لا تزال ذكريات يوم الأحد 26 فبراير 1991 موجودة في ذهني كأنها حدثت أمس، ساعة بساعة... صحوت الفجر، فتحت الراديو، فإذا إذاعتنا الموقتة التي تبث من السعودية - آنذاك - تذيع أغنية «الله أكبر فوق كيد المعتدي» بصوت واضح خال من التشويش المعتاد عليها، فخرجت من سرداب البيت، وفتحت راديو السيارة، وإذا بالثنائي الرائع نبيل شعيل ورابح صقر يغنيان على لحن العرضة «انتصرنا والناصر الله»، والمذيع يبشر بدخول قوات التحرير للكويت، وخروج فلول البعث منها، وترسل بعض التعليمات والتحذيرات للصامدين بلزوم المنازل وعدم الاحتكاك بالهاربين خصوصا بعد حملات اعتقال، استمرت لأيام عدة سابقة، للشباب الكويتي لجعلهم دروعاً بشرية عند انسحابهم من البلاد، ومن دون وعي مني أخرجت علم الكويت الذي أخفيته تحت الإطار الإضافي للسيارة وبدأت «العرضة» مع شعيل وصقر فرحاً بالتحرير منادياً أهلي وأطفالي ليشاركوني هذه الفرحة.ومع خشيتي من الأماكن المرتفعة إلا أنني صعدت إلى أعلى جزء مرتفع في المنزل وعلقت العلم على برج هوائي التلفاز، وما هي إلا دقائق حتى تجمع جميع أهالي المنطقة في الشوارع يهللون ويكبرون ويتبادلون التهاني ويزينون بيوتهم بالأعلام وصور الحكام الشرعيين للبلد، ثم ذهبنا إلى روضة الياقوت التي قد أسميناها أثناء الغزو بروضة مارغريت تاتشر لدورها الكبير في تحرير الكويت، وأخرجنا أسلحتنا ولبس العسكريون ملابسهم الرسمية وذهبوا إلى أماكن أعمالهم للتصدي للمخربين وعملاء الاحتلال واللصوص، وعادت كويت الصباح والحرية لنا.كان الجو ممطراً بماء مختلط بالقطران، والسماء يملؤها دخان الآبار المحروقة، والألغام منتشرة بالشوارع والطرقات، والخطر في كل مكان، وكان لا بد من الاحتفال ولو بالدوران في الشوارع بالسيارات، رافعين أصوات الراديوهات بالأغاني الوطنية وتبادل ما تبقى لدينا من حلوى ومرطبات، ثم بدأنا التواصل مع الأهل والأقرباء في الأماكن البعيدة عنا، وشاب الفرحة شيء من الحزن، فكل بيت كان منه شهيد أو أسير أو مخطوف، وفي الطرق شاهدنا دبابات وسيارات وناقلات الجنود العراقيين خالية من البشر مملوءة من المسروقات، فقد تركوها خوفاً من القصف الجوي، أو انتقام الشعب الكويتي منهم الذي أذاقوه الرعب والخوف والتنكيل... ولكنهم أبداً لم يكسروا شوكته، أو يغيروا ولاءه للحكام الشرعيين.
مقالات
ولي رأي
يوم بعمر
11:19 ص