لا تخلو الحياة من التناقضات، بل إن وجود التناقض يعتبر من الأسس التي تبنى عليها حركة هذه الحياة وتطور البشرية، فهناك الخير والشر، الحب والكراهية، الرحمة والقسوة، الجمال والقبح... الخ. وبالتأكيد فإن هذه التناقضات نراها جلية في واقعنا اليومي، فقد جاء تصريح مندوب الكويت في مجلس الأمن حول تظاهرات الشعب الايراني ضد الغلاء والاضطهاد والظلم متناقضاً مع سياسة الحكومة الكويتية داخلياً. ففي الوقت الذي دعت فيه الكويت عبر مندوبها إلى ضرورة احترام حرية التعبير وحقوق المتظاهرين الايرانيين، نجد انها استخدمت القمع كأداة للتعامل مع المسيرات المطالبة بالاصلاح السياسي في الكويت، فما زال منظر الغاز المسيل للدموع واستخدام الرصاص المطاطي والهراوات في التعامل مع شباب الحراك في الكويت لا يغيب عن ذهني، وبالتأكيد لن ينسى أحد الوحشية التي تم التعامل بها مع الدكتور عبيد الوسمي أثناء أحداث ديوانية الحربش الشهيرة. هذا التناقض الذي دفع الشباب المسجون بسبب قضية دخول المجلس لإعلان الاضراب عن الطعام بهدف لفت انتباه المجتمع الدولي والرأي العام الكويتي لهذا التناقض في المواقف. ولا تقل تناقضات السلطة أو الحكومة عن تناقضات بعض الأطراف المحسوبة على المعارضة، ففي الوقت الذي خرج فيه عشرات الآلاف للشوارع مطالبين بالحرية والإصلاح ومحاربة الفساد واحترام حرية التعبير، نجد أن منهم مَنْ رفع القضايا التي جاءت نتيجتها بأحكام بالسجن سنوات عديدة لشباب كويتي بسبب رأي مخالف، فهذا أحد المحامين المدافعين عن الحريات يفاخر بأنه كسب حكماً بالسجن على أحد الكتاب بسبب الاساءة لاحدى الدول، أما نواب المعارضة فهم مَنْ هرول في مجلس «الأغلبية» لاقرار قانون اعدام المسيء وتعديل المادة الثانية ثم المادة 79 من الدستور قبل اقرار أي قانون آخر لاصلاح المنظومة السياسية. هذه التناقضات وغيرها العديد كانت أحد الأسباب المهمة في تعطيل عملية الاصلاح السياسي، فالشعب في حالة توهان وانعدام ثقة بالمعارضة والسلطة على حد سواء، ولكنه وببساطة يفضل نار السلطة على جنة بعض أطياف «المعارضة»، فبالنسبة للعامة، فساد الحكومة وإن أدى إلى عجز في الميزانية وغلاء في المعيشة وسوء في الخدمات، إلا أن تلك الحكومة لم تتدخل في حياتهم الخاصة ولم تتعرض لحرياتهم الشخصية، بينما من يطالب بالإصلاح ومحاربة الفساد هو نفسه يحارب الحريات الشخصية ويفرض وصايته على الناس من دون وجه حق! باعتقادي لا يمكن أن تتم عملية الاصلاح السياسي في الكويت من دون الاشارة لأصل المشكلة والتناقض الرئيسي في العملية السياسية، فكيف لنا أن نصلح من دون معرفة مكان الخلل؟ الخلل ببساطة يكمن في التناقض الكبير بين إدارة البلد بعقلية العشيرة والشيخة، في وقت نريد فيه تطبيق الديموقراطية وبناء دولة المؤسسات، فلا يصح أبداً أن نتحدث عن الديموقراطية في وقت يتم فيه اختيار أعضاء الحكومة حسب القبيلة أو العائلة أو المصلحة وليس حسب معيار الكفاءة، وهذا ينطبق أيضاً على اختيار بعض النواب، فليست الحكومة فقط من يمارس هذه الأخطاء، ولكنها بالتأكيد كرستها ورعتها. إن الاصلاح يبدأ بالابتعاد عن التفكير بهذه العقلية القديمة، والاستثمار في بناء دولة الكويت الحديثة من خلال التمسك بالمكتسبات الدستورية وتطوير المنظومة السياسية للوصول للنظام البرلماني الحقيقي، والعمل على تطوير دستور الحد الأدنى نحو المزيد من الحريات وليس نحو الانتقاص مما هو موجود حالياً. وبالتأكيد هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق القوى المدنية والديموقراطية بالعودة لدورها التاريخي وقيادة دفة المعارضة التي جاءت بكل تلك المكتسبات الشعبية التي ننعم بها اليوم، فمنذ ابتعاد تلك القوى عن قيادة دفة المعارضة والوضع السياسي من سيئ إلى أسوأ، بل تحولت المعارضة من معارضة لنهج وممارسات الحكومة إلى معارضة أشخاص وهذا ما أضعفها وأفقد الناس الثقة فيها.dr.hamad.alansari@gmail.comtwitter: @h_alansari