إليكم هذه القصة...كنت قبل سنوات قليلة في زيارة لقائد دولة عربية، قائد عظيم في تجاربه كبير في عمره، وطبعا كان سبب اللقاء يدور حول الأمراض السرطانية، فهذا مجالي الذي يشغل غالب فكري. في منتصف اللقاء نظر الي ذلك القائد بنظرات تحمل شوقا قائلا: هذا المرض أخذ مني أعز أصدقائي. ثم أكمل بصوت حزين: ما زلت أحتفظ بصورهم معلقة في شاليهي الخاص. لا أدري لماذا جال في خاطري آنذاك شعورخاص حول الغربة في الحياة، فذلك القائد لم يفقد أصحابه الأعزاء كجسد وصورة بل فَقَدَ، بفقدهم، السند والصحبة، هذا ما أوحت لي نظراته الحزينة وهذا ما أثبتته لي الأيام. لقد فقدت أنا اثنين من أصحابي الأعزاء على فترات، كلاهما ما زالا في قلبي لم يبرحا فكري أبدا، كانا سندا وملجأ فكريا يصعب تعويضهما، عبدالرزاق السالم وعبدالله الخضري، رحمهما الله، وما زلت أشعر بالغربة بعدهما. إن إطالة عمرالإنسان لها ثمن كبير، لعل أهمها فقدان المساندين له والمخلصين الذين يعينونه على الحياة، وقد بيّنت إحصائيات الانتحار أن 33 في المئة ممن ينتحرون من كبار السن يكون بسبب فقد الأعزاء، ومن بين 35 مليون أميركي فوق الخامسة والستين، يصاب مليونا إنسان بالاكتئاب، والاكتئاب هو الدافع الرئيسي للانتحار. وبالطبع فإن أكبر أسباب ذلك الاكتئاب فقدان الصحبة العزيزة التي تجعل للحياة طعما. في تاريخنا قصةٌ تُروى عن أم المؤمنين السيدة عائشة بنت الصديق، رضي الله عنهما، حيث عاشت 77 عاما في التقويم الهجري وفقدت صحبة خيرالأنام زوجها رسول الله وصحبة خير القرون، تقول الرواية «ذكر الزهراوي عن عروة بن الزبير أن خالته أم المؤمنين كانت تتمثل بقول لبيد بن ربيعة: ذهب الذين يُعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب ثم تقول له: رحم الله لبيداً كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال الزهراوي: رحم الله عروة كيف لو أدرك زماننا هذا». وهكذا تتصّحر الحياة بفقد الأحباب وتعيش إن طال بك العمر مع أشخاص لا يكونون أبدا مثل أعزائك وتحيا غريباً مع غرباء، هذا هو ثمن إطالة العمر وهو ثمن كبير... حفظ الله كِبارنا وآنسهم في وحدتهم.kalsalehdr@hotmail.com