أتى رجل إلى الإمام مالك يستفتيه في إحدى حلقات العلم، وبعد السلام، قال الرجل للإمام: قلت لزوجتي، أنتِ طالقٌ، إنْ لَم تكوني أحسنَ مِن القمر. وأراد أن يعرف من الإمام إن كان ذلك يعني أنه طلقها بالفعل أم لا؟ فكر الإمام مالك، وقال للرجل: أنت قد طلقتها بالفعل! فما كان من الرجل إلا أن خرج حزيناً مهموماً من مجلس الإمام بعد أن سمع فتواه.اشتهر عن الإمام مالك، وهو أحد الأئمة الأربعة، قوة حفظه للحديث النبوي بالإضافة إلى القرآن الكريم، وبعلمه الغزير. وعرف عنه الصبر والذكاء والوقار والهيبة، وقد جاء في كتاب سير أعلام النبلاء عن الإمام مالك أنه هو شيخ الإسلام وحجة الأمة وإمام دار الهجرة. ومن أجمل ما قاله: «خير الأمور ما كان منها واضحا بَيِّنًا، وإن كنت في أمرين أنت منهما في شك، فخذ بالذي هو أوثق».كان حينها الإمام الشافعي صغيراً في السن، حريصاً على تلقي العلم، قال عن مالك: «إذا ذُكر العلماء، فمالك النجم، ومالك حجة الله على خلقه بعد التابعين». رأى الشافعي الرجل بعد أن خرج من مجلس الإمام مالك، فسأله عن قصته وسؤاله وفتوى الإمام مالك له، كل ذلك رغبة منه في التعلم والاستفادة من الإمام مالك.سرد له الرجل ما حدث بالتفصيل، فما كان للإمام الشافعي، إلا أن رد قائلاً، لا والله فزوجتك أحلى من القمر. اغتاظ الرجل كثيراً من الإمام الشافعي ومن رده، فسأله: هل تعرفها؟ فكان رده: لا والله، ولكن ألم تسمع قوله تعالى: «لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم»!قرر الرجل والإمام الشافعي العودة إلى الإمام مالك، وأوضح الإمام الشافعي رأيه، فما كان للإمام مالك إلا أن تراجع عن فتواه، وقال: «الحق أحق أن يتبع، أخطأ مالك وأصاب الشافعي». ولعل ذلك يؤكد قول الإمام مالك: «ينبغي للرجل إذا خُوِّل علماً وصار رأساً يشار إليه بالأصابع، أن يضع التراب على رأسه، ويمقت نفسه إذا خلا بها، ولا يفرح بالرياسة، فإنه إذا اضطجع في قبره وتوسد التراب ساءه ذلك كله». فمهما علت مكانة الرجل وعلمه، فقد يكون معرضاً للخطأ، فلا أحد في الدنيا كامل!قصة جميلة لعلها تؤكد أنه ما أحوجنا اليوم إلى أن نفكر كثيرا ونتنازل قليلاً إذا أخطأنا. فالعودة إلى جادة الصواب خير من البقاء على الخطيئة، فكم منا كابر وعاند وحاد عن العودة إلى الطريق الصحيح ليس لسبب، سوى إرضاءً لغروره وكبريائه!boadeeb@yahoo.com