لم تكن أقلعتْ طائرة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون من بيروت، بعد ظهر أمس، إثر زيارة الخمس ساعات التي التقى خلالها كبار المسؤولين، حتى استشعرتْ أوساط سياسية واسعة الاطلاع بوطأة الخلاصات التي عبّرت عنها محادثاته ثم تصريحاته التي حضرتْ عصراً على طاولة مجلس الوزراء اللبناني، وستكون اليوم محوراً في الكلمة المرتقبة للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله. فبالرغم من تأكيد تيلرسون استمرار دعم بلاده للبنان وجيشه واستقراره وسعيها إلى بلوغ اتفاق نهائي بين بيروت وتل أبيب في شأن النزاع الحدودي البري والبحري استناداً إلى أفكار جديدة سيستكمل العمل عليها مساعده ديفيد ساترفيلد، إلا أن الموقف الصارم الذي أطلقه حيال «حزب الله» وسلاحه وأدواره الخارجية ترَكَ علامات استفهام حول مدى قدرة لبنان على تحمُّل وزر التعاطي مع هذا الملف بعدما عاود رئيس الديبلوماسية الأميركية وضْعه بقوة على الطاولة ومحمّلاً ضمناً الحكومة والشعب اللبناني مسؤولية إيجاد حلّ له وتطبيق سياسة «النأي بالنفس» عملياً.وبعد نحو 24 ساعة من الكلام الذي قاله من الأردن حول «وجوب الاعتراف بأن (حزب الله) جزء من العملية السياسية في لبنان» الأمر الذي ترك التباسات وفُسِّر على أنه في إطار تخفيف واشنطن موقفها إزاء الحزب قبيل زيارة وزير خارجيتها لبيروت، سارع تيلرسون إلى ما يشبه تصويب الموقف رافعاً السقف مجدداً بإزاء «حزب الله» الذي «نعتبره منظمة إرهابية منذ عقدين، ولا نقبل أي فرق بين ذراعه العسكرية والسياسية، ومن غير المقبول لميليشيات كحزب الله أن تتصرّف خارج إطار سلطة القانون والحكومة اللبنانية، ونرى ان الجيش اللبناني هو المدافع الوحيد عن الدولة اللبنانية»، موجهاً رسالة إلى «الشعب اللبناني» الذي «عليه ان يشعر بالقلق من حزب الله، فتنامي ترسانته وتورطه في الصراعات الاقليمية يهددان أمن لبنان». ولفت إلى أن «وجود (حزب الله) زاد من سفك الدماء في سورية ومن النزوح وقد دعم نظام الأسد البربري ويسبّب عدم الاستقرار في المنطقة»، مؤكداً ضرورة أن «تنأى حكومة لبنان عن النزاعات في المنطقة وان يتوقف حزب الله عن نشاطاته الخارجية».وفي حين أكد لبنان الرسمي بلسان الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري تمسّكه بحقوقه النفطية كاملة، والتزامه التشريعات المالية الدولية، طالباً من واشنطن المشاركة الفعالة في مؤتمرات الدعم المرتقبة والمساعدة في اعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، نقلتْ «وكالة الأنباء المركزية» عن مصدر أميركي قوله في ما خص الوساطة الأميركية المستجدة على خط بيروت - تل أبيب لمعالجة النزاع الحدودي أنها «مناقشات جيدة جداً»، لافتة إلى «ان التفصيل المتعلق باحتجاج لبنان على الخروق الاسرائيلية والجدار الفاصل على حدوده وادعاء تل أبيب امتلاك مساحة 860 كلم مربع من المنطقة الاقتصادية الخالصة أمرٌ تركه تيلرسون لمساعده لشؤون الشرق الادنى ديفيد ساترفيلد، ليبحث فيه بالعمق، إلا انه استمع إلى وجهة نظر لبنان الرافضة لأي اقتطاع من هذه المساحة بحسب خط سلفه فريديريك هوف».ولم تمرّ الزيارة دون «ضجّة» أثارتها صورة تيلرسون يجلس وحيداً وبجواره كرسي شاغر في قصر بعبدا الرئاسي، حيث انتظر لدقائق دخول نظيره اللبناني جبران باسيل لمصافحته قبل وصول الرئيس عون، وهو ما راوحت القراءات له بين اعتباره «خطأ بروتوكولياً» ورسالة سياسية، قبل أن ينفي «القصر» حصول «أي خلل أو تقصير بروتوكولي» في استقبال وزير الخارجية الأميركي، مستشهداً بما دوّنه «الوزير الضيف في سجل التشريفات وشكْره على الاستقبال الحار الذي لقيه في قصر بعبدا».