مع إعلان إقليم كردستان العراق أنه «جمد نتائج الاستفتاء للاستقلال» و«سيبدأ بمفاوضات مع حكومة بغداد للتحاور»، أنْهى الزعيم الكردي مسعود بارزاني فصْل تقسيم العراق الى غير رجعة، وأَذْعن الى تصميم بغداد على استعادة السيطرة على البلاد.وتوازياً مع توجيهه انتقادات حادة غير مسبوقة لقائد «فيلق القدس»، الذراع الخارجية التابعة لـ»الحرس الثوري» الإيراني، اللواء قاسم سليماني على خلفية «تضخيم بطولاته» الميدانية في الإعلام، لم يكتف رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي باسترداد كل الأراضي التي سيطرتْ عليها القوات الكردية مستغلّة احتلال «داعش» لمناطق عراقية في العام 2014، بل نشر القوات العراقية على طول الخطوط والأراضي التي اعتُمدت في مارس 2003 لحدود كردستان وصلاحياتها.وبهذا يكون فشل علناً ورسمياً المشروع الأول لتقسيم الشرق الأوسط (العراق وسورية) وإعادة رسم خريطته وخسِر مسعود بارزاني كل المكتسبات التي كان حصل عليها في الأعوام العشرة الماضية، وأعطتْ كردستان ازدهاراً لا مثيل له.إلا ان بارزاني - الذي كان اعلن ان الدستور العراقي انتهى وتحديداً المادة 140 التي تقضي بالتفاوض حول المناطق المتنازع عليها بين بغداد واربيل وتفاصيل أخرى - يطالب اليوم بإعلانه وقف إطلاق النار بأن يلجأ الى الدستور العراقي. ولكن بغداد - التي تريد تطبيق الدستور - تريد أيضاً مطالبة بارزاني بأكثر من 51 مليار دولار حصل عليها الاقليم من الشركات النفطية العالمية من خلال بيع النفط العراقي (من دون العودة الى بغداد كما ينص عليه الدستور).وعاودتْ إيران فتْح المعبر الحدودي بينها وبين السليمانية والذي كانت أقفلتْه بعد اصرار بارزاني على الانفصال عن العراق. وقد اتخذت السليمانية موقفاً مغايراً لموقف أربيل ووقَف قادتُها مع بغداد.وتأخرتْ تركيا بإغلاق معابرها البرية مع كردستان. الا أن اليوم الذي أقفلت فيه كل المعابر كان اليوم الذي شعر فيه سكان كردستان بالخطر والعزلة وبجدية المواقف الدولية والاقليمية غير الداعمة لتقسيم العراق ولا لبدء «الدولة الكردية» التي كانت ستشكّل الشرارة الاولى لمعارك دامية في أنحاء مختلفة في الشرق الأوسط.وهكذا أغلق الباب الأول لتقسيم الشرق الأوسط، ليبقى ملف سورية مفتوحاً - ولو بخجل - إلى حين انتهاء الحرب على تنظيم «داعش» كلياً واستعادة الأراضي العراقية - السورية التي لا يزال يسيطر عليها.وستبدأ بغداد بمعركة راوة والقائم في الأيام المقبلة لتلتقي القوات العراقية مع تلك السورية على جانبيْ الحدود وينتهي وجود «داعش» كلياً في العراق، وتبقى جيوب داخل سورية من المتوقع إنهاؤها على مراحل متفرّقة بسبب انتشار التنظيم في مواقع مختلفة (ريف دير الزور - الحجر الأسود في دمشق - الحدود السورية - الاسرائيلية).وقالت مصادر مطلعة إن قرار كردستان التراجع عن الاستفتاء لم يكن سهلاً لأن ذلك من شأنه إضعاف بارزاني وحزبه، لا سيما بعد حوادث متفرقة وقعت بين قوات البيشمركة الانفصالية والقوات العراقية وأدت الى سقوط قتلى وجرحى في صفوف المتقاتلين. وقد استعدّت بغداد لردات الفعل تلك فزجّت بقوات كبيرة وخصوصاً الى منطقة مخمور وبالاخص الى معبر فيشخابور الحدودي مع تركيا وفي منطقة ربيعة، حيث يُصدّر النفط العراقي الى الدولة المجاورة.وفي موقف لافت، انتقد العبادي قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» قاسم سليماني، قائلاً: «هناك البعض يقول إن شخصاً أتى... لا أدري الى أين... من كوكب المريخ ليحل أزمة كركوك.. شخص واحد حل الأزمة كلها.. لماذا لم يحلّ أزمة (داعش) كلها. إذا كانت المسألة مسألة خط أو مسألة رجل هو سوبرمان لماذا لم يوقف الحرب في العراق لوحده؟».وهذه المواقف الرسمية العراقية أراد منها رئيس الوزراء أن يظهر للعالم وللعراقيين ولا سيما لدول المنطقة انه رجل المرحلة، ورجل سياسي قوي غير متردّد عندما تدعو الحاجة لذلك، وهو لا يتبع إيران ولا أي دولة أخرى، بل يريد بناء دولة قوية مستقلة تتمع بعلاقات جيدة مع دول الجوار من دون استثناء، ولن تتردد باستخدام القوة الناعمة عندما يلزم الأمر كما فعل مع كردستان.ومن الواضح أن العبادي لا يسعى للانتقام من بارزاني، لكنه لن يتوقف عند إسقاط الاستفتاء بل سيذهب الى المحاسبة الفعلية لكل المتَّهَمين بالفساد وبهدر الأموال العامة، ما يدل على ان استقلال ونهضة العراق ستبدأ مع انطلاق سنة 2018 حيث سيتخلص العراق من «داعش» نهائياً (ما عدا الهجمات الانتحارية والارهابية التي يعاني منها العالم كله من دون استثناء) لتبدأ مرحلة جديدة لدولة مستقلة لديها مصادر مالية كبيرة وسيكون لها دور كبير في الشرق الأوسط.
خارجيات - تقارير خاصة
يعمل لعراق قوي لا تَبَعي يتمتع بعلاقات جيدة مع دول الجوار
العبادي ينتقد تضخيم «بطولات» سليماني... «السوبرمان»
عسكريون عراقيون في قاعدة الحبانية شرق الرمادي (ا ف ب)
07:31 ص