شكّل «حزب الله» بسلاحه وأدواره العسكرية الخارجية والعقوبات المالية عليه عنواناً رئيسياً في المحادثات التي أجراها وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في بيروت، أمس، وتناولتْ مختلف ملفات الساعة في المنطقة كما النزاع الحدودي البري والبحري بين لبنان وإسرائيل.ولم تتْرك المواقف التي أطلقها تيلرسون في ختام زيارة الساعات الخمس لبيروت حيث التقى رؤساء الجمهورية العماد ميشال عون والبرلمان نبيه بري والحكومة سعد الحريري مجالاً لتأويلاتٍ كثيرة حول طبيعة المداولات التي أجْراها، ولا سيما أنه تَحدّث «بلا قفازاتٍ» حول ملف «حزب الله» في غمرة اشتداد المواجهة الأميركية - الإيرانية تحت سقف القرار الحاسم من واشنطن باحتواء نفوذ طهران في المنطقة وتَمدُّده من خلف غبار الحروب في أكثر من ساحة، كما المواجهة الاسرائيلية - الإيرانية التي بلغتْ قبل أيام حافة الانفجار على وهج «لا» حاسمة أطلقتْها تل أبيب لوجودٍ إيراني في سورية يهدّد حدودها ولحيازة «حزب الله» او تطويره أسلحة «كاسِرة للتوازن». فـ تيلرسون لم يتأخّر في تبديد الالتباس الذي أثاره ما نُقل عنه في الأردن حول «وجوب الاعتراف بأن (حزب الله) جزء من العملية السياسية في لبنان» الأمر الذي فُسِّر على أنه في إطار تخفيف واشنطن موقفها إزاء الحزب قبيل زيارة وزير خارجيتها لبيروت، وهو كرّر في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع الرئيس الحريري توصيف بلاده للحزب وسقف تعاطيها معه كـ «منظمة نعتبرها إرهابية منذ عقدين من الزمن ولا يوجد فرق بالنسبة إليها بين الجناح العسكري والسياسي له»، معتبراً أن «من المستحيل أن نتحدّث عن الأمن والاستقرار في لبنان من دون معالجة مسألة(حزب الله)، ومن غير المقبول لميليشيات مثله أن تتصرف خارج نطاق سلطة القانون والحكومة، ونرى ان الجيش اللبناني هو المخوّل الوحيد الدفاع عن لبنان».وفي موازاة تثبيت موقف واشنطن من وضعية «حزب الله» وسلاحه خارج الشرعية، أطلق تيلرسون، وهو أرفع مسؤول أميركي يزور بيروت منذ 2014، ما يشبه «جرس الإنذار» حيال الأدوار الخارجية للحزب حين أكد ان «على الشعب اللبناني أن يشعر بالقلق تجاه تصرّفات(حزب الله)التي تجلب انتباهاً سلبياً نحو لبنان وتزعزع استقراره والمنطقة»، معلناً «ان وجود الحزب في سورية زاد من سفك الدماء ومن نزوح الأبرياء ودعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد البربري».وشدد على «ضرورة أن تنأى حكومة لبنان عن النزاعات الخارجية وأن يتوقّف(حزب الله)عن نشاطاته الخارجية»، مشيراً الى ان «تَنامي ترسانته وتورطه في الصراعات الاقليمية يهدّد أمن لبنان». ويعكس التشدد الأميركي المتعدّد البُعد بإزاء «حزب الله» حساسية الوضع في ما خص النزاع البري (الجدار الاسرائيلي على الحدود مع لبنان عند الخط الازرق) والبحري (زعْم تل ابيب ملكيتها للبلوك رقم 9 في المياه الإقليمية اللبنانية) بين لبنان وإسرائيل وإمكان انزلاقه بأقلّ «سوء تقدير» نحو مواجهة كبيرة قد تُعرف بدايتها ولكن لا يمكن التهكهّن بنهايتها. إلا أن تيلرسون، الذي شدّد على «اننا ممتنّون للشراكة العسكرية مع لبنان وقواه العسكرية التي وقفت في وجه تنظيم(داعش)الإرهابي، ونحن ملتزمون بدفع الأهداف المشتركة مع لبنان إلى الأمام»، أعطى إشارات واضحة حيال سعي واشنطن الى لعب دور بين بيروت وتل أبيب لاحتواء هذا النزاع، بقوله «اننا ملتزمون بمساعدة لبنان والشعب اللبناني للازدهار من خلال الثروات الطبيعية (النفط والغاز) وبالاتفاق مع الجيران»، مضيفاً: «نقاشاتنا مفيدة بموضوع العثرات في مسألة النفط في البحر وطلبنا من لبنان وإسرائيل إيجاد حلّ». وأوضح أنّ «أميركا ليست في موقف الضامن لأي دولة أخرى، ويمكن أن نلعب دوراً في الوصول إلى اتفاق على الحدود ومتفائلون في أنّ كل هذه المباحثات ستوصل إلى حلّ نهائي يتعلق برسم الحدود بين لبنان وإسرائيل ولم نطلب من لبنان التخلي عن أي شيء» في هذا السياق، مؤكداً «ان واشنطن تتواصل مع لبنان وإسرائيل لضمان الهدوء في منطقة الحدود».ولم يكن كلام الحريري في المؤتمر الصحافي مع تيلرسون (الذي أعقب مأدبة غداء) أقلّ دلالة، وهو ظهّر مواضيع البحث التي تناولتْ الوضع في المنطقة والنزاع الحدودي مع اسرائيل والعقوبات الأميركية على «حزب الله» وملف النازحين والمؤتمرات الدولية لدعم لبنان.وأكد أن «الولايات المتحدة شريك استراتيجي في محاربة الارهاب، ورسالتها أننا نقف بشدة الى جانب لبنان ومؤسساته الشرعية»، موضحاً انه أبلغ الى تيلرسون «حق لبنان في استكشاف واستثمار وتنمية مواردنا الطبيعية في مياهنا الإقليمية. واتفقنا على أن القطاع المصرفي اللبناني لا يزال حجر الأساس في اقتصادنا. وجدّدتُ التأكيد على أن هذا القطاع متين وسليم ويخضع للإشراف ويلتزم كلياً بالقوانين والأنظمة الدولية»، لافتاً الى «أن لبنان يريد الانطلاق إلى حالة وقف إطلاق نار دائم مع اسرائيل، لكن الانتهاكات الاسرائيلية وخطابها التصعيدي يقف حاجزاً أمام ذلك». وإذ شدد الحريري على ان «الالتزام بسياسة النأي بالنفس في لبنان مسؤولية جماعية»، شكر واشنطن «على دعمها للمحكمة الدولية الخاصة في لبنان (تنظر في جريمة اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري)» وقال: «لا بد ان تتحقق العدالة في حق مرتكبي الجرائم السياسية في لبنان»، مؤكداً رداً على سؤال «ان أي تصعيد في المنطقة لا يفيدها، ونرى أن مصلحتها هي في الهدوء والحوار وإيجاد الحلول. نحن في لبنان نعاني ولا سيما منذ سبع سنوات، وهذا البلد يجب الا يكون ضحية لأي تهديدات او مشاكل من حوله. بالنسبة لنا الحوار بين بعضنا هو أفضل طريقة لحل هذه المشاكل ونتمنى ان يكون لبنان جزءاً من هذا الحوار».وكان تيلرسون استهلّ محادثاته صباحاً مع الرئيس عون الذي طلب من وزير الخارجية الأميركية ان تعمل بلاده «على منع اسرائيل من استمرار اعتداءاتها على السيادة اللبنانية البرية والبحرية والجوية والالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 حفاظا على الاستقرار الذي ينعم به الجنوب اللبناني منذ العام 2006». وفيما أكد عون «تمسك لبنان بحدوده المعترف بها دوليا ورفضه ادعاءات اسرائيل بملكية اجزاء من المنطقة الاقتصادية الخالصة في المياه اللبنانية»، قال إنه لن يألو جهداً للوصول الى حلول لمسألة الحدود البرية والبحرية، داعيا الولايات المتحدة والامم المتحدة والمجتمع الدولي الى لعب دور فاعل في هذا المجال، ومؤكداً التزام لبنان الهدوء على الحدود الجنوبية «فلبنان لا يريد الحرب مع احد في حين ان اسرائيل تواصل اعتداءاتها». كما شدد على «التزام لبنان تجفيف الموارد المالية للمنظمات الارهابية والتزام الاجراءات المعتمدة، على ألا يؤدي هذا الأمر الى الاضرار به وباقتصاده، لاسيما وان اضراراً لحقت بلبنان بعدما تخوف المغتربون والمستثمرون من بعض هذه الاجراءات».من جهته، أكد تيلرسون دعم بلاده للبنان ومؤسساته وللجيش والمؤسسات الامنية فيه، عارضا لموقف الولايات المتحدة من الاوضاع في لبنان والمنطقة، لافتا الى مشاركة بلاده في المؤتمرات الثلاثة التي ستعقد لدعم لبنان في روما وبروكسل وباريس. ثم توجه وزير الخارجية الأميركي إلى عين التينة حيث التقى الرئيس بري الذي استحضر أمام ضيفه «الخروق الاسرائيلية اليومية ونية اسرائيل بناء الجدار الاسمنتي في نقاط داخل الاراضي اللبنانية وادعاءاتها في المنطقة الاقتصادية الخاصة»، شارحاً «التشريعات والقوانين التي صادق عليها المجلس النيابي والمتعلقة بالحركة المالية والنقدية والمصرفية وفق المعايير العالمية التي لا تستدعي مزيداً من الاجراءات أو التدابير تجاه لبنان».
دقائق «مُحْرِجة» للوزير الأميركي ... تُرك وحيداً في جوار كرسي شاغر
| بيروت - «الراي» |
خَطَفَ مشهد وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون يجلس وحيداً في القصر الجمهوري اللبناني وبجواره مقعد شاغر مخصص للرئيس العماد ميشال عون الأضواء من مضمون محادثات رئيس الديبلوماسية الأميركية في بيروت.وما إن نُقلت صور تيلرسون «وحيداً» على الشاشات اللبنانية التي كانت في بثّ حيّ من القصر الرئاسي حتى «اشتعلتْ» التأويلات حيال هذا الموقف الذي وُصف بأنه «مُحْرج» لوزير الخارجية الأميركي الذي انتظَر (مع الوفد المرافق) لدقائق قبل دخول نظيره اللبناني جبران باسيل لمصافحته ومن ثم وصول الرئيس عون وبدء المباحثات.وراوحتْ القراءات لهذه «الدقائق» التي بدا فيها تيلرسون «متروكاً»، بين اعتبارها خطأ بروتوكولياً في أقلّ تقدير باعتبار ان الوزير باسيل لم يكن حتى في استقبال الضيف الأميركي الرفيع عند مدخل القصر، وبين تفسيرها على أنها «رسالة سياسية» متعمّدة.وبعدما نُقل عن مصادر القصر اللبناني ان ما حصل مردّه الى وصول تيلرسون قبل موعده بعشر دقائق وان الرئيس عون دخل في الوقت المحدد للاجتماع (العاشرة و35 دقيقة)، فيما عُزي غياب باسيل عن استقبال نظيره الاميركي الى زحمة سير حالت دون وصوله باكراً، صدر عن مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية البيان الرسمي الآتي: «ان كافة الاصول البروتوكولية اعتمدت في استقبال وزير خارجية الولايات المتحدة في قصر بعبدا، ولم يحصل بالتالي أي خلل أو تقصير بروتوكولي في هذا المجال، وكل ما يتم تداوله لا أساس له من الصحة، حتى ان الوزير الضيف حرص على التدوين في سجل التشريفات شكره على الاستقبال الحار الذي لقيه في قصر بعبدا».وقد كتب تيلرسون في دفتر الزوار الخاص (السجلّ الذهبي) بالقصر الرئاسي اللبناني بعد الاجتماع: «السيد الرئيس، شكراً على الاستقبال الحار وعلى النقاش الصريح والمنفتح والبنّاء». وأضاف: «الولايات المتحدة تقف إلى جانب الشعب اللبناني من أجل لبنان حر ديموقراطي ونتوجه بأطيب التمنيات من أجل مستقبل مستقر ومزدهر».