من طبيعتي، لا أحب العزومات والحفلات والأعراس بسبب الزحام البشري والضجيج الذي يكون فيها، وأحاول جاهداً لدى تلبية أي دعوة، ألا أطيل المكوث فيها، بل أحرص على أن أدخل بوضوح وبروز، وأن أنصرف منها بخِفية وخِفة، وأنا أسرق نفسي منها سرقاً بعد أن أكون جاملت وشاركت أهل الدعوة الكريمة مناسبتهم. لكن بعض الدعوات تضطرك أن تتواجد فيها كل الوقت أو معظمه، خصوصاً إن كانت المناسبة لأحد الأقارب أو أحد الأصدقاء أو الجيران، حيث إن لهم حقاً واهتماماً من الطبيعي أن يكون أكبر وأكثر من غيرهم من أصحاب الدعوات الأخرى. من هو أبو قفشة، الذي جاء عنواناً لهذا المقال؟ أبو قفشة هو شخصية حقيقية تتواجد تقريباً في كل مناسباتنا السعيدة، وبالذات التي تكون فيها بوفيهات العشاء في صالات وقاعات الاحتفالات. يكون أبو قفشة متواجداً مثله مثل بقية المدعوين، متهندماً متعطرا مرتدياً الغترة والعقال، ويتناول بيمينه فنجان القهوة ويتحدث مع من هم حوله حتى يحين وقت العشاء، ويأذن أهل المناسبة للمعازيم بالاتجاه نحو البوفيه. هناك عزيزي القارئ يبرز للعيان المعنى الحقيقي لأبو قفشة، ويظهر واضحاً صريحاً أمام أعين الناس وهو متوشحاً ملعقة بيده بعد أن حصل عليها من أول طاولة في البوفيه، يرفعها عالياً ويصول ويجول فيها، ويغرزها بعنف وقسوة في قلب كل سخان طعام يغريه منظره، أكلاً أو اختباراً لمذاقه... ثم يقف قليلاً في وسط زحام طابور البوفيه، كاستراحة محارب أضناه التعب والجهاد البطولي، قبل العودة مجدداً إلى ساحة معركة الأكل والتحلية. طبعاً أبو قفشة لا يهتم لنظرات الناس الساخطة، ولا يهتم لبعض الكلمات التي قد يرميها المدعوون عليه، ولا يشعر بكمية القرف العظيمة التي سببها لعموم المدعوين، ولا حتى فكر في ملابسه التي وقع عليها بعض الأكل، فتراه في نهاية شبعه يضع قفشته عند آخر طبق استوقفه، بعدها يتناول المنديل ويمسح فمه ثم يتجشأ كعلامة بارزة للنصر الذي حققه، ثم يخرج من المكان يبحث عن شاي ثقيل يشربه!halrawie@gmail.com
مقالات
أبعاد السطور
أبو قفشة!
02:37 م