«من بين كل الأشياء التي يمكن أن يقدمها أي طبيب إلى مرضاه، ليس هناك شيء يفوق قيامه بتخليصهم أولا من أوجاع الآلام، ثم تأتي الأمور العلاجية الأخرى بعد ذلك في درجات الأهمية»... هذه ترجمة لمقولة انكليزية شائعة منذ عشرات السنين في الأوساط الطبية الغربية، وهي مقولة تبرز بوضوح أن إسكات الآلام – أو على الأقل تخفيف حدته – يمثِّل أولوية «عاجلة» بالنسبة لأي مريض إلى درجة تفوق رغبته في الوصول إلى الشفاء من مرضه المسبب لذلك الألم.وصيدلانياً، فإن المُسكِّن هو أي صنف من أصناف العقاقير التي تستخدم لتخفيف حدة ألم ناتج عن التهاب أو تشنج عضلي أو اختلاج عصبي أو غير ذلك. وتعمل مُسكِّنات الألم من خلال التأثير بطرق مختلفة على وصلات الشبكة العصبية المحيطية والمركزية المنتشرة في أرجاء جسم الإنسان. ومن المهم توضيح أن مُسكِّنات الألم تختلف عن العقاقير المخدرة التي تتسبب في تغييب الوعي والشعور كليًا بشكل موقت.ولأنه من الثابت بحثيا أن لمعظم أنواع مُسكِّنات الآلام أضرارها «الآجلة» المحتملة، فإنه ينبغي توخي الحذر الكامل عند اختيار مُسكِّن للألم، وأن يؤخذ بعين الاعتبار عدد من العوامل، بما في ذلك: درجة وشدة الألم، ومدى استجابة المريض للمسكِّن، واحتمالات إدمان المريض عليه، وتداخلات الأدوية الأخرى معه.لذا، نستعرض بإيجاز في التالي أبرز أنواع مُسكِّنات الآلام، مع تسليط ضوء تثقيفي وتوعوي على الخصائص وآلية العمل والأضرار المحتملة لكل نوع:• الباراسيتامولالباراسيتامول هو من بين أصناف مُسكِّنات الألم الأكثر شيوعا على مستوى العالم. والاسم التجاري الأشهر عالميا الذي يباع تحته الباراسيتامول هو «بنادول» بأصنافه ودرجاته المختلفة.وحتى الآن، ما زالت الآلية الدقيقة التي يعمل من خلالها الباراسيتامول كمُسكِّن غير مؤكدة على وجه الدقة، ولكن من المرجح أنها تعمل عن طريق التأثير بشكل مركزي على الدماغ وليس على النهايات العصبية.وليس للمُسكِّنات المصنوعة من الباراسيتامول أعراض جانبية كثيرة عند تعاطيها باعتدال، لذا فإنها تعتبر مُسكِّنات آمنة إذا أخذت بجرعات محدودة وغير متكررة ووفقا لما هو موصوف في تعليمات الشركات المصنعة للدواء. لكن أي إساءة استخدام للمُسكِّنات الباراسيتامولية يمكن أن تؤدي إلى تأثيرات جانبية شديدة الضرر، بما في ذلك التسمم الكبدي الباراسيتامولي وأحيانًا تلف الكليتين.ومن بين الأعراض الجانبية المحتملة للإفراط في تعاطي الباراسيتامول: اسوداد البراز أو اصطباغه بآثار دم، وزلال البول أو اختلاطه بدم، والحمى مع أو بدون قشعريرة، وآلام أسفل الظهر وجوانبه، وظهور بقع دبوسية حمراء متناثرة على الجلد، وظهور طفوحات جلدية، والحكة، والتهابات الحلق التي لا علاقة له بالمرض المستهدف علاجه، وظهور بقع بيضاء على الشفتين أو في داخل تجويف الفم، والانخفاض المفاجئ في كمية البول، وسهولة النزف، وظهور كدمات على سطح الجلد، واصفرار العينين أو الجلد.ونمطيا، تؤخذ المُسكِّنات الباراسيتامولية في شكل حبوب عن طريق الفم أو كتحاميل شرجية، لكن في العام 2002 تم تطوير مستحضر يؤخذ بالحقن الوريدي، وهو المستحضر الذي ثبتت فعاليته في تخفيف الآلام إلى جانب تقليص الحاجة إلى تعاطي أشباه الأفيونات أثناء العمليات الجراحية. ولكن تكلفة المستحضر الوريدي ما زالت مرتفعة نسبيا، وهو الأمر الذي ما زال يحد من استخدامه.• المُسكِّنات اللاستيرويديةمضادات الالتهاب اللاستيرويدية (NSAIDs) تعمل من خلال آلية تكبح نشاط إنزيم الأكسدة الحلقية (سايكلوأوكسيجينيز)، فتؤدي بذلك إلى تقليل الإنتاج الخلوي لمستقبلات حمض الأراكيدونيك، وهو الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تقليل الالتهاب والشعور بالألم.ولا يعتبر الباراسيتامول عضواً ضمن هذه الفئة من المُسكِّنات التي من بين أبرز أعضائها: الأسبرين، والآيبوبروفين والنابروكسين.وفي حالات التعاطي لفترات طويلة أو بجرعات زائدة، قد تتسبب مضادات الالتهاب اللاستيرويدية في تعريض المرضى إلى الإصابة بالقرح الهضمية، أو الفشل الكلوي، أو بعض أشكال الحساسية، أو سماع طنين في الأذن في بعض الأحيان. كما أنها قد تؤدي إلى إصابة المريض بنزيف بسبب تأثيرها على عمل الصفيحات الدموية.وقد ثبُت من خلال نتائج دراسات وأبحاث مكثفة وجود علاقة ارتباطية بين تعاطي الأطفال ممن دون سن 16 سنة للأسبرين وبين الإصابة بالتهابات فيروسية وبمتلازمة «راي» الخطيرة التي تتسبب في الاعتلال الكبدي الوبيل.• أشباه الأفيوناتتستخدم هذه الفئة من المُسكِّنات عادةً لتسكين الآلام الشديدة والحادّة (كآلام السرطان والمغص الكلوي) وهي لا توصف إلا من جانب طبيب وبجرعات مضبوطة بدقّة، وذلك بسبب قابليتها العالية للإدمان عليها ولتفادي تعاطي جرعات زائدة قد تؤدي إلى الوفاة في بعض الحالات.تشمل أشباه الأفيونات مادة المورفين وأنواع أخرى (مثل: الكودايين، والأوكسيكودون، والهيدروكودون، وثنائي الهيدرومورفين، والبيثيدين)، وجميعها تمارس تأثيرا مماثلا على منظومة مستقبلات المواد الأفيونية الدماغية.وعلى الرغم من أن أشباه الأفيونات تعتبر فعالة جدا كمُسكِّنات للآلام، فإنها لا تخلو من احتمالية التسبب لاحقا في ظهور أعراض جانبية شديدة. فقد يشعر المرضى الذين يتعاطون المورفين بالغثيان والرغبة بالتقيؤ، ما يجعلهم يحتاجون إلى تعاطي مضادات تقيؤ. ومن الممكن ايضا أن يحصل إمساك لدى من يتعاطون أشباه الأفيونات، لذا توصف لهم مع المُسكِّنات عادةً ملينات ومسهلات تحوي مادة اللاكتولوز.ومن المخاطر المحتملة أيضًا أن هذا النوع من المُسكِّنات قد يسبب لدى جسم المريض نوعا من الإدمان عليه، وهو الأمر الذي يقلص فعالية الدواء ويستدعي زيادة الجرعة للحصول على أثر مماثل للسابق. لكن من الممكن الوقاية من الإدمان على أشباه الأفيونات من خلال أن يوصف للمريض نوعان أو أكثر من المُسكِّنات وبجرعات متفاوتة، وذلك حتى لا يحصل إدمان على نوع بعينه.وبشكل عام، فإن أشباه الأفيونات والباراسيتامول تخفف الآلام، لكنها لا تسهم في تقليص الالتهابات المسببة لها.• الفلوبيرتينكمُسكِّن للآلام، يعمل الفلوبيرتين (Flupirtine) من خلال فتح قنوات أيونات البوتاسيوم في الجهاز العصبي المركزي، إلى جانب أن له خصائص أخرى.ويشيع استخدام هذا المُسكِّن في دول أوروبا بشكل خاص لمعالجة الصداع النصفي المتوسط والحاد، كما يوصف لإرخاء العضلات المتشنجة. لكن الفلوبيرتين ليست له خصائص مضادات الكولين، كما لم يتم حتى الآن رصد أي تأثيرات ملموسة له على مستقبلات الهيستامين والدوبامين والسيروتونين.وبشكل عام، لا يسبب الفلوبيرتين الإدمان عليه، ولكن في بعض الحالات قد يحصل نوع من التعود عليه بما يستدعي زيادة جرعته للمحافظة على مستوى فعاليته في تخفيف الشعور بالألم.• موضعية... ولاموضعيةالمُسكِّنات الموضعية توضع على مكان الألم أو الالتهاب مباشرة، وذلك بغرض تفادي حدوث أعراض جانبية عامة. فعلى سبيل المثال، يستخدم الهلام (الجل) الذي يحوي مُسكِّن الآيبوبروفين أو الدايكلوفيناك لمعالجة آلام المفاصل، كما يستخدم مُسكِّن الكابسيسين موضعيًا.كما أنه يتم أحيانا حقن بعض المُسكِّنات الموضعية (مثل اللايدوكين) مع الستيرويد لتخفيف الألم على المدى الطويل. ومُسكِّن اللايدوكين يُستخدم عادةً موضعياً لتلطيف آلام تقرحات الفم وتخدير الفم قبل إجراء عمليات الأسنان البسيطة.• لانمطيّة... معاونةقد تُستخدم بعض العقاقير غير المُسكِّنة كـ «عناصر معاونة» ضمن خلطات دوائية لتخفيف وطأة الألم. فمثلا، يشيع استخدام بعض مضادات الاكتئاب (مثل أميتربتلين ودولوكسيتين) بأن تضاف إلى مضادات الالتهاب اللاستيرويدية وأشباه الأفيونات لمعالجة الآلام الناجمة عن اعتلال أو اختلاج الأعصاب. وبشكل عام، تستخدم هذه الخلطات لتخفيف الآلام التي تسببها أمراض الأعصاب.وتشمل فئة المُسكِّنات اللانمطية المعاونة عقاقير عدة نذكر منها: نيفوبام، أورفانادرين، سايكلوبنزابرين، سكوبولامين، وغيرها من العقاقير المضادة للكولين ومضادات الاختلاج العصبي ومضادات التشنج.• مُسكِّنات تؤثر على العقل!مادة «رباعي الهايدروكانيبول» تحوي خصائص تعمل كمُسكِّنات للألم، ويتم استخلاصها من نبتة القنّب المخدرة التي يصنع منها أيضا بعض أنواع الحشيش والماريجوانا. ولكن استخدام مستخلصات القنب ما زال غير مسموح به قانونيا في معظم دول العالم استنادا إلى أنها تؤثر سلبيا على العقل.وأثبتت دراسات أن استنشاق دخان القنب فعال في تخفيف الآلام الناجمة عن الاعتلالات العصبية كما في مرض التصلب اللويحي المتعدد، لكن ذلك ينبغي أن يكون تحت إشراف طبي صارم ودقيق حتى لا تحدث مضاعفات ضارة. ومن بين المُسكِّنات الأخرى التي تؤثر أيضا على العقل نذكر المواد التالية: كيتامين، وكلوندين، وميكسيلتين.
- طب
مُسكِّنات الآلام... بين راحة عاجلة... وأضرار آجلة
11:22 ص