نتوقف كثيراً عند الحديث عن الرموز التاريخية والوطنية في الكويت, كيف لا وقد شهدت لهم الذاكرة التاريخية بالمواقف والمشاهد التي صبت في اتجاهات بناء الوطن، وتعزيز حرية شعبه، وتمكينه من حكم نفسه، ونقله من دائرة التأثير المحدود إلى الأدوار الكبرى في صناعة القرار, وتنتابنا الحيرة عند الحديث عن شخصية وطنية بارزة كالدكتور أحمد الخطيب، خاصة إذا كان التاريخ في صفه في مواطن عديدة، ومنها ما تشهد به جلسات المجلس التأسيسي بصولاته وجولاته التي لا تنسى في سبيل نقل البلاد من حكم العشيرة إلى الحكم الدستوري، والأمة مصدر السلطات.
ورغم ما أسلفت من تقدير لتاريخ وأدوار الدكتور الخطيب في الحياة السياسية الكويتية، إلا أن ذلك لا يمنع أن نقف مع الدكتور الخطيب في مواقف محددة قد لا نرى فيها اتساق مع خطه الوطني العام، وخروج عن القواعد والمبادئ العامة في دعم الحريات، أو تعزيز الوحدة الوطنية, فقد نشر للدكتور أحمد الخطيب بيان خلال الأيام الماضية أوضح من خلاله رأيه في الحالة السياسية في البلاد وسبيل الخروج منها، وموقفه من الدعوات التي تنادي بالخروج على الدستور وتعطيل أحكامه، إضافة إلى تضمين البيان إشارة إلى عدد من معوقات الإصلاح في الكويت, وختم بيانه الصحافي بنداءات للتيارت الوطنية والشباب بالتوحد والعمل من أجل الوطن.
واللافت في بيان الدكتور الخطيب الأخير تضمين البيان لهجة الغائية للآخر، وفي الوقت ذاته تحريضية كبيرة ضد التيارات الدينية، فهي في رأي الدكتور: «... جهات لا تريد الدستور وهي الأحزاب الدينية التي تؤمن بدساتير أخرى، ولاحظنا عدم جديتها في المطالبة بعودة الحياة الدستورية أثناء حل البرلمان». وفي موطن آخر من البيان ذاته، وبصورة مستغربة يدعو الدكتور الخطيب القوى الوطنية إلى عدد من التحركات من أبرزها: «اعتبار الأحزاب الدينية متآمرة على الدستور وفضح موقفها أمام الرأي العام». وفي هذا المقام أود بعجالة أن أصل إلى مسامع الدكتور أحمد الخطيب، والشعب الكويتي بالنقاط التالية:
- اتفق مع الدكتور الخطيب في أهمية المحافظة على الدستور ومقاومة محاولات الانقلاب عليه, كما أشاركه في وجود عدد من الأطراف في الساحة، وهم قلة في التيارات السياسية عموماً، ومؤسسات الفساد، وأصحاب المصالح الخاصة، ممن لا يضمر خيراً بالحياة الدستورية، ودور الأمة في إدارة الحكم، ويتطلب من الجميع مواجهتهم.
- يستغرب من الدكتور الخطيب، وهو رجل متابع وفاعل في الساحة السياسية، إيراد عبارات يغلب عليها التجهيل وعدم الوضوح والتعميم الذي يفقد العبارة موضوعيتها ومنطقيتها، فقد وجه تهمة التآمر على الدستور للأحزاب الدينية كافة, وادعى عدم جديتها في المطالبة مسبقاً بعودة الحياة النيابية, وكان الأجدر أن يكون أكثر تحديداً وموضوعية في اتهاماته، فليس من المعقول أن نضع كل التيارت الإسلامية في سلة واحدة تجاه قضايا الوطن، كما لا يمكن أن نضع كل التيارات القومية واليسارية والليبرالية في سلة واحدة كذلك، والواقع الحالي أكبر شاهد على ذلك.
- يعلم الدكتور الخطيب أن هناك من التيار الإسلامي من كان له مواقف مشهودة تجاه التمسك بالدستور وعودة الحياة البرلمانية, فنواب التيار الإسلامي في مجلس 1981 وقفوا ضد مقترح الحكومة بتنقيح الدستور والتي يراد منها تقليص المكتسبات الشعبية, واتحاد طلبة الكويت بقيادة التيار الإسلامي كان له الشرف بأن يكون الجهة الوحيدة والأولى في استنكار حل مجلس الأمة في عام 1986 في الوقت الذي صمت فيه الجميع, وشارك نواب وأبناء التيار الإسلامي مع غيرهم من أهل الكويت في الحملة الشعبية لعودة العمل بدستور 1962 من خلال دواوين الاثنين، ومجموعة الـ 45 في الأعوام التي تلت حل 86, وهم ذاتهم أبناء التيار الإسلامى، وبمشاركة من أبناء الوطن، الذين كانت لهم صولات وجولات داخل الكويت وخارجها للوقوف ضد الاحتلال الصدامي الغاشم على الكويت، وعودة الشرعية والعمل بدستور 1962، و«مؤتمر جدة» خير شاهد على ذلك, كما شارك أبناء التيار الإسلامي في إعداد والتوقيع على «وثيقة الرؤية المستقبلية لبناء الكويت» في العام 1992 بمعية ثله من رموز وتيارات الكويت ونخبها المختلفة, والتيار الإسلامي شارك في اجتماعات القوى السياسية في الأعوام الأخيرة، وشاركها في عدد من البرامج والانشطة التي تعزز العمل بالدستور وتنهض به، ومن ذلك تحرك القوى السياسية ضد إحالة الحكومة المادة 99 من الدستور للمحكمة الدستورية للتفسير خشية الالتفاف على الدستور, ومؤخراً وبسبب الدعوات الهدامة التي أطلقها البعض لايقاف العمل بالدستور وحل البرلمان بصورة غير دستورية بادر التيار الاسلامي برفض هذه الدعوات، واعتبرها دعوات هدامة وانتقاصا من حقوق الشعب الكويتي وطالب بمواجهتها, كما نظمت الاتحادات الطلابية في جامعة الكويت وفي التعليم التطبيقي اخيراً مهرجاناً خطابياً في ساحة الإرادة بعنوان «الدستور خط أحمر» عبر فيه عدد من ممثلي الأمة وغيرهم بالتمسك بالدستور ورفض محاولات الانقلاب عليه.
- أشد ما يؤلم في البيان الصحافي للكتور الخطيب اللهجة التي أوردها بشأن التيارات الدينية أنها لهجة غير موضوعية تصب في خانة الغاء الآخر، والاقصاء للعاملين من التيارات الأخرى في الساحة السياسية، فالعمل السياسي والوطني ليس حكراً على أحد, فالوطن للجميع وشرف تحمل مسؤولية النهوض بالاصلاح السياسي لا يستطيع أي طرف الانفراد بها, إن اللغة التحريضية ضد التيارات الدينية، أو غيرها من تيارات الوطن، أو نخبها، دعوات غير مقبولة، وبالأخص في واقعنا السياسي المعاصر الذي يدعونا إلى ايجاد طرق عديدة لتعزيز اللحمة الوطنية لا القفز عليها، ويدعونا إلى نسيان خلافاتنا الفكرية والمصلحية الآنية لتدعيم وإيجاد المصلحة الوطنية العامة, فالقومي والإسلامي والليبرالي وغيرهم قاسمهم المشترك هو الكويت، وبقاؤهم ونجاحهم ومستقبلهم مرتبط بعد الله ببقاء الكويت عزيزة آمنة متمسكة بالحياة الدستورية والمشاركة الشعبية.
أخيراً... فإن الله والتاريخ والشعب الكويتي شاهد على أفعالنا ومواقفنا, والدكتور أحمد الخطيب من الأطراف التي يعول عليها أن تكون معول بناء لا هدم، وتوحيد لا تفريق، ودعم لأبناء الوطن دون تفريق، فالكويت بأمس الحاجة إلى الاجتماع لا التقسيم. والله من وراء القصد.

محمد الدلال
كاتب كويتي
Fekrah08@yahoo.com