«يومٌ سعودي» بامتياز في لبنان. هكذا انطبع 3 ابريل في روزنامة بيروت التي كانت على موعدٍ أمس مع 3 محطات أكدتْ ليس فقط عودة العلاقات مع الرياض إلى طبيعتها بل وجود قرارٍ مشترك بدفْعها إلى الأمام رغم كل ما يحوط البلدين من تحدياتٍ ذات صلة بالصراع الكبير في المنطقة وعليها.من الرسالة ذات المغزى السياسي الكبير التي شكّلها توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز دعوة رسمية الى الرئيس اللبناني العماد ميشال عون للمشاركة بالقمة العربية التي تعقد في المملكة في 15 الجاري، وصولاً الى «احتفالية» تدشين ‏جادة خادم الحرمين الشريفين على الواجهة البحرية لبيروت، وبينهما الزيارة البروتوكولية التي قام بها رئيس البعثة الديبلوماسية السعودية في بيروت الوزير المفوض وليد البخاري للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي... محطاتٌ رسمتْ مشهديةً سياسية - ديبلوماسية طغت على الواقع اللبناني المشدود إلى انتخاباتٍ نيابية مقرَّرة في 6 مايو المقبل وتجري على «مسرحٍ سياسي» يتقاطع فيه الداخل والخارج وتَوازناتهما.فبعد الانتكاسة غير المسبوقة على خط بيروت - الرياض التي رافقتْ أزمة استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري من المملكة في 4 نوفمبر الماضي (عاد عنها من بيروت) وما سبقها من فتورٍ كبيرٍ في علاقة السعودية بعون على خلفية تصريحات أدلى بها دعماً لسلاح «حزب الله»، جاءتْ الدعوة التي تلقاها الرئيس اللبناني في رسالة خطية من العاهل السعودي لتؤشر على مرحلة جديدة في هذه العلاقة، علماً أن الرياض كانت تجاهلتْ دعوة عون الى القمة العربية - الإسلامية - الأميركية لمناسبة زيارة الرئيس دونالد ترامب للمملكة في مايو 2017. ولم تَخْلُ الدعوة التي حَمَلها البخاري أمس من إشارةٍ ذات دلالات عبّر عنها كلام خادم الحرمين الذي اعتبر أن مشاركة عون شخصياً في هذه القمة «سيكون لها بالغ الأثر بإنجاحها»، معرباً عن تَطلُّعه للترحيب بالرئيس اللبناني في المملكة خلال القمة، فيما حمّل عون الوزير المفوّض تحياته الى الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مؤكّداً ترؤس الوفد اللبناني الى القمة العربية، وآملاً «أن تحقّق نتائج تعزّز الوحدة العربية».ولم تقلّ احتفاليةُ افتتاح «جادة الملك سلمان بن عبد العزيز» على الواجهة البحرية لبيروت رمزيةً ودلالات، هي التي شارك فيها الحريري وحشد من الشخصيات السياسية والديبلوماسية، وتَخلّلتْها كلمة لرئيس الحكومة ركّز فيها على متانة العلاقات اللبنانية ـ ‏السعودية، مشدداً على أن «بين لبنان والمملكة تاريخ لن ينكسر مهما سعوا إلى ذلك سبيلاً وهذه الأمسية البيروتية هي رسالة واضحة بأن عروبة لبنان تتقدم على كل المحاور والولاءات والمعادلات».وإذ أشاد بالملك سلمان بإشارته إلى أن «بيروت تكرّم قامة عربية وقفت الى جانب لبنان بكل الظروف»، أكد الحريري أن «السعودية ترجمت المعاني الحقيقية للأخوة... وبرعايتها تم اتفاق الطائف وإنهاء المأساة اللبنانية».من جهته، قال البخاري: إن «العلاقات السعودية - البنانية راسخة وستبقى متجذرة وثابتة كما هي على مر العصور»، مؤكداً حرص المملكة على أمن لبنان واستقراره ووحدته.وأضاف «كانت السعودية ولا تزال وستبقى أمينة على سلام لبنان وأمنه واستقراره ونثني على جهود الرؤساء عون والحريري وبري في مواجهة وتخطي الصعوبات لتثبيت الاستقرار».وجاء تدشين الجادة على الطريق الممتدّ من ميناء الحصن - زيتونة بي (بمساحة 1.3 كلم طولاً و45 م عرضاً)، وقد تخلّله إطلاق 7000 بالون وسرب من الحمام تعبيراً عن السلام الذي يركز عليه العاهل السعودي من خلال مركز الملك سلمان للسلام الدولي ومركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وذلك بالتزامن مع عرْض للألعاب النارية.ولم يكن ممكناً قراءة هذا التطور إلا بوصْفه تكريساً للصفحة الجديدة التي فُتحت بعد «أزمة الاستقالة» التي تركتْ التباساتٍ حول مستقبل علاقة الحريري بالمملكة ومكانته فيها، وهو الأمر الذي جرى تبديدُه إبان زيارة رئيس الحكومة للرياض قبل شهر ونيّف حيث انطلق مسارٌ «تصحيحي» للعلاقة عاود تثبيت زعيم «تيار المستقبل» عنواناً للتوازن في الواقع اللبناني ببُعده الإقليمي.وأبى البخاري إلا أن يستهلّ يومه اللبناني بزيارة البطريرك الراعي معلناً أنها «زيارة بروتوكولية» بعد إعادة تكليفه كقائم بالأعمال وللتهنئة بالأعياد، وموضحاً أنها كانت «مناسبة لعرض الزيارة التاريخية التي قام البطريرك للسعودية وأصدائها الإيجابية».وفيما لاحظتْ أوساط سياسية ان الاندفاعة الايجابية المتجدّدة في العلاقات اللبنانية - السعودية أتت في غمرة موعديْن، أوّلهما مؤتمر «سيدر 1» الذي ينعقد بعد غد في باريس ويراهن الحريري على أن يجذب ما يكفي من استثمارات لتمويل خطة تطوير البنى التحتية والنهوض الاقتصادي، والثاني بدء العدّ العكسي لانتخابات 6 مايو، توقّفت عند تَزامُن «العودة» السعودية القوية الى لبنان مع ارتفاع منسوب التوتر في العلاقات الأميركية - السعودية مع طهران وتحوُّل مواجهة إيران و«دورها المزعْزع للاستقرار في المنطقة» أولويةً مشتركة.واعتبرتْ هذه الأوساط أن الرياض في قرارها «احتضان» لبنان، والذي شكّلت محطات يوم أمس جولةً جديدة فيه، لا ترمي إلى وضْعه في «عين» المواجهة مع إيران ولا تحويله ساحة لها، بقدر ما ان الأمر هو في سياق استكمال خط «تصحيح» هذه العلاقات ومحو تداعيات المرحلة الماضية، لافتة الى ان الرياض، التي تستعدّ مع دول خليجية أخرى لرفع تحذير سفر رعاياها الى لبنان ويُنتظر أن تساهم بفاعلية في مؤتمر «سيدر 1»، تَمضي في خيار «المواجهة الناعمة» مع «حزب الله» في لبنان كذراعٍ إيرانية وتجديد الغطاء للتسوية السياسية التي كانت أنهتْ الفراغ الرئاسي ويشكّل ركيزتاها كلٌ من عون والحريري.وكان الحريري تطرّق إلى «سيدر 1» وتوقّعات لبنان منه بعد زيارته أمس البطريرك الماروني مهنئاً بعيد الفصح وباحثاً معه في التحضيرات للمؤتمر وسائر الملفات التي جرى استكمال مناقشتها على مائدة الغداء.وبعد اللقاء، أكد رئيس الحكومة «ان لبنان بحاجة الى إصلاحات بنوية»، موضحاً «اننا في سيدر 1 نستدين على 30 سنة، مع فترة سماح بالسداد لـ 5 سنوات او 10 سنوات وبفائدة 1 في المئة»، موضحاً ان «المشاريع التي نضعها في سيدر نريد منها ايجاد فرص عمل بالآلاف وما سيحصل في باريس سيوفر جواً لدخول أموال اخرى للبلد».ولم تغب السياسة عن مواقف الحريري وتحديداً في ما خص علاقته برئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، فوصفها بأنها «ممتازة وبالأمس تكلمتُ معه وعايدته، وسنلتقي قريباً».أما عن علاقته بالنائب وليد جنبلاط في ضوء «أزمة الثقة» بينهما على خلفية استبعاد رئيس الحكومة المرشّح انطوان سعد من اللائحة التحالفية في البقاع الغربي - راشيا، فقال الحريري «علاقتي مع وليد بك بتطلع وبتنزل وكلنا نعرف هذا الشيء، ولكن ليس بسبب سعد الحريري، ولذلك في هذا الموضوع أنا أنظر الى العلاقة الاستراتيجية، أما الأمور التي تتعلق بيوميات هذه العلاقة فهذا جزء من السياسة اللبنانية ونحن ووليد بك لن نختلف».