كشف الأستاذ الدكتور عصام خلف كامل الكثير من السلبيات والإيجابيات في الاستشراق، والدور الذي لعبه على المستوى العربي، والإسلامي، وذلك في محاضرة أقيمت ضمن فعاليات مهرجان القرين الثقافي الـ24 وعنوانها «الاستشراق والأدب العربي».المحاضرة أقيمت في مكتبة الجابرية العامة وأدارها الدكتور سلطان الحريري، وتضمنت بحثا متكاملا قدمه كامل خاض فيه- بكثير من التفسير والتحليل- في هذه المسألة التي كان لها أثر كبير ليس في الأدب العربي فحسب ولكن أثرها امتد إلى كافة العلوم العربية والإسلامية الأخرى.وأوضح الحريري في تقديمه للمحاضرة أن «الاستشراق خضع إلى التصنيفات المرحلية والدافعية فمنهم من صنفه حسب المرحلة بالاستشراق الاستعماري وما بعد الاستعماري والاستشراق الجديد، ومنهم من جعل له دوافع عدة منها الديني والسياسي والاجتماعي وغيرها، وتناسى الكثير من الباحثين فضل المستشرقين في نشر الثقافتين العربية والإسلامية ومنهجياتهم العلمية في التحقيق والبحث، فضلا عن صبرهم ودأبهم وجلدهم في التحقيق والتمحيص وتتبع المسائل». وطرح الحريري على المحاضر مجموعة من الأسئلة منها: ما مدى مساهمة المستشرقين في الثقافتين العربية والإسلامية؟ وهل يمكن الاعتماد على جهودهم بوصفها وثائق؟ وهل هم قابلون للحوار في ما يخص الأخطاء من أجل تصحيحها؟ وهل يمكن وضع الخطابات الاسشتشراقية في سلة واحدة؟واستلهم المحاضر إجاباته من خلال ورقته البحثية المحكمة، ليقول: «لم يكن الاستشراق- في مجمله- سيئا أو منحرفا عن الموضوعية، تحت دعوات بأنه ذو طابع استعماري، أو وقع تحت سيطرة التعصب الديني، أو الغلو المنهجي عن قصد أو غير قصد، إلا أننا نزعم أن يده امتدت لتضيء أو تكشف حضارات الشرق القديم». وأضاف: «دافع الاستكشاف هو البحث عن الآخر والتفتيش عن جوانبه باعتبار أن تراثه إنساني تتقارب فيه الآراء والتوجهات أو تختلف فيه الأمزجة والأهواء والمعتقدات، وبفرضه الاختلاف، فهي آراء قد تتعارض ولكنها لا تتقاطع، فالاختلاف في الرأي على أقوال متقاربة أو متضاربة لا يقلل من قيمة الجهد المبذول اتجاه العمل المطروح إيجابيا أو سلبيا».وتوغل كامل في تاريخ الاستشراق الذي اختلف حوله المؤرخون ليرى فريق أنه بدأ في القرن الثاني الميلادي حيث ترجمت معاني القرآن الكريم لأول مرة إلى اللغة اللاتينية، كما أُلّف معجم لاتيني عربي، وكان ذلك في إسبانيا، بينما أرخ له فريق آخر في نهاية القرن الثالث عشر وبداية القرن الرابع عشر وذلك عندما بذل رايموندس لالوس جهودا كبيرة لإنشاء كراس لتدريس اللغة العربية في عدد من جامعات أوروبا، فأقبل الأوروبيون على دراسة وتلقي علوم المسلمين بغية معرفة أسرار تفوقها.وأورد المحاضر رأي العقيقي في موضوع الجاسوسية على الإسلام والمسلمين، وإثارة القساوسة الجدل الفكري وقضايا الفتنة.ثم تحدث كامل عن الاستشراق بين السلبية والإيجابية من خلال اتجاهين الأول انبرى فيه أصحابه من أهل السلام ومن أصحاب العلوم العربية بالدفاع والرد على ما تناوله المستشرقون من أفكار هدامة وحقائق مغلوطة، والاتجاه الثاني انحاز في كتاباته للاستشراق والتغني بمآثر وفضل هؤلاء المستشرقين على الأمة العربية والإسلامية.وقال كامل: «لا يمكن إنكار ما قام به المستشرقون من أعمال كان القصد منها هدم الأمة، وتشويه صورتها والقضاء على هويتها... ولكننا في الوقت نفسه لا نقف عند مبدأ المغالاة، تأخذنا النزعة العربية في مجاراة من جاراهم في التقليل من قيمة تراثنا والانطلاق من خلال أفكارهم لا من خلال أفكارنا».وأكد أنه ليس كل ما قام به المستشرقون هو أمر غير صحيح، فكل عمل من الأعمال يحمل في طياته جانبا إيجابيا وآخر سلبيا.وتحدث المحاضر عن الجانب الإيجابي في عمل أهل الاستشراق ومنه تعلم الأوربيين اللغة العربية، فازداد الناطقون بها، ودراسة الإسلام وعلومه من أجل العلم والتعلم، وكثرة مؤلفاتهم في هذا الشأن، ومع التطورات الهائلة في القرن الثامن عشر وظهور النزعة العقلية في أوروبا الأثر الكبير في نظر الأوروبيين إلى الإسلام المنافس للمسيحية نظرة محايدة بل بتعاطف.وأشار إلى الحملة الفرنسية على مصر التي كانت صدمة للمصريين على مستويات حضارية عدة، فقد حملت معها المدافع، كما حملت العلماء والكتاب.وتناول المحاضر الحديث الذي دار بين علي شلق والمفكر الفرنسي روجيه غارودي والذي يخلص إلى أن الاستشراق مر بثلاث مراحل... الأولى كان المستشرقون أدلاء شعوبهم على كنوز الشرق، والثانية أحب فيها المستشرقون حضارة الشرق، ولكنهم ما زالوا يخدمون مصالح شعوبهم، والثالثة ضعف أمر الاستعمار وانهمر الباحثون الغربيون على دراسة حضارة الشرق حبا لها.وتطرق إلى المستشرق كارل بروكلمان في تاريخ الأدب العربي، وأمانته في النقل والترجمة، وتقسيمه للأدب العربي إلى خمسة عصور رئيسية هي: ما قبل الإسلام، ظهور الإسلام، الدولة العباسية، ما بعد سقوط بغداد، البعث الجديد. كما تحدث كامل عن الأدب المقارن وأهميته في ازدهار الآداب الإنسانية بشكل عام.واحتوت مداخلات وأسئلة الحضور على الكثير من الأفكار والأطروحات التي تتعلق بمسألة الاستشراق وما تضمنته من آراء مختلفة ومتباينة، كي يتساءل أحد الحضور عن سبب انقطاع العرب والمسلمين عن الحضارات الغربية قبل الاستشراق، وأفاض الدكتور عدنان عزاوي في مداخلته عن سلبيات الاستشراق مثل حفظ التراث العربي والإسلامي والسلبيات مثل سرقة بعضهم المخطوطات المهمة.
محليات - ثقافة
المحاضرة أقيمت في مكتبة الجابرية العامة ضمن فعاليات «القرين 24»
عصام كامل: الاستشراق يحمل في طياته جانباً إيجابياً وآخر سلبياً
سلطان الحريري وعصام كامل في المحاضرة
03:30 م