياسية في العديد من القضايا».من جهته، قال رئيس «حزب التوحيد العربي» ?وئام وهاب إنّ «دماء ?الدروز? ليست ملكاً لا لجنبلاط? ولا لارسلان»، مضيفاً «إخجلوا من أنفسكم».في سياق متصل، لم تَخرج بيروت أمس من دائرة المعاينة اللصيقة لواقعها الأمني الذي كان اهتزّ ليل الاثنين بفعل ممارساتٍ «من وحي» أحداث 7 مايو 2008 لمناصرين من حركة «أمل» و«حزب الله» شملتْ أحياء عدة في العاصمة وتخلّلها إطلاق نار وشعارات مذهبية ومسيئة بحق العديد من الرموز وتكرار الاعتداء على نصب الرئيس الشهيد رفيق الحريري الكائن في مكان اغتياله (في 14 فبراير 2005) عند الواجهة البحرية لبيروت ورفْع أعلام «حزب الله» عليه.وأَبْقى الجيش اللبناني والقوى الأمنية على إجراءاتهما الأمنية المشدّدة أمس ولا سيما على «خطوط التماس» المذهبية التي كان يمكن أن تجرّ البلاد ليل الاثنين الى منزلق خطير، لا سيما بعدما شهدت منطقة عائشة بكار (قرب مقر دار الفتوى) «غزوة» من مسلّحين على مئات الدراجات النارية اعتدوا على عدد من الآليات وأطلقوا النار من دون وقوع إصابات ما أدى الى إشكال كبير مع شبان من المنطقة المحسوبة على «تيار المستقبل» الذي يقوده الرئيس سعد الحريري.وجاءت هذه الممارسات، التي كانت بدأت ليل الأحد احتفاءً من مناصري «أمل» و«حزب الله» بخرق لائحة الحريري في دائرة بيروت الثانية بأربعة مقاعد في الانتخابات النيابية، بالتزامن مع اعلان نتائج الانتخابات مساء الاثنين وحديث وزير الداخلية نهاد المنشوق عن «أن ما يحصل في بيروت مُعيب ولا علاقة له بالانتصار والفرحة بل بالثأر والانتقام». وتحت وطأة الغليان في الشارع ومَشاهد إطلاق النار وحرق صور للرئيس سعد الحريري وانتقال التوتر إلى تعلبايا وبر الياس في البقاع الأوسط، فتح زعيم المستقبل «الخط الساخن» مع قيادة الجيش وقوى الأمن الداخلي طالباً «معالجة الفلتان في بيروت قبل ان تخرج الأمور عن السيطرة». وفيما أصدر المشنوق قراراً بمنع سير الدراجات النارية في بيروت لمدة 72 ساعة، حاول رئيس البرلمان رئيس حركة «أمل» نبيه بري سحب فتيل التوتر بإصداره بياناً دان فيه «بأشد العبارات كل المظاهر المقيتة التي حدثت في بعض شوارع بيروت والتي أساء فيها بعض الموتورين لحركة أمل وحزب الله ولإنجازاتهما»، مؤكداً «أن كرامة العاصمة بيروت وأبنائها وقياداتها من كرامتنا».