... وانطفأ آخر سراج من لجنة إعداد الدستور.ليس سهلاً لأي شخص أن يجد نفسه عضواً في لجنة مكونة من 5 أفراد، مهمتها إعداد دستور الدولة.ولأن الجميع أجمع على إخلاصه في حب الكويت، وسعة اطلاعه، فقد كان هناك توافق بين الساسة ورجال الأعمال على أن الراحل يعقوب يوسف الحميضي رجل صاحب تاريخ طويل ومشرف على أكثر من صعيد.وإذا كان تسلق الجبال والوصول إلى القمة يحتاج الكثير من الجهد والصبر والمثابرة، فإن النجاح بالعمل السياسي والاقتصادي يحتاج لإمكانات من نوع خاص، يمكن أن تُختصر بالراحل يعقوب يوسف الحميضي.فخلال 86 عاماً نجح الحميضي في اكتساب مهارات خاصة، أعطته الفرصة للاستمرار بقوة في مشوار نجاحه سياسياً واقتصادياً، ولعل عنوان هذه المهارات الفهم والاطلاع الواسع في مجال عمله، وقبل ذلك الإخلاص والوطنية.عندما تستعرض تاريخ الكثير من الشخصيات المحلية التي لعبت دوراً في مجالي السياسة والاقتصاد، لا يمكن أن نغفل دور الراحل الحميضي، والذي تصلح تسميته برجل المبادرات الناجحة في مجال التغذية، والقائمة تطول في هذا الخصوص بدءاً من تأسيس الشركات الغذائية في السوق المحلي، ومروراً باعتباره أول كويتي يهجن الخراف العربية مع الأسترالية، وانتهاء بشغله عضوية عدد من أبرز الجهات والهيئات والشركات والمؤسسات على غرار «الهيئة العامة للاستثمار»، وغرفة التجارة والصناعة، و«الهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية»، ومؤسسة التقدّم العملي، والشركة الأهلية للتأمين، وشركة مخازن وصناعة التبريد، وشركة التسهيلات التجارية، ناهيك عن شركة «الحميضي وكلاوزن» لاستيراد وتصدير المواشي.يقول وزير المالية الأسبق، بدر الحميضي، إن الراحل يعقوب الحميضي لم يكن مجرد أحد رجال المال والأعمال المشهود لهم بالنجاح في الكويت فحسب، بل أيضا أحد أبرز الشخصيات التي لعبت دوراً أساسيا في عالم السياسة، بدءا من عضويته بالمجلس التأسيسي، ومروراً بعضويته بلجنة الدستور في مجلس الأمة.يبوح الحميضي بأحد أسرار نجاح الراحل وازدهار أعماله الاقتصادية والسياسية، أنه ومنذ صغر عمره كانت آراؤه ذات قيمة في تجاوز جميع العقبات التي واجهها في المحافل المختلفة، مشيراً إلى أنه كان قامة اقتصادية وسياسية.ويوضح أن يعقوب الحميضي كان أول كويتي يقوم بتهجين الخراف في استراليا مع الخراف العربية، حيث نجح في تقديم منتج هجين يجمع بين مزايا النوعين، جودة وسعراً، منوهاً إلى أن ذلك كان بمثابة إحدى المبادرات الاقتصادية التي قدّمها خلال مسيرته بالقطاع الخاص.علاوة على ذلك فمن المعلوم عن يعقوب الحميضي أيضاً أنه صاحب دور كبير في تأسيس الشركات، خصوصاً الغذائية، فقد أسس في العام 1938 شركة الحميضي وكلاوزن لاستيراد وتصدير المواشي، كما أسس أول شركة دواجن في الكويت (مصنع الحميضي للدواجن) في العام 1958، علاوة على تأ سيس شركة المواشي الكويتية ومشروع العواسي (شركة الخليج للمواشي)، بالإضافة إلى تقلده منصب رئيس مجلس إدارة شركة الحميضي للمواد الغذائية.من جهته، يستذكر الخبير الاقتصادي علي رشيد البدر عندما كان مديرا للبنك العقاري إحدى النصائح التي عملت بها الدولة من الراحل يعقوب الحميضي، والتي عكست اطلاعه الواسع في مجال عمله، حيث كان هناك حينذاك مقترح من أن تساهم الدولة في أحد المشاريع الغذائية الزراعية، ومن باب الاستئناس الذي شمل بعض أصحاب الخبرات، ومن ضمنهم الحميضي قدم رأياً بألا تساهم الدولة في هذا المشروع باعتباره غير مفيد، وبالفعل تحقق ذلك، بعد أن تأكد الجميع أن النصيحة المقدمة في هذا الخصوص ممتازة، وتظهر عمقاً لدى الرجل في هذا المجال خصوصاً وأن هذا المشروع بعيد عن الكويت.ويرى البدر أن الراحل كان تاجرا ناجحاً، وأثبت ذلك في جميع المناقشات الاقتصادية التي شارك فيها، أو التي قادها، علاوة على أنه أحد الخمسة العظماء من أعضاء لجنة وضع الدستور، منوهاً إلى أن الراحل كان مخلصاً ومن خيرة رجال الكويت، كما أنه كان بشوشاً وعمل باجتهاد لمصلحة البلاد.أما رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي المتحد الأسبق، وعضو مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار الأسبق، فهد البحر، فيرى في صديقه ونسيبه يعقوب الحميضي مثالاً للإخلاص لبلده وعمله على الدوام، حيث تطرّق إلى البدايات العملية التي مر بها الرجل، والوظائف والأعمال التي بدأ بها مسيرته، وكيف جمعت جميعها مراحل نجاحات متتالية صقلت قدراته التنفيذية، وانعكست إيجابا على القرارات التي اتخذها في مختلف أعماله.ولفت البحر إلى أن نقاط القوة في شخصية يعقوب الحميضي متعددة، وأبرزها آراؤه التنويرية والتي عكست أن لديه فهماً واسعاً في المجالات الاقتصادية والسياسية المختلفة، وهذا ظهراً جلياً في الأسس التي وضعها مع فرق عمله المختلفة في كل مجال عمل به.يتذكر البحر طباع وشخصيات ومبادئ وقناعات الحميضي، بما في ذلك كيفية تعاطيه مع محيطه وتعامله مع الآخرين، منوهاً إلى أن جميعها ترسم ملامح عامة لرجل أعمال ناجح، ورجل سياسة أثرى النقاشات التأسيسية في مرحلة وضع الدستور وتنقيحه.ولفت البحر إلى أن الحميضي وحتى آخر أيامه كان متواصلاً مع عمله، والقائمين عليه، لأنه باختصار رجل لم يعرف المهادنة في حياته العملية، إلا إذا كان ذلك للصالح العام، موضحاً أنه كان صادقاً وأميناً مع الجميع، وقبلهم مع نفسه.
اقتصاد
رحيل يعقوب يوسف الحميضي ... وانطفأ سراج من «الدستور»
10:33 ص