يعيش جاسم في قرية جميلة وهو يعشقها... حبه لقريته يبدو أنه المحرك الأساسي لأفعاله وأقواله، وإن كانت أفعاله يطغى عليها حب النفس والأنانية، لكنه يحفظ الأغاني الوطنية، وكل عيد وطني تجده في المسيرة يغني ويرقص، وبما أنه في المسيرة... إذاً هو يحب ويعشق الوطن، وإن كان لا يدري أين مقر عمله وهو يتسلم راتبه آخر كل شهر!جاسم قرر أن يكتشف شيئاً جديداً يقدمه للوطن الذي يتغنى بحبه في الأعياد الوطنية، قرر اكتشاف أين المكان الذي يتلاقى أو يجتمع فيه إنتاج كل أطياف هذا المجتمع من دون أي تمييز.ذهب إلى المساجد، فوجدها تنقسم بين سنة وشيعة، ومساجد السنة لها تقسيماتها، ومساجد الشيعة لها تقسيماتها أيضاً... إذاً في المساجد لا يوجد التقاء.ذهب إلى الأندية فوجد أن هناك اختلافاً بين الأندية، سببه عوامل عدة من وجهة نظره... إذاً في الأندية الرياضية ليس هناك التقاء. ذهب إلى المدارس والجامعات، فوجد أن الاختلاف كبير جداً، اختلاف قد يصل إلى حد الحرب. ذهب إلى الوزارات، وهناك وجد أن توزيع المناصب حسب الطائفة والأحزاب والقبلية، وليس للمخلص والمجتهد مكان في معظم الأحيان، إذاً في الوزارة ليس هناك التقاء.ذهب إلى المناطق السكنية فوجد أن الدولة هي مَنْ شجع على عدم الالتقاء وهي من أسس للاختلاف، فالمناطق السكنية قد قسمت على أسس عائلية وقبلية وطائفية.ذهب إلى المقابر فوجدها تنقسم حسب الطائفة، إذاً المقابر ليس بها التقاء. أين يذهب جاسم؟ سؤال حيّر جاسم المحب لوطنه الحافظ للأغاني الوطنية، جاسم الراغب بإهداء وطنه اكتشافاً لمكان يلتقي فيه إنتاج المجتمع من دون أي تفرقة. أخيراً وجد جاسم هذا المكان... إنه الماء المعالج الذي يصل إلى المزارع، فهذا الماء هو نتاج كل أطياف المجتمع وقد اجتمع إنتاجهم من دون أي تفريق. الغريب أنه بعد اكتشاف جاسم، بدأ البعض يفكر كيف يمكنه أن يفرّق بين توحد إنتاج المجتمع بالمياه المعالجة، فهم يعتقدون أن العنصرية هي المحرك الاساسي لأي قرار يتخذه الإنسان والدليل الاستجواب الأخير.