على مَشارف الـ 2018، تَرْتسم في لبنان مَلامح سباقٍ بين الاستعدادات لـِ «وداعية الـ 2017» التي يسْتعيد معها وسط بيروت نبْضه باحتفاليةٍ طال انتظارها وتليق بالعاصمة وأعطى إشارة الانطلاق لها رئيس الحكومة سعد الحريري، وبين الاستعداد لترحيلِ واحدةٍ من الأزمات الداهمة التي ستجرجر ذيولها إلى السنة الجديدة محمّلةً بأثقال دستورية وسياسية أجْهزتْ سريعاً على «مناخ الوئام» الذي حلّ على البلاد بعد أزمة استقالة الحريري.وفي حين تكتب الـ 2017 نهايتَها لتلتحق بـ «رزمة» السنوات «الدسمة» في أحداثها، لا تزال أزمة مرسوم منح سنة أقدمية لضباط دورة 1994 في الجيش اللبناني «في بداياتها» المفتوحة على فصولٍ أكثر تعقيداً في صراعٍ واجهتُه كباشٌ بين رئيسيْ الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري، فيما جوهرُه يطلّ على بُعدٍ استراتيجي لـ «المعركة» التي يخوضها بري نيابةً عن المكوّن الشيعي ويتّصل بالتوازنات داخل نظام الطائف كما بحجم حصّة هذا المكوّن في كعكة السلطة في أي «نظام جديد».ويتناوَب عون وبري على «النزول شخصياً» إلى ساحة «حرب المرسوم» عبر مواقف مباشرة وسجالية محورها «مخالفة الدستور» و«ضرْب الميثاقية» التي يعتبر رئيس البرلمان أنها واقعة في المرسوم الذي وقّعه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير الدفاع مع القفز فوق توقيع وزير المال (الشيعي) الذي يريد الثنائي الشيعي (بري و«حزب الله») تكريسه توقيعاً ثالثاً في جميع «مراسيم الجمهورية» (الى جانب التوقيع الماروني والسني)، في مقابل إصرار عون على أن خطوته دستورية بالكامل استناداً إلى سوابق في نظام الطائف والى أن هذا المرسوم لا يرتّب أعباء مالية تجعل وزير المال صاحب اختصاص للتوقيع. وحمل يوم أمس إشارات جديدة إلى تراجُع الوساطات الباحثة عن مَخرج للأزمة الأكثر احتداماً في العلاقة بين عون وبري والتي يحكمها منذ ما قبل التسوية الرئاسية مدّ وجزر تحت سقف «الودّ المفقود»، وأبرز هذه الإشارات:* ردّ الرئيس عون على بري من دون تسميته، بعدما كان الأخير وصل (في معرض التعليق على دعوة رئيس الجمهورية المعترضين على المرسوم للذهاب للقضاء) إلى ما يشبه «نعي» الطائف والدستور والحكومة.واختار رئيس الجمهورية أن يوجّه كلامه أمس خلال استقباله وفد قيادة الجيش اللبناني برئاسة العماد جوزف عون إذ قال: «بقيتم أوفياء للقسم ولم تقصّروا بأي مهمّة، وانسوا ما تسمعونه في السياسة... سنواصل إنصاف المستحقّين وقرارنا بمنح ترقيات كان للتعويض ولو جزئياً عن خلل حصل»، مشدداً على أنّه «بعد اليوم، لن تكون هناك مخالفات ولن تُهدر حقوق أحد، والمقصود من النقاش الدائر حاليّاً لا يتعلّق بحقوق العسكريين، إنّما بصراعٍ سياسي على مواضيع أخرى».* التلميح إلى إمكان أن يفضي تمادي الأزمة وعدم تعطيل «صاعقها» إلى اعتكاف وزراء بري عن المشاركة في جلسات مجلس الوزراء وتالياً شلّ الحكومة، في إشارة للأهمية التي يعلّقها المكّون الشيعي على «معركة المرسوم».* بدء بري بكشْف «الأوراق» التي يملكها للردّ «المتدحْرج» على إسقاط توقيع وزير المال علي حسن خليل عن مرسوم الأقدميّة. وفي هذا السياق جاءت خطوة الأخير التي ردّ بموجبها إلى وزارة الدفاع مراسيم ترقيات ضباط الجيش (هي ترقيات تستحق كالعادة قبيل نهاية السنة) من رتبة عقيد إلى عميد، ومن رتبة مقدم إلى عقيد، نظراً الى تضمُّنها أسماء ضباط وردت في مرسوم الأقدمية موضع الأزمة، طالباً من الوزارة شطب أسمائهم من الجداول.وإذا كان «حزب الله»، المُحرَج بانفجار الصراع بين شريكه في الثنائية الشيعية وبين حليفه الاستراتيجي، يساند بري ضمناً مع حرصه على عدم صدور أي إشارة عنه تُزعِج عون، فإن الحريري الذي يحاول رئيس البرلمان «حشْره» بعنوان «الدفاع عن الطائف» مُحْرج بدوره وبات بين «ناريْ» عون وبري.وكان لافتاً أن الحريري وفي كلمته في الذكرى الرابعة لاغتيال الوزير السابق محمد شطح طمأن «أن الطائف بألف خير لأننا سنكون دائماً المدافعين الأوائل عن هذا الدستور»، وذلك بعدما أطلق إشارة هي الأولى من نوعها حيال ما رافق استقالته من الرياض في 4 نوفمبر الماضي إذ قال: «أربع سنوات مرت على استشهاد الأخ والصديق، رفيق الأيام الصعبة محمد شطح. في كل سنة من السنوات الأربع كنتُ أشعر بحجم الفراغ الكبير الذي تركه محمد. لكنني هذه السنة شعرتُ بغيابه أكثر من أي سنة أخرى، وشعرتُ كم أنا بحاجة لأن يكون إلى جانبي، كم أحتاج إلى حكمته وعقله وصلابته كي يكون بجانبي خلال أزمةٍ من أمرِّ الأزمات في حياتي السياسية».