ما بين اليوم والأمس، تغيّر حال الكثير من الشركات والمكاتب العقارية، سواء من الناحية التسويقية، أو التوظيف، إذ إن الوضع المتأرجح الذي تعاني منه هذه الشركات بفعل التحديات الكبيرة، أدّى إلى «تفنيش» عدد كبير من الموظفين.وفي ظل السعي الحثيث لتقليص المصاريف، وعدم إقامة المعارض العقارية، وأزمة الثقة بين العملاء والشركات وغيرها، لم يقف الملّاك مكتوفي الأيدي بل حاولوا الهروب من الأزمة عبر «أهون» السبل، ألا وهو تقليص العمال للتخلص من أعباء الرواتب.وكشف خبراء عقاريون لـ «الراي» أن كثيراً من الشركات العقارية أقدمت خلال الأشهر القليلة الماضية على «تفنيش» عدد كبير من مسوقيها، وأغلبهم وافدون، والتخلي عن عدد ليس بالقليل من موظفيها، إلى جانب إغلاق جزء من مكاتبها المنتشرة في أماكن متفرقة من البلاد، وذلك في إطار تقليص المصاريف.وأضاف الخبراء، أن هذه الإجراءات التي اتخذتها الشركات جاءت نتيجة الركود الراهن الذي يضرب القطاع العقاري، إلى جانب أزمة الثقة الواضحة بين العملاء والشركات العقارية، والتي نجمت عن إخلال بعضها خلال الفترة الأخيرة بتعهداتها لجهة تأدية العوائد الكبيرة التي كانت تمنحها لهم.وذكر الخبراء أن هذه المعطيات فاقمت خسائر الشركات القائمة، ما اضطرها إلى تقليص مصاريفها عن طريق التخلي عن عدد من الموظفين والمسوقين العقاريين، والعمل بالحد الأدنى منهم، إلى جانب الانتقال إلى مقرات أقل كلفة.وأوضح هؤلاء أن بعض الشركات كان لديها 30 مسوقاً عقارياً خارجياً، والآن تعمل بـ 6 منهم فقط، لافتين إلى أنه لم يكن أمام غالبية هذه الشركات خيارات أخرى لتجاوز الواقع الصعب.وأشاروا إلى أن 60 في المئة ممن كانوا يعملون في القطاع العقاري في السنوات الأخيرة تلقوا كتب إنهاء خدمات، وباتوا اليوم بلا وظائف، مبينين في الوقت نفسه أن عدد الموظفين الذين كانوا يعملون في الشركات التي أفلست واضطرت إلى ترك السوق يصل إلى نحو 500 شخص، منهم من انتقل إلى أماكن أخرى، في حين أن غالبيتهم غادرت الكويت نهائياً.وأفادوا بأن حالات النصب والاحتيال الكثيرة خلال السنوات القليلة المنصرمة، خلقت أزمة ثقة كبيرة بين الشركات والمستثمر، الأمر الذي فاقم من مشكلة ركود السوق في ظل تراجع نسب الشراء بشكل غير مسبوق،وقال الخبراء إن «كثيراً من العملاء اعتبروا المعارض العقارية مكاناً للنصب والاحتيال، بسبب تجاربهم السابقة، حتى إن بعضهم ألقى باللوم على وزارة التجارة والصناعة التي تأخرت نسبياً لوضع يدها بالشكل المطلوب على هذا المجال، مطالبين بتعويضهم عن الخسائر التي طالتهم».وأكدوا أنه وبعد تشديد الإجراءات من قبل الوزارة على الشركات المشاركة في المعارض العقارية، لن يكون بمقدور عدد كبير منها المشاركة في أي معرض مقبل، موضحين أن عدد الشركات التي تنطبق عليها معايير «التجارة» الجديدة لا تتجاوز 10 فقط.وأضافوا أن هذه الشركات العشر تعلم أن المشاركة في أي معرض مقبل معناه الخسارة، وذلك بسبب تراجع القوة الشرائية بشكل كبير بسبب أزمة الثقة والخوف لدى المستثمرين، لما شاهدوه وسمعوه عن شركات دخلت في معارض مماثلة ونصبت عليهم.ولفت الخبراء إلى أن المعارض العقارية مكان للتسويق مثلها مثل أي مول أو أي مكان للتسويق والبيع، موضحين أن النصب والاحتيال يحدث في أي منها، وعلى العميل أن يكون واعياً ومثقفاً بشكل كبير، لا أن يلقي باللوم على أطراف أخرى، أو يأخذ شركة بجريرة أخرى.وأشاروا إلى أنه حتى الآن تجد عملاء كثيرين يسألون عن العوائد الكبيرة من دون أن يستعلموا عن المكان أو البلد الذي يقع فيه العقار، أو يبحثوا عن أي تفاصيل أخرى.من جانبه، أكد مدير مجموعة القصور الحديثة، محمد فتحي، أن القطاع العقاري يعاني بشكل كبير في الوقت الراهن، ما دفع الشركات إلى اتخاذ خطوات لا بدّ منها للاستمرار بدون خسائر، آخرها التخلي عن عدد كبير من المسوقين والموظفين.ولفت فتحي إلى الضرر الكبير الذي أحدثته الشركات التي اختارت طريق الاستثمار العقاري، بدلاً من البيع السكني، والنصب والاحتيال الذي وقع على عدد كبير من المواطنين والمقيمين، والخوف الذي زرعته في نفوسهم جراء ذلك، ما انعكس سلباً على الشركات الحالية.وبيّن أن العميل يتحمل جزءاً كبيراً من العملية، إذ يتوجب عليه إعداد الدراسة الكافية الوافية للعقار قبل الإقدام على شرائه أو الاستثمار فيه، مستغرباً من العملاء الذين يصدقون أن هناك عوائد بنحو 20 في المئة، وتصل إلى حد 100 في المئة، ومبيناً أن اندفاع بعضهم أمام الإغراءات التي قدّمت لهم أدّى للنتيجة المؤلمة التي حصدوها.وأوضح أن السوق العقاري بحاجة إلى خطوات عدة ليستعيد عافيته، أهمها التخلص من موضوع الاستثمار العقاري، وهو ما أقدمت عليه بالفعل وزارة التجارة في القانون الجديد، مؤكداً أن «الفلترة» الكبيرة التي قامت بها الوزارة أخيراً صحيّة جداً، إذ إن الشركات ذات المصداقية الكبيرة فقط هي التي ستثبت نفسها خلال الفترة المقبلة.