عقدت الندوة الخامسة والعشرون لقضايا الزكاة المعاصرة والتي أقامها بيت الزكاة تحت رعاية رئيس الشؤون الدينية التركية الاستاذ الدكتور علي أرباش جلستها الثالثة لمناقشة أبحاث زكاة المال الضمار أو ما يعرف بـ «المجهول».وفي البداية تطرّق أستاذ قسم الفقه المقارن والسياسة الشرعية بكلية الشريعة بجامعة الكويت الاستاذ الدكتور عادل المطيرات في بحثه إلى أن المال الضمار هو المال الذي يكون عينه قائماً ولا يرجى الانتفاع به كالمغصوب، والمال المجحود إذا لم يكن عليه بينة، موضحاً أن الفقهاء اختلفوا في وجوب الزكاة فيه، والقول الراجح هو عدم وجوب الزكاة في المال الضمار لقوة ما استدل به أصحاب هذا القول، ولأنه يوافق أصلاً مهماً في الشريعة، وهو أصل براءة الذمة، ولأنه يوافق مقصداً من مقاصد الشريعة الإسلامية، وهو رفع الحرج عن المكلف، فإن الإنسان لا يكلف بأن يخرج زكاة مال ليس في ذمته بل في ذمة غيره، ولأنه يوافق وينسجم مع النصوص الشرعية الدالة على التيسير والتخفيف.وذكر أن الجهل بوجوب الزكاة لا يسقط الزكاة، بل تبقى في ذمة المكلف، والمسلم المكلف يأثم بهذا الجهل، ولا يعذر به، لأن وجوب الزكاة من المعلوم من الدين بالضرورة، مشيراً إلى أن مذهب الجمهور أن لا زكاة في المال الموروث إن لم يعرف ولم يقبضه الورثة، بل يستأنف حولاً جديداً عند تسلم المال وملكه ملكاً تاماً وهذا هو القول الراجح في هذه المسألة، لأن المال الموروث المجهول الذي لم يتسلمه صاحبه يعتبر ملكاً ناقصاً لصاحبه، ولا يعتبر ملكاً تاماً، يملك صاحبه التصرف فيه تصرفاً مطلقاً، وعلى هذا فلا تجب الزكاة فيه حتى يتسلمه، ثم يستأنف حولاً كاملاً ويؤدي الزكاة حينئذ إن بلغ المال نصاباً.من جانبه أشار استاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية الاستاذ الدكتور علي محمد الصوا في بحثه إلى أنه يمكن حصر العوامل التي تؤدي إلى الجهل بمقدار ونوع المال الزكوي إلى أربعة عوامل أحدها الجهل بوجوب الزكاة ومضي سنين طويلة على هذه الحال، ثم يعلم بالوجوب بعدها، ويبني على ذلك جهله بانعقاد النصاب وحولان الحول، والعامل الثاني إذا كان المال ضماراً ومرت سنوات دون أن يعلم به أو يصبح تحت يده، والعامل الثالث أن يكون المال موروثاً ومرت سنوات دون أن يعرف كل وارث نصيبه منه، أما العامل الرابع أن يكون المال مشتركاً ويجهل كل شريك نصيبه فيه ولا تزال الشراكة في المال ومرت السنوات على تلك الحال.وأضاف الصوا أنه في حالة جهالة وجوب الزكاة يرى جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة ونفر من الحنفية أن العلم بوجوب الزكاة ليس شرطاً لوجوبها وتلزمه إذا علم بها عن السنوات التي فاتته مراعاة لحق الفقير فيها وقياساً على ولي القاصر إذا لم يخرج زكاة مال القاصر حتى بلغ أو فاق.وبدوره أوضح استاذ الفقه وأصوله في كلية الشرعية بجامعة الكويت الاستاذ الدكتور محمد خالد منصور في البحث الذي قدمه إلى أن المطلوب من الفقيه البحث عن الحل الفقهي الذي يؤدي إلى زوال الجهالة، وبالتالي تحقق الشروط الشرعية للزكاة، فوجوب الزكاة الشرعية، موضحا أن هناك ثلاث قواعد عامة في زكاة المال المجهول، القاعدة الأولى إذا تحققت المعلومية في ركنية الزكاة والشرائط في المال وجبت فيه الزكاة، ولا مانع من وجوب الزكاة حينئذ، أما القاعدة الثانية فهي تجب زكاة المال المجهول الحاضر بإزالة الجهالة بقدر الإمكان، وإعمال الزكاة وفق قاعدة التقدير الأقرب، اعتماداً على قاعدة الخرص في الزكاة فإعمال الخرص سببه الخوف من حصول الجهالة التي تمنع من الزكاة، فالمال الحاضر سبيله رفع الجهالة بقدر الإمكان، وإخراج الزكاة بأقصى درجة ممكنة من التقدير للمال الموجود، وأن هذا التقدير لا بد من التوازن فيه بين مصلحة الفقير ومصلحة المزكي، بما يتحقق مقاصد الزكاة الشرعية، وأخيراً فإن القاعدة الثالثة فهي أن الجهالة في المال الغائب غير المقدور عليه تعتمد على إزالة الجهالة أيضاً، ولكن بعد رجوعه لصاحبه، وحينئذ سيعامل معاملة المال الضمار، ويزكى لعام واحد إذا قبضه.وفي السياق نفسه، قال رئيس قسم الفقه المقارن والسياسة الشرعية بكلية الشرعية بجامعة الكويت الاستاذ الدكتور حمد محمد الهاجري في بحثه إلى أن المال المجهول قد يكون ضماراً فلا يمكن لصاحبه معرفة مكان وجوده أو من الحصول عليه، فلا تجب الزكاة فيه إلا بعد الحصول عليه فيزكيه لسنة واحدة، وقد يكون المال غير ضمار ووجه الجهالة فيه يتمثل في الجهل في ملكه واستقراره أو حقيقة نوعه أو نصابه ومقدار حوله، كاشفاً أن المال المجهول من حيث العموم يمكن تقسيمه إلى أربعة اقسام وهي (جهالة الوجود وجهالة الملك واستقراره وجهالة الحقيقة والنوع وجهالة النصاب والمقدار)، مبينا أن حكم زكاة الموقوف على معين تجب الزكاة فيه وذلك لثبوت الملك في حق الموقوف عليه، وأما زكاة الموقوف على غير معين فالأقرب عدم وجوب الزكاة فيه.