إن التشكّي أو التذمر هو تعبير عن انزعاج داخلي بسبب شعور الإنسان بوجود تصرفات أو أشياء لا تُرضيه. صحيح هو عبارة عن شحنات سلبية يطلقها الإنسان للتعبير عن انزعاجه، ولكن الهدف العام من التعبير عن الانزعاج يتمثل في تخفيف الكرب العصبي ولفت الأنظار إلى شيء سيئ أو غير صحيح. قد نختلف في تفسير مفهوم التذمر، ولكن نتفق بأن شيئاً من التذمر ضروري جداً لتوازن الشخصية واستقامة الحياة العامة، وأنه دليل على وعي الإنسان بمحيطه، ودليل على امتلاكه درجة من الحيوية العقلية والروحية، ولهذا يعتقد بعض أهل العلم بأن البشرية اتخذت من الشكوى محرّضاً على التقدم. فالتقدم الحضاري يقوم بدور مزدوج في مسألة التذمر والشكوى، فهو يزيد في الشكوى لأنه يوسّع طموحات الناس ويزيد في مطالبهم ويحسّن وعيهم بمصالحهم، ولكن من الضروري أن نجعل الشكوى أكثر موضوعية لأن الإنسان المتحضر يجد أمامه الفرص والخيارات التي يحقق من خلالها تطلعاته، ويعالج مشكلاته، أما الإنسان الذي يعيش في بيئة متخلفة فإن ما يطمح إليه قليل، كما أنه يشعر بأنه محاصر من كل جهة ما يجعله يشكو مما هو موضع شكوى ومما ليس كذلك، أي ان تذمره يكون أقل عقلانية ومنطقية. وما دام شيء من الشكوى يعد شيئاً صحياً، فإن علينا أن نرحّب بمن يشكو من بعض الأمور، ونصغي إليه باهتمام، وهذا ما تعلمناه من رسولنا - صلى الله عليه وعلى آله وسلّم - حيث كان يتوقف في قارعة الطريق ليستمع إلى شكوى من يشكو إليه، ويعمل على مساعدته، وهذا ما علينا القيام به. من المهم أن نتذكر أن الشكوى من الشيء تشكل بداية جيدة للعمل على إصلاحه، كما يفعل المريض حين يشكو من ألم في جسده، إن احساسه بالألم يترتب عليه السعي إلى تشخيصه والبدء في علاجه، وإن شعرنا بأننا عاجزون عن الإصلاح فالإقلال من الشكوى يكون هو الموقف الحكيم. لكن! لا نجعل سوء الأوضاع يحرمنا من الفرح والسرور والاستمتاع بنِعم الله، والتفاؤل بكل ما هو مرغوب ومطلوب والرضا بالمقسوم.m.alwohib@gmail.commona_alwohaib@