هذه أول مقالة أكتبها بعدما دخلت في عام جديد يضاف إلى أعوامي التي عشتها في الحياة، وهذه المرة الأولى التي أستخدم فيها كلمة المقالة المؤنثة. في العادة، أستخدم كلمة المقال المذكر لوصف ما أكتبه، وكثيراً ما أحتار في وصفه: مقالة أم مقال، أم كلام ينقال... هي تفاصيل تتجاوز النظرة العنصرية لذكورية اللغة إلى جمال اللغة، بغض النظر عن جنسها مؤنث كان أم مذكراً. وهذه التفاصيل في التصنيف تزعج كثيراً الكثير من المشغولين في تفاصيل الأشياء عن الأشياء نفسها، الباحثين عن قضايا تمنحهم شرعية النضال فيكبرون الصغائر ويستصغرون الكبائر، وهم في واقع الأمر يحددون أحجامهم لا أحجام الأشياء، وهي أحجام متغيرة لا تثبت على حال. فكل صغير يكبر، وكل كبير يصغر أيضاً، كما يقول المتنبي «وتكبر في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم».هي علاقة عكسية إذاً، تكبر فتصغر أشياء كنت تظنها كبيرة عندما كنت صغيراً، وعندما تكبر تصغر في عينيك الأشياء نفسها لتكتشف لاحقاً أن حجمها لم يتغير، لكن حجمك الذي تغير وأنت لم تعرف حجمك بعد. لذلك، قيل: «رحم الله امرأً عرف قدر نفسه»... القدر من المقدار، والمقدار لا يحسب بالعمر وحده، بل بتراكم الخبرات التي لم يكتسبها البعض ولم يمارسها، لأن أعوامه تتكرر فيعيش العشرين مثل الثلاثين مثل الأربعين، ثم يعد السنين متحسراً على ذاك الشباب الذي لو عاد يوماً!والشباب كلمة فضفاضة شديدة التعصب للرجل والعنصرية ضد المرأة، التي سرعان ما توصف بالعانس إذا تجاوزت عقدها الثاني ولم تتزوج، وبالعجوز منذ تجاوزها العقد الثالث. أما الرجل، فلا يعنس ولا يشيب، ويجوز له ما لا يجوز لها.الفعل واحد والصفة مختلفة، فالرجل يجدد شبابه والمرأة تتصابى، لأن مسميات الأشياء تختلف باختلاف جنسها، ولكن ماذا لو كانت الأشياء بلا أسماء؟ تساؤل طرحته الروائية بثينة العيسى في روايتها الأخيرة «كل الأشياء»، لم يجد له جواباً.هذه أول مقالة أكتبها بعدما دخلت في عام جديد يضاف إلى أعوامي التي عشتها في الحياة. أنظر إلى الحياة من زاوية أكبر عمراً، فتضيق بي الفكرة على ما قيل: «كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة»، فتضيق العبارة عن وصف العلاقات العكسية للعلاقات على اتساعها، فأكبر منك بيوم صار منطقياً أجهل منك بسنة. فالسنوات تحتاج تحديثاً لا تقادم، والتقادم والتحديث لا يقاسان بالسنوات، بل بالمعرفة والخبرة التي تتغير بعيداً عن التكرار الذي نبرره بأن التاريخ يعيد نفسه والتاريخ لا يرحم أحداً، لأنه يضع كل شيء في حجمه المناسب كبيراً كان أم صغيراً. فكلما كبرت خلافاتنا صغرنا، وكلما صغرت كبرنا وليس بالضرورة أن نكبر حين نكبر لأن كثيرا من الأحيان نصغر حين نكبر ونحن نجهل حجمنا الحقيقي المتغير.

 reemalmee@