بعد خرْق تنظيم «القاعدة في بلاد الشام» (تحت مسمّى النصرة او جبهة تحرير الشام) لاتفاق أستانة الذي قضى بتحييد مدينة ادلب الشمالية وإدخالها في خانة «عدم الاشتباك»، اتفق الجانبان التركي والروسي - بمباركة دمشق - على السماح لقوات أنقرة بدخول عرين «القاعدة» في ادلب. وقد تحرّكت القوات التركية الى داخل المنطقة التي تسيطر عليها «القاعدة» في أعقاب تَفاهُم بين الطرفين على تفادي الاشتباك المباشر قدر الإمكان لأسباب عدة:- تنظيم «القاعدة» مجهّز بأفضل المعدات الحربية التي استوردها عن طريق تركيا خلال أعوام الحرب السورية والتي وصلت إليه من الداعمين. وكذلك صادر «القاعدة» أسلحة أميركية متطورة غنمها من «الجيش الحر» وفروعه التي درّبتها وسلحتها المخابرات المركزية الاميركية و«البنتاغون».- أثبت «القاعدة» أنه تنظيم مسلح تسليحاً جيداً ويعمل وفق خطط مرسومة، على الرغم من خسائره المتتالية التي مني بها في الحروب وأهمها معركة حلب والمعارك الأخيرة التي قام بها بعد اتفاق أستانة. وباعتراف القيادة السورية وحلفائها على أرض المعركة، يتكلم الجميع عن «القاعدة» باحترام وتقدير لشجاعة قواته وبأسها في أرض المعركة.- لقد طوّر «القاعدة» عربات مصفحة تعمل عن بُعد واستخدمها في العمليات الانتحارية (مع ومن دون سائق)، وأثبتت فعاليتها في الاقتحامات. وكذلك قدم «القاعدة» انتحاريين وانغماسيين بعيداً عن العشوائية التي يتبعها تنظيم «داعش»، وهذا يؤكد أن «القاعدة» خصم أشرس وأقوى بكثير من «داعش».- أوقف «داعش» الجيش التركي على أبواب مدينة الباب لأشهر ومنَع قوات أنقرة من التقدم أثناء معارك العام الماضي. ولم تستطع تركيا احتلال جزء من الشمال السوري إلا بعد تفاهمات لتأمين انسحاب «داعش» من دون قتال. وقد ظهر ضعف القوات الموالية لتركيا في المعارك وعدم جدواها لاحتلال أي مدينة مهمّة تتواجد فيها قوات عقائدية. وذبح «داعش» جنوداً أتراك على الملأ وأَظْهَرَ مصادرته وغنمه لدبابات تركية، ما أحرج أنقرة التي رفضت الاعتراف بخسارتها علناً ورفضت حتى الاعتراف بقتْل جنودها الأتراك الذين أظهرهم «داعش» على مواقع التواصل الاجتماعي.كل ما ذُكر أعلاه يدلّ على أن أنقرة - على الرغم من الدعم الجوي الروسي - لن تتجرأ على الدخول في حرب مواجهة شاملة مع «القاعدة» بل تحتاج لتفاهم معه لتأمين خروجه (إذا أراد الخروج) أو السماح له بالبقاء تحت غطاء التنظيمات المحلية.إن فعالية الطيران الروسي منذ سبتمبر 2015 في أرض المعركة السورية كانت عالية جداً بسبب وجود قوات على الأرض تتناغم معه وتستطيع استثمار القصف الجوي ولا تبالي بالخسائر البشرية بل تريد استعادة أرضها، وهذا لا ينطبق على القوات التركية التي من المفترض أن تعمل مع الطيران الروسي إذا رفض «القاعدة» السماح لها بالسيطرة على إدلب التي أعلنها مدينة تحت سيطرته وطرد منها «أحرار الشام» الموالية لتركيا قبل بضعة أشهر.إذاً الوضع في سورية يتجه نحو إنهاء الحرب وإنهاء احتلال التنظيمات الجهادية للمدن السورية (مثل «داعش» و«القاعدة») ليتم الجلوس على طاولة المفاوضات وبدء العملية السياسية المعقّدة التي تتداخل فيها مصالح أميركا وتركيا (كل منهما يحتل جزءاً من الأراضي السورية) وروسيا (التي تريد فرض السلام والمفاوضات والتي تحتفظ بعلاقات جيدة مع النظام السوري وحتى مع أكثر الاطراف المتنازعين ودعمهم) ودمشق (التي تريد استعادة الأرض - كل الأرض) وإيران (التي تعتبر نفسها رابحة مع حلفائها ولا تمانع باستمرار المعارك مع أو من دون روسيا الى حين إنهاء الوجود الاميركي في المنطقة)، وأخيراً مصالح الدول الداعمة للمسلحين المعارضين للنظام السوري والتي تحاول روسيا أخْذ مطالبها أو تأمين مقعد لها على طاولة المفاوضات.إلا أن أميركا لا تزال تحاول خلط الأوراق عن طريق استخدام الأكراد (في العراق وسورية) لسلْخ جزء من سورية عن دمشق ومنْع وصول الجيش السوري وحلفائه إلى معبر القائم حيث يقبع آخر معاقل «داعش» على جانبيْ الحدود السورية - العراقية، كما انها تحتفظ بمعبر التنف الحدودي الذي فرضتْ حوله خطوطاً حمر (على مساحة دائرية توازي 60 كيلومتراً). ويعي «داعش» هذه المعادلة ويستخدمها لمصلحته، وقد زجّ هذا الشهر بقوات دخلت من خلال المنطقة الاميركية وفاجأت سورية وحلفاءها بتقدُّم كلف مجهوداً حربياً ضخماً لاستعادة أكثر الأراضي التي احتلّها «داعش». وهذا ما أغضب روسيا التي أصبحت واعية اليوم ان أميركا لن تتوقف عن الضرب «تحت الحزام» وإعادة خربطة الاوراق لإطالة أمد الحرب السورية.وهذا ما دفع بغداد ودمشق للاتفاق على توحيد الدعم العسكري بإرسال قواتهما الى الحدود (القائم) وضرب وإنهاء احتلال «داعش» نهائياً.... لم يُكتب الفصل الأخير في سورية بعد ولكن بداية الكتابة ستبدأ السنة المقبلة (2018) عندما تُكشف كل الاوراق ويبدأ التفاوض بين الدول ويُظْهِر كل طرف حقيقة نياته وأهدافه.
خارجيات - تقارير خاصة
نظام دمشق وحلفاؤه يعتبرون «القاعدة» خصماً أشرس وأقوى بكثير من «داعش»
تركيا في إدلب تحت غطاء روسي وقوات سورية والعراق تتلاقيان... على الحدود
عائلات سورية تعبر الحدود إلى الجانب التركي مع تزايد المخاوف من عملية عسكرية واسعة في إدلب (ا ف ب)
07:33 ص