تقرر أخيراً تكريم فراشة السينما المصرية «شادية»!بعد طول انتظار أهدى مهرجان القاهرة السينمائي دورته التاسعة والثلاثين، التي تجرى في الفترة من 21 إلى 30 نوفمبر الجاري، لأيقونة الفن الشامل في الخمسينات «شادية»، لكنه تكريم تأخر ربع قرن!فهل شكلت أزمتها الصحية ناقوس خطر دق مشاعر المسؤولين عن المهرجان، حتى استيقظوا من سباتهم، وتذكروا عطاء فنانة بهذا الحجم ليكرموها، لا أدري لماذا يأتي الحصاد في الخريف!في أي حال، من المهم أن يكون التكريم من مهرجان بحجم «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي»، الذي يعد أول مهرجان سينمائي دولي أقيم في العالم العربي عندما تأسس عام 1976، ويعتبر واحداً بين أحد عشر مهرجاناً على مستوى العالم.تعتبر شادية من أهم فنانات مصر في الخمسينات، لذا لقبها الجمهور والنقاد «دلوعة السينما»، فرغم جمال وخفة هذا اللقب، إلا أن شادية الفنانة الشاملة أثبتت أنها تستحق لقباً أكبر من ذلك بكثير، لأنها لم تحصر نفسها في دور الفتاة الجميلة الدلوعة، أو المطربة ذات الصوت الدافئ الحنون، بل استطاعت أن تلعب جميع الأدوار بإتقان وسلاسة، وتقنع جمهورها أنها في كل مرة تستطيع أن تتلون بشخصية مختلفة تترك من خلالها بصمتها الخاصة، وهذا ما دفع صاحب جائزة نوبل الروائي «نجيب محفوظ»، أن يؤكد هو أيضا أنها ليست الفتاة الدلوعة فقط، بل إن شخصيتها أعمق وأقوى من ذلك بكثير، بعد أن لعبت دور «نور» في فيلم من روايته «اللص والكلاب»، فكانت الفتاة التي تساعد اللص الهارب. وهكذا استطاعت أن تبهر أديبنا الكبير بإمكاناتها، وتغير رأيه في إبداعها وبراعتها في تأدية أدوار مختلفة.في تاريخ شادية الفني الثري الذي امتد من 1947 إلى 1984، بقيت نجمة الشباك الأولى لمدة تزيد على ربع قرن، فأبدعت خلاله أكثر من 100 فيلم سينمائي، دخل العديد منها في قائمة أفضل مئة فيلم مصري، فمنها ما تميز بالرومانسية المطلقة، فكانت أشهر «منى» في السينما المصرية التي تحب البطل «أحمد»، الفنان «صلاح ذو الفقار»، حتى أصبح اسمهما رمزاً للحب والرومانسية في فيلم، «أغلى من حياتي»، كما أبدعت في أفلام لعبت فيها أدواراً اخرى مهمة، فجعلتها ببطولتها من أهم الأفلام المصرية. فلا بد من أن نذكر هنا بعض الأفلام التي لعبت فيها دوراً درامياً وكوميدياً، مثل «نحن لا نزرع الشوك»، «زقاق المدق»، «المرأة المجهولة»، «الزوجة 13» وغيرها الكثير من الأفلام المهمة، بالإضافة إلى عشرة مسلسلات إذاعية، ومسرحية وحيدة فريدة، «ريا وسكينا» التي وضعت شادية على خشبة المسرح بقوة، فوقفت مع عملاقيّ المسرح، عبد المنعم مدبولي وسهير البابلي. لم تمثل شادية أو تلعب دوراً فنياً إلا وأبدعت، ولم تواجه جمهورها إلا وسحرته بلعبتها الإبداعية، فالفن كان يجري في عروقها، ويتجلى في كل عمل نفذته، حتى تراكمت تجلياتها وزادت فاستحقت العرش الذي ارتقت إليه.صحيح أن فراشة السينما قررت أن تترك حدائق الفن وأزهاره وهي في قمة توهجها الفني، غير أنها كرست جزءاً آخر من حياتها لرعاية أزهار الغد، الأطفال الأيتام، فتؤدي رسالة إنسانية من نوع آخر. هذا خيارها، وهكذا اختارت أن تعتزل وهي في قمة تألقها، لتظل صورتها المشرقة البهية هي الباقية في ذاكرة جمهورها، فلا تريد أن تنتظر حتى تضعف همتها وتهجرها الأضواء أو تنحسر عنها رويداً رويداً، فصاحبة الروح المشعة بالجمال والشباب الفاتن والصوت الذهبي، لا تحب أدوار الأمهات والعجائز، ولا تقبل أن تهتز صورتها كفراشة خفيفة رشيقة في مخيلة الناس المفتونين بها. باقة محبة لأيقونة الإبداع والفن الراقي شادية السينما العربية، فعطر إبداعك ما زال ينعش حواسنا، فإن هجرت السينما ذات يوم، بقينا نحن مصرّين على استعادتك ومشاهدة أفلامك بسعادة كبيرة. نتمنى لك الشفاء العاجل، ومتابعة حياة أجمل.«العطر يبقى دائماً في اليد التي تعطي الورد»... الراقص السويسري موريس بيجار.* كاتبة كويتيةAmal.randy@yahoo.com