قد تجد نفسك فجأة عضواً في قائمة جماعية، لا تعرف أياً من أعضائها، تصلك عبرها رسالة من مجهول، تفيدك باستعداد المرسل بجدولة قرضك، وأنه في حال كنت تواجه مشكلة في تحصيل الفواتير البنكية، يمكنه توفيرها لك مقابل رسم معقول، مع تزييل الرسالة برقم الهاتف الخاص بـ «المكيش». بالطبع من شأن هذا الرسالة أن تخطف الانتباه، خصوصاً إذا كان المتلقي صحافياً، حيث تم على الفور الاتصال بالمرسل، الذي عرف نفسه بـ «بوحمد»، وأكد استعداده لجدولة جميع القروض، دون أن يضع لنفسه سقفاً أعلى لحجم الائتمان المراد جدولته.وأثناء المكاملة، وجه بوحمد لمحدثه بعض الأسئلة، أبرزها، هل أنت موظف وزارة أم قطاع خاص؟ فإذا كنت حكومي العمل يزداد الترحيب بك، على أساس أنك تعمل في مكان أكثر استقراراً، بعكس إذا كنت تعمل في شركة، حيث يعتذر منك بلباقة، دون أن ينسى أن يترك لك باب الأمل موارباً، لعل يكون لك زميل يعمل في إحدى الوزارات لم تصله الرسالة، ومن ثم قد يغريه العرض الذي تسوقه له من غير قصد.وبعيداً عن التفصيل، يمكن القول إن المتلقي فطن إلى هذه النقطة، وتجاوزها، بأن سوق نفسه على أساس أنه موظف حكومي، راتبه 370 ديناراً، ويحتاج جدولة قرض بـ 5 آلاف دينار، حيث أكد «بوحمد» بثقة استعداده للجدولة، مقابل الحصول على 500 دينار، ما يشكل 10 في المئة من قيمة الجدولة، وهي النسبة المتداولة حاليا في السوق السوداء، ليصل معها إجمالي الفائدة التي يتحملها العميل إلى 16 في المئة، حيث هناك «6 في المئة نسبة الفائدة التي يحصل عليها البنك».أما بالنسبة للفاتورة «المضروبة»، فبين «بوحمد» أنه يستطيع توفيرها في هذه الحالة مجاناً كهدية، ومقابل 100 دينار، في حال افتراض أن قيمة القرض المراد تسويته ورقياً بـ 3 آلاف دينار. ولحفظ الحقوق يقوم «المكيش» عادة بتحويل مطلوبات العميل للبنك من خلال حساب تابع له، ليضمن بعد أن تنجز المهمة، إيداع الائتمان الجديد في الحساب نفسه، كإجراء احترازي، يضمن له استرداد مبلغ الجدولة، محملة بنسبة الفائدة المتفق عليها، علماً بان بعضهم يستخدم شيكات وعقوداً قانونية أخرى، تجبر الزبون على الالتزام بالاتفاق.ما سبق، ليس محادثة افتراضية، بل حقيقية، وتم إجراؤها بالفعل مع أحد تجار القروض، المفترض أنهم مجرمون قانونياً، فرغم التحركات الرقابية المختلفة للقضاء على هذه السوق، لا يزال أصحابها يمارسون أعمالهم بأريحية كبرى، لدرجة أنهم طوروا من إعلاناتهم في الفترة الأخيرة من مجرد لصقها على إشارات المرور، إلى رسائل جماعية، مستغلين خدمة «الواتس أب» المجانية، دون أن يخشوا الملاحقة من أي جهة.وما يزيد الإثارة الرقابية أكثر، أن هذه الفئة تقدم عروضها دون أي محاذير، سواء لجهة القيمة، أو لتعليمات بنك الكويت المركزي، بخصوص أسس وقواعد منح القروض الاستهلاكية، وغيرها من القروض المقسطة، والتي تتضمن أن يكون العميل منتظماً في سداد ما لا يقل عن 30 في المئة من عدد الأقساط المحددة للقرض في تواريخ استحقاقها، بما يمكنه من الحصول على قرض جديد بنفس نوعية القرض الحالي (استهلاكي أو مقسط) سواء من الجهة الدائنة الحالية أو من جهة دائنة أخرى (البنوك وشركات الاستثمار وشركات التمويل).كذلك سمحت التعديلات للعملاء المنتظمين في السداد في أي وقت خلال أجل القرض بطلب تعديل أجل القرض وقيمة القسط الشهري، وذلك دون الإخلال بالحد الأقصى المقرر لأجل القرض اعتباراً من تاريخ المنح الأساسي والنسبة المحددة للقسط الشهري وفقاً للتعليمات السارية.ويتيح هذا التعديل للعملاء غير المستفيدين من الحدود القصوى المقررة لقيمة القروض (15 ألف دينار للقرض الاستهلاكي، 70 ألفاً للقرض المقسط) الحصول على قروض جديدة سواء من الجهة مانحة القرض أو من أي جهة أخرى، بالقدر الذي يصل إلى الحدود القصوى المقررة في هذا الخصوص.ويتعين على البنوك الالتزام بتطبيق التعديلات المتعلقة بأجل القرض والقسط الشهري وإعادة ترتيب شروط التعاقد للحصول على قرض جديد اعتباراً من تاريخه. أما بقية التعديلات فيتم العمل بها بعد ثلاثة أشهر من تاريخه، بما يتيح المجال للجهات الدائنة لتعديل أنظمتها للالتزام بهذه التعليمات.ورغم تجريم «التكييش» إلا أن بنك الكويت المركزي لا يستطيع عملياً معاقبة «المكيشين»، باعتبار أنهم غير مدرجين ضمن الكيانات الخاضعة لرقابته، إلا أن المصادر غمزت إلى احتمال من يسهل مهام هؤلاء التجار من الداخل، بتمرير المعاملات التي يوصون عليها، وعدم التضييق عليها مثل الآخرين.كذلك لا تستطيع وزارة التجارة والصناعة منع «المكيشين» أو حتى تتبعهم للعذر الرقابي نفسه، فالوزارة لا تستطيع التفتيش على أماكن أعمالهم، ولا تملك الأدوات العقابية التي يمكن أن يخشوها، لأنهم بكل بساطة يعملون من دون ترخيص صادر من قبلها، ما يطرح السؤال واسعاً حول الأجهزة الرقابية التي تستطيع ردع تجار القروض.إلى ذلك أجابت مصادر متابعة، أن وزارة الداخلية تعد الجهة الوحيدة التي تستطيع تتبع إعلانات تجار القروض، وتوجيه التهم إليهم، تمهيداً لمعاقبتهم وفقاً للقانون، الذي يجرم هذه الممارسات، وأن ذلك يتحقق في حالة الشكوى عليهم، أو من خلال المباحث الإلكترونية التي يفترض أن ترصد نشاطهم، مبينة أن أبرز التهم التي يمكن توجيهها لمن يثبت عليه الجرم، سوء استخدام الهاتف! وبالطبع هذا الإجراء في حد ذاته غير كاف لوقف نشاط هذه السوق.كما تسعى وحدة التحريات المالية إلى المساهمة في تقويض هذه السوق، مخافة أن تستخدم كباب خلفي لغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وفي هذا الخصوص تم الطلب أخيراً من البنوك المساهمة بتضييق الخناق على تجار القروض، بتزويدها بأسماء المشتبه فيهم.وأوضحت المصادر أن «وحدة التحريات» أفادت البنوك في اجتماع عقد أخيراً، بأنه يتعين عليها الإبلاغ عن أي حالة يتم رصدها، وإلا تكون مشاركة في المخالفة، مبينة أن التركيز سيكون على رفع أسماء «المكيشين» إلى الوحدة، وأن ذلك لن يتضمن التدقيق على العملاء الذين جرى استغلالهم، منوهة إلى أنه يمكن للبنوك رصد التحركات التقليدية بين حسابات «المكيش» والعميل، في حال وجود شبهة ربط بينهما.