«(سوالف القمرة) روت حكايات المنسيين والمضطهدين... و(ثنائي القطب) تناولت معاناة النازحين على قوارب الموت»!عرضان مختلفان في المكان والزمان، لكنهما يحملان الحزن ذاته والرسالة الإنسانية ذاتها، فالأول حمل عنوان «سوالف القمرة» لفرقة نادي البساط لمسرح الشباب، الذي يمثل المملكة المغربية في مهرجان الكويت لمسرح الشباب العربي، في حين أن العرض الثاني جاء بعنوان «ثنائي القطب» وقدمته فرقة المسرح الشعبي الكويتي، خارج المنافسة الرسمية للمهرجان.تدور «سوالف القمرة» في مؤسسة خيرية، حيث تلتقي نماذج بشرية تعيش على الهامش، بعد انتهاء مدة صلاحيتها والاستغناء عنها وتعرضها إلى الإقصاء والتهميش ونكران المصير من طرف المجتمع، ما يسبب معاناة نفسية للنزلاء. هذه النماذج البشرية تختزل كل واحدة منها قصة معينة، قصة فتاة يتيمة كل وقتها يذهب في تنظيف تلك المؤسسة الخيرية، والمتقاعد العسكري المناضل الذي دافع عن بلاده بروحه ودمه، فيرمى بعد هذا في المؤسسة الخيرية للمسنين ولم يعد له من عمل سوى استعادة معارك الماضي، ومعاق تخلت عنه أسرته بعد فراق والديه.لكن هذا الوضع الاضطراري، سيدفع بهم إلى خلق تآلف تلقائي بعد ذلك، ويبقى قاسمهم المشترك متمثلاً في مناجاتهم للقمر كأيقونة ينير طريقهم المظلمة أو بمعنى أدق ينير البصيرة العمياء، من أجل التعبير عن نظرتهم للحياة وتسليط الضوء على العديد من الظواهر السلبية التي تتخبط فيها المجتمعات، عبر قالب كوميدي ساخر.العمل ألقى الضوء من خلال ثلاث شخصيات، على إهمال الأسرة لذوي الاحتياجات الخاصة، وعدم مكافأة من بذل عمره وحياته في الدفاع عن الوطن، والاعتداء على الخادمة، واللقيط، إنها قضايا إنسانية تحصل في العديد من المجتمعات، وكأنها محبوسة في غرفة مظلمة، لا تجد من يخرجها من هذا الظلام.ما يميز العرض هو العنصر البشري، من أداء لافت، خصوصاً الممثلة مونيا لمكيمل، التي انتقلت من شخصية إلى أخرى ببراعة وحرفية عالية الأداء، وكذلك التلوين الصوتي إضافة إلى إجادة الغناء المباشر، كما لا نغفل أداء الممثلين الآخرين الذي لا يقل تميزاً كذلك في جودة الأداء.يُذكر أن المسرحية من تأليف محمد حتيجي، في حين تولى إخراجها مصطفى السميهري، وهي من تمثيل عادل نعمان، مونيا لمكيمل، رشيد عسري ومصطفى السميهري. تصميم الملابس والماكياج سناء أمال، المؤثرات الصوتية وردة لمكيمل، المؤثرات الضوئية ياسين الطويل، إدارة الخشبة والسينوغرافيا سامي نايت عمرو، تأليف وعزف موسيقي محمد حتيجي.ندوة تطبيقيةأعقبت العرض ندوة تطبيقية، أدارها بدر الحمداني، وعقب فيها الدكتور جبار صبري، بحضور مخرج العرض مصطفى السميهري ومؤلفه محمد حتيجي، وأبرز أبطاله مونية لمكيمل.في مستهل حديثه، أكد الدكتور جبار صبري أن قضية العرض تناقش إهمال الأبناء لآبائهم بعد أن كبروا، من خلال الدار الخيرية التي تركوا وأهملوا فيها عرضة لإدارة متسلطة فاسدة تبتزهم وتؤذيهم وتغتصبهم، من أجل تحقيق مآرب مادية بحتة، وهؤلاء الفاسدون استفادوا من هذه العزلة التي لم تكن لتتحقق لولا إهمال الأبناء.وشدد على أن جميع فنيات العرض متميزة، والمخرج استطاع بقطع صغيرة وبسيطة أن يعيد تشكيل الفضاء بما يتناسب مع كل حدث، مشيداً بالأداء التمثيلي المبهر والتحولات الكثيرة المتقنة للممثلين، في الأدوار والأصوات والغناء والتعبيرات الحركية والإضاءة والموسيقى، لافتاً إلى أن الفنانة الشابة مونيا لمكيمل استطاعت أن تقدم مجموعة كبيرة من الشخصيات المختلفة بتمكن واقتدار.وعن اللهجة قال: «إنها ليست عائقاً، هناك فعل درامي موجود يتجسد عن طريق المشاعر والحركة وهذا في حد ذاته شكل من أشكال الصورة التي من الممكن أن تلامس المعنى الداخلي عند المتلقي فيستطيع أن يجد المعنى المناسب له».بعدها، فتح الباب أمام المداخلات، فتحدث بداية سليم الشيخلي وقال: «كنت أتمنى لو كان العرض باللغة العربية الفصحى»، مثنياً على الأداء والموسيقى والفكرة.أما محمد عبدالرسول، فقال: «العمل يستحق منا الثناء، فقد اعتمد على أحداث مهمة وكانت هناك فرجة من خلال الحركة والتنويع والتنقل بين الحالات»، منوهاً إلى جمال مشهد ولادة الأمل.الفنان والمخرج عبدالعزيز الحداد أثنى على العرض، وقال إن فكرته تتناسب مع ما هو موجود في بلده، ولفت إلى أن الأنثى الوحيدة في العرض شغلت المسرح تمثيلاً وغناءً وحركة وتلوناً. بينما أشاد جمال الصقر بالمعقب الدكتور جبار صبري وبمخرج وفريق العمل، وقال: «إن اللهجة لم تكن عائقاً، فالحالة الإنسانية مفهومة للجميع»، وأكد على أن أجمل ما في النص هو التحولات.بدوره، قال عثمان الشطي: «نفتخر بهذه التجمعات الشبابية»، ورأى أن عرض سوالف القمرة مستفز فنياً، مؤكداً على أن الممثلة مونيا كسرت بآدائها المبهر حاجز اللهجة، و«إن لم تكن هناك لغة مفهومة، فهناك لغة جسد ولغة تمثيل تدرس».وأخيراً شكر مؤلف العرض محمد حتيجي ومخرجه مصطفى السميهري الحضور على هذا الثناء، وأكدا على أن كل الملاحظات ستؤخذ في عين الاعتبار، وبخصوص اللهجة، قال المؤلف: «إن الإعلام مقصر في نشر اللهجة المغاربية والتعريف بها في العالم العربي».خارج المنافسةخارج المنافسة الرسمية، قدمت فرقة المسرح الشعبي، مساء أول من أمس، على مسرح كيفان، مسرحية «ثنائي القطب»، وهي من تأليف وإخراج فيصل الفيلكاوي، سينوغرافيا وإشراف عام الدكتور عنبر وليد، تمثيل على ششتري وموسى بارون، إضاءة نصار النصار ومساعد مخرج غدير حسن.بدأ العرض بدخول شخص يدفع عربة خشبية متهالكة، نكتشف بعد ذلك أنها قارب في عرض البحر ويغني «يا معيريس عين الله ترعاك» في لهجة حزينة تتنافى مع طبيعة العرس والفرح. المركب المتهالك يواجه عواصف ورياحاً تحمل الموت في طياتها، فقد هرب ركّابه من أوطانهم بفعل الحروب والدمار وفقدان بيوتهم فاضطروا لركوب الخطر واللجوء إلى دول أخرى، لكن كان الموت والدمار أيضاً في انتظارهم، إنها معاناة الإنسان المعاصر الذي يبحث عن الأمان فلا يجده.في عرض «ثنائي القطب» تقف ثنائية القتل والميلاد المرض والحياة لتقيم جدلاً حقيقياً حيث يتولد الشيء من نقيضه داخل الحركة الدرامية وتفصح هذه الثنائية عن نوع الشخصيات المأسوية، شخصيات تساهم في صنع الحياة وإن ماتت وتساهم في صنع الموت بالفعل أو الصمت ،كثف المخرج لحظات التوتر والتحول الرئيسة في شخصيتي البطلين فأضاف إليهما أبعاداً ومواقف لإجلاء ملامحهما ليخلق منهما شخصيات درامية، واستطاعت الإضاءة أن تكون عنصراً فاعلاً إضافياً لعناصر العرض، وجاءت السينوغرافيا معبرة عن حالة السواد التى تسكن النفوس التي أصابها العجز والمرض في فضاء مسرحي يعكس هذه الحالة السوداوية وظهر البطلان مرتبطان بقطعة طويلة من القماش الأبيض تم توظيفها جيداً فكانت ستارة تستر ما خلفها وشراعا للمركب وكفنا للميت ولباسا للمولودة ،ورغم بساطة العناصر السينوغرافية إلا أنها جاءت فاعلة وعميقةبالنسبة للأداء التمثيلي، فقد كانت هناك مباراة في الأداء بين علي ششتري وموسى بارون، فقد تعايشا مع الشخصية وقدماها باقتدار.
فنون
المسرح الشعبي قدم «ثنائي القطب» خارج المنافسة الرسمية
«سوالف القمرة» روت حكايات المنسيين والمضطهدين ... في «الكويت لمسرح الشباب العربي»
11:50 ص