رغم وجود قانون خاص ينظّم عمل الوكالات التجارية، إلا أن العديد من هذه الوكالات يواجه تحديات فعلية في ظل انتشار العديد من المنصات الإلكترونية وغير الإلكترونية «المجهولة» والمنتشرة كالفطر، والتي تروّج في كثير من الأحيان لبضائع أصلية وأخرى مقلّدة.ويشتكي أصحاب الوكالات الذين قاموا بتسجيل وتثبيت وكالاتهم بالطرق القانونية لدى الجهات المعنية من منافسة غير شريفة من أشخاص وشركات «وهمية» في بعض الأحيان يدخلون المنافسة بطريقة شرعية عبر أبواب خلفية، مستغلين غياب الأجهزة الرقابية تارة، وثغرات القوانين المنظمة للعمل تارة أخرى.وهنا يبقى السؤال الأهم، من يحمي ملاّك تلك الوكالات التجارية؟ خصوصاً في ظل دخول السلع «مجهولة المصدر» إلى السوق متخفية بعباءة ماركات عالمية، لاسيما وأن الأبواب مواربة أمام «المزوّرين» وتحديداً أولئك الذين يملكون مهارة في استخدام التكنولوجيا الحديثة لترويج بضائعهم.وبينما يتكبّد أصحاب الوكالات التجارية مبالغ طائلة مقابل الوكالة نفسها والمساحات التخزينية لبضائعهم، إلى جانب رواتب وأجور الموظفين وغيرها من الأعباء الإضافية، لا يواجه منتحلو الصفة التجارية مثل هذه الضغوط، إذ إن عملهم عبارة عن منصة إلكترونية «مجهولة» ومذيّلة برقم «واتساب» لرقم هاتفي خارج عن الخدمة، وكل ما عليك فعله هو وضع طلب شراء على أن تصلك سلعتك إلى المنزل، مع ما يترتب على هذا الأمر من مخاطر «قرصنة» لجهة آليات الدفع غير الآمنة.يقول الدكتور محمد شوقي، وهو مدير تنفيذي لإحدى الشركات، التي تملك ترخيصاً لاستيراد 16 صنفاً من الأدوية والمكملات الغذائية الأميركية، إنه تفاجأ منذ فترة ليست بقصيرة بمنصة إلكترونية تبيع الأدوية نفسها التي تبيعها شركته.وأضاف شوقي لـ «الراي» أنه تعرّف على المنصة عن طريق إعلان ظهر على رأس صفحة «عنكبوتية» عندما كان يتصفح أحد المواقع، لافتاً إلى أنها تعرض ما يزيد على 200 صنف من الأدوية، وبأسعار أرخص كثيراً من أسعار السوق.وتابع «المنصة الإلكترونية لا تبيع الأدوية والمكملات الغذائية نفسها، التي يعتبر هو وكيلها الحصري في الكويت فحسب، بل تروّج لأصناف أخرى من شركات وعلامات تجارية أخرى، وبعضها غير مصرح باستخدامه في الكويت كونه لا يتواءم مع الأعراف الإسلامية، متسائلاً كيف دخلت هذه الأدوية إلى البلاد بعيداً عن أعين الرقابة؟، لاسيما وأن أي عقار يدخل البلد يخضع لشروط تسجيل قاسية إلى جانب قيامها بتحليل وتسعير الدواء لضمان صحة المستهليكن».وأكد شوقي أنه حاول الاتصال مرات عدة برقم الهاتف الذي يستخدمه أصحاب المنصة الإلكترونية لحجز الطلبات، إلا أنه اكتشف أن الخط خارج الخدمة، ويعمل عن طريق برنامج «الواتساب» فقط، مع وجود خدمة توصيل مأجورة، ما يعني تعذّر معرفة الشخص أو الجهة التي تقدم الخدمة.وأوضح أن الأمر لم يقف عند ذلك، بل تواصل مع مصنع الأدوية الذي يتعامل معه ويزوده بنحو 16 صنفاً من العقاقير والمكملات الغذائية منذ 14 عاماً، لتقصي الحقيقة ومعرفة إذا ما كانون يتعاملون مع وكيل آخر داخل الكويت، إلا أن القائمين عليه أكدوا له عبر رسالة رسمية أنهم لا يتعاملون مع أي وكيل آخر غيره في الكويت.وتساءل شوقي عن هذه الأدوية «مجهولة المصدر»، وقدرة هؤلاء على إنشاء منصة إلكترونية، لا لبيع ألعاب أو سلع عادية بل لتسويق أدوية ومكملات غذائية بعضها يستخدم لمداواة أمراض خطيرة، ناهيك عن أن الأسعار المعروضة أقل من السعر الحقيقي للسلعة بكثير، ما يؤكد أن هذه المواد دخلت البلاد بعيدا عن أعين الجهات المعنية.وكشف أن شركته تكبّدت خسائر بنحو نصف مليون دينار خلال أشهر نتيجة تراجع الإقبال على سلعه المرخصة، مقابل الأسعار المعروضة في هذه المنصات، مؤكداً في الوقت نفسه أنه تقدّم بشكوى إلى الجهات المعنية، ولكن شيئاً لم يحصل بهذا الخصوص.من جهته، يقول رئيس مجلس إدارة الجمعية الكويتية لحماية الملكية الصناعية، محمد المدعج، إن الملكية الفكرية للعلامة التجارية أو الصناعية مصانة من الاعتداء، كملكية السيارة، أو البيت، إذا تمت وفق إجراءات قانونية.وأوضح المدعج أن هذه الملكية لها اعتباران، الأول من ناحية المستهلك، إذ يجب أن يعلم أنه بشرائه للسلع المقلدة أو غير المكفولة يدعم تفشي أعمال الغش والخداع بالمجتمع، وهذا ما لا تقرّه أي ديانة أو أخلاق، خصوصاً وأن قانون الملكية الفكرية لا يعاقب الشخص إذا كانت حيازته للمادة المقلدة بهدف الاستعمال الشخصي، لذلك يجب أن ننشر الوعي بأهمية الحفاظ على المجمتع، وليس مصالح الأفراد.وفي حين اعتبر المدعج أن الاعتبار الثاني يتمثل في الإخلال الرقابي الذي أتاح لضعاف النفوس استغلال هذا الوضع للتربح من خلال غش الناس، إذ إن ضعف هذه الرقابة قد يكون السبب وراء قيام بعض هؤلاء باستيراد منتجات مقلدة من دول رخيصة وتحديداً شرق آسيوية.ولفت المدعج إلى أنه «على المستهلك أن يعمل بمبدأ لا ضرر ولا ضرار، ويدرك أنه يشارك هؤلاء المعتدين على الملكيات الخاصة، ويساعدهم على الغش إذا اشترى منتجاتهم وهو يعلم أنها غير أصلية».وبيّن أن اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية التي دخلت الكويت عضواً فيها، تؤكد حماية هذه الحقوق، مشيراً «نخشى من رفع دعاوى مستقبلاً على الكويت نتيجة تضرر أصحاب العلامات التجارية العالمية من هذه الاعتداءات».ودعا المدعج إلى تعديل القانون بما يحفظ هذه الحقوق، وإيجاد شفافية أكثر من قبل الأجهزه الرقابية الحكومية المتعلقة بالملكية الفكرية، وتفعيل واضح لمسؤولياتها لتحسين صورة الكويت أمام الدول الأعضاء في الاتحاد الدولي لحماية الملكية الصناعية (اتحاد باريس).وبينما أكّد المدعج أن «كثيراً منا لابدّ وأنه قد وقع في فخ هؤلاء طامعاً برخص أسعارهم، فاشترى أي سلعة على أنها (أوريجنال) ليتفاجأ في ما بعد بأنها (مقلدة)، إلا أن أحداً منا لا يمكن أن يتخيل أن هذه السلعة التي ربما دخلت بيته عن غير قصد، هي دواء لمعالجة أمراض خطيرة، فهنا تكمن الطامة الكبرى بفعل المخاطر الكبيرة لهذه النوع من السلع».وذكر أن هذا النوع من الاعتداء هو شروع بجريمة قتل مبرمج ليس لشخص واحد بل لمجتمعات بأسرها، داعياً إلى قمع هؤلاء حفظاً للمجتمع أكثر منه لحفظ مالك العلامة أو الحق الفكري.