| كتبت كارولين أسمر |
عندما يكون الزوج رئيساً للمنتدى الاقتصادي العالمي (منتدى دافوس)، الذي غالباً ما يوصف في الاعلام بأنه «منتدى الأغنياء»، ماذا عسى زوجته أن تكون؟
هيلدا كلاوس شواب، لا تلحظ في شخصيتها «تعالي» سيدات مجتمع النخبة، ولا يبدو من حديثها أنها «السيدة الأولى» في «منتدى الأغنياء»، بل هي نموذج مختلف قليلاً لما هو سائد في الأذهان عن الناشطات الاجتماعيات. لعلها تريد أن تكون رئيساً لـ«منتدى الفقراء».
لكن «فعل الخير» هنا يأخذ طابعاً جديداً مختلفاً تماماً عن الفكرة التقليدية للاحسان. فبدلاً من توزيع الاعانات الغذائية على من يعانون سوء التغذية، ثمة نموذج آخر بلغ ذروة الشهرة مع فوز البنغلاديشي محمد يونس بجائزة نوبل للسلام. وهو النموذج الذي يمكن تلخيصه ليس كما يقول المثل «اعط الفقير صنارة بدلاً من منحه سمكاً كل يوم»، وانما بصيغة جديدة للمثل: «اقرض الفقير ثمن الصنارة»، لأنه حين يسدد ثمنها سيتاح اقراض المبلغ لفقير آخر.
شخصية هيلدا مفعمة بالحبور، وعيناها الزرقاوان تشعان براءة وخجلاً وفرحاً دائماً. لعلها تريد القول ان العمل الاجتماعي ومساعدة الفقراء لا يقتضي بالضرورة ادعاء مظهرياً من خلال الكآبة في الوجه، والاصرار على اتخاذ الصور في بؤر الفقر والجوع في مجاهل افريقيا، للاستفادة منها في منتديات النخبة.
وربما تقصدت السيدة شواب أن ترتدي زياً أبيض خلال زيارتها الى الكويت، ليعكس التفاؤل الذي يغمر هذه السيدة التي تتعامل مع مشاكل العالم «الكلية»، ولا تزال الى اليوم تتفاجأ وتصدم بنوعية المآسي والمشاكل التي تلف الكرة الارضية.
«الراي» التقت شواب في مقر بنك الكويت الوطني حيث حلت ضيفة برفقة زوجها كلاوس شواب، وجرى لقاء مقتضب تحدثت فيه عن طبيعة عمل مؤسسة النشاط الاجتماعي التي أسستها بالتعاون مع زوجها منذ 10 سنوات، التي تهدف لتحسين المستوى الاجتماعي للافراد الذين يعيشون في المدن والقرى الريفية والقاء الضوء على المشاكل المنسية التي يعاني منها المجتمع في كل دولة، وهي غالباً ما تكون مشتركة.
واعتبرت شواب أنه سيكون أمراً رائعاً لو توصلت الى اشراك دولة أو اثنتين من المنطقة في منظومة «العمل الاجتماعي»، مشيرة الى أن المنظمة تضم 150 شخصاً، اثنان منهم فقط من العالم العربي في حين أن الباقين يتوزعون في آسيا، أميركا اللاتينية. والمفارقة الاكبر والاغرب بحسب شواب أن العدد الاكبر من المتطوعين يخرج عن الدول النامية حيث مشاكل نقص الغذاء والمياه، والامراض والاوبئة والجهل مقابل صعوبة ايجاد أشخاص للعمل في الشراكة الاجتماعية من القارة الاوروبية وأميركا الشمالية. وعن تأثير الازمة المالية العالمية على أعمال ونشاطات وتمويلات هذا النوع المنظمات، اكدت شواب أن الازمة ستؤثر وتخفف من نسبة الممولين والعاملين في المنظمة وفي العمل الخيري ككل.
وفي ما يلي نص المقابلة:
• ما طبيعة عمل مؤسسة شواب؟
- «مؤسسة شواب للتنظيم الاجتماعي»، أنشأت عام 1998 من قبل مؤسس منتدى الاقتصادي العالمي كلاوس شواب ومن قبلي، الا أنها تعمل بطريقة منفصلة وبتمويل منفصل عن مجلس المنتدى الاقتصادي العالمي وقد بدأت نشاطها عام 2001، ولكنها تتعاون بالطبع مع المنتدى الاقتصادي العالمي في بعض المسائل.
• ما تعريف المنظم الاجتماعي أو الـ«social entrepreneur»؟
- المنظمون الاجتماعيون عادة هم الاشخاص الذين يعملون على المستويات الشعبوية الارضية، ويملكون أفكاراً خاصة ومبتكرة لتحسين المستوى المعيشي للأفراد الذين يقطنون في المدن والقرى الريفية. وقد يكون ذلك في قطاعات التعليم، العناية الطبية، التطور التكنولوجي... وقد وضعنا استراتيجية للبحث عن المنظمين الاجتماعيين في العديد من الدول. وخرجنا بهذه الفكرة منذ أكثر من 15 عاماً عندما قابلنا رجل الاعمال وأستاذ الاقتصاد السابق في جامعة «شيتاجونج» ومؤسس بنك جرامين محمد يونس في بنغلاديش. يومها قلت لزوجي (كلاوس شواب) أنه لا بد أن يكون هناك العديد من أمثال محمد يونس في العالم يقومون بأعمال رائعة ولا أحد يعلم عنهم شيئاً. لأنه في ذلك الوقت لم يكن معروفاً كثيراً خارج محيط القارة الآسيوية والهند.فقمنا بانشاء «مؤسسة شواب» وقررنا أن نبحث عن عدد أكبر من الاشخاص يعملون بطريقة محمد يونس.
• ما هدف زيارتكم الى الكويت والمنطقة الخليجية؟
- لقد قام المنتدى الاقتصادي العالمي بتنظيم أول قمة ولقاء له في دبي، من ضمن سلسلة اللقاءات التي يعقدها عبر العالم سنوياً، من 7 الى 9 الجاري. وهذا اللقاء يجمع كل الخبراء، والادمغة المفكرة عبر العالم للتحدث والعمل لايجاد حلول معينة للمشاكل التي تواجه الكرة الارضية اليوم. وقد كان هذا السبب الرئيسي وراء زيارتنا الى دبي والمنطقة الخليجية. ولكن بالطبع، فان منطقة الخليج مهمة وحيوية جداً بالنسبة لنا، ولدى كلاوس العديد من العلاقات والصداقات في هذه المنطقة. كما أعتقد أنه سيكون أمراً رائعاً لو استطعنا أن ندخل المنطقة بأكملها أو بلدين أو ثلاثة على الاقل في شبكة المنظمين الاجتماعيين التي نملكها.
• كيف يمكن ان تستفيد «مؤسسة شواب» من الثروة المالية الموجودة في دول الخليج؟
- المنظمة الاجتماعية أو نشاط «المنظم الاجتماعي» ليس عملاً خيرياً أو احساناً. بل هو شريك أو منظم يملك أفكاراً محددة وينشئ منظمة معينة لاسباب اجتماعية. وأحد الامثلة على ذلك، احدى السيدات التي قامت بتأسيس مدرسة للأطفال المعاقين، وبعد أن ضاقت أحوالها وفرض نقص التمويل على تلك المدرسة أن ترفض العديد من طلبات الاطفال وهددت بخطر الاقفال. وأمام هذا الواقع، تواردت الى ذهنها فكرة بناء مدرسة على قطعة من الارض. بالاضافة الى عيادة طبية، مركز صحي ومركز تشخيص، خصصت كل عائدات الارباح التي تجنيها من هذه المراكز لتمويل المدرسة الخاصة بالاطفال المعاقين. فالمهمة في الاساس هي ابتكار فكرة جديدة ومن ثم البحث عن التمويلات اللازمة لتنفيذها.
وتقوم مؤسستنا بالبحث وانتقاء أشخاص معينين في ما يقارب 22 دولة، بصفة منظمين اجتماعيين، وقد وضعنا منظومة محددة لاختيار الاشخاص، وفق نظام ترشيحات وضمن معايير محددة. ويمكن للراغبين بالعمل كمنظمين اجتماعيين أن يترشحوا للدخول في شبكة «مؤسسة شواب».
ومن ثم ننتقل الى مرحلة الاختيار، وخلال هذه المرحلة نعمل مع وسائل الاعلام المحلية، المؤسسات غير الحكومية، جمعيات الاعمال، للاعلان عن هذه المسابقة في كل دولة بالاضافة الى اعلاننا عبر الموقع الالكتروني لنفسح المجال أمام الناس لتقديم ترشيحاتهم، وبعدها نقوم باختيار الاشخاص المناسبين، وبمعاينة المؤسسات التابعة لهم للتأكد من أنها تستوفي الشروط المناسبة، من خلق أفكار مبتكرة، التمتع بوضعية مالية قوية والقدرة على التأثير المباشر في المجتمع، ليحصل المرشح على الجائزة التي تسلم اليه خلال حفل عام يقام في البلد الذي تمنح فيه.
ومن ثم يدخل الفائز في شبكة «مؤسسة شواب» كواحد من المنظمين الاجتماعيين عبر العالم. ويحق له بعدها حضور الاجتماعات الاقليمية العديدة التي تعقد دورياً، أو حضور الاجتماع المقبل في منطقة الشرق الاوسط الذي سيعقد في الاردن العام المقبل. أو حضور المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في حال كان نشاط المؤسسة التابعة له على مستويات عالمية. وهناك يمكن لهذا المنظم الاجتماعي أن يفتح شبكة علاقات عامة والتعرف على العديد من الناس لمساعدته على الدخول في هذه المنظومة. أو حتى الحصول على التمويلات اللازمة لمشاريع اضافية.
•هل لديكم أي مشاركات عربية في «مؤسسة شواب»؟
-لدينا 150 شخصا اليوم، أعضاء في الشبكة التابعة لمؤسسة شواب، أما من منطقة الشرق الاوسط، وتشارك معنا سيدة أردنية تدعى ثريا سالي صاحبة مؤسسة «انجاز» في الكويت، لبنان، عمان، الامارات العربية والاراضي الفلسطينية. وهي مؤسسة تعليمية وتدريبية تعمل على ترشيد الطلاب لاختيار المهنة التي تناسبهم في المستقبل. لأن معظم طلاب المدارس يواجهون المشاكل في اختيار المهنة الانسب لهم. كما يشاركنا مزارع مصري يقوم بزرع وانتاج المأكولات العضوية، وقد قام بزرع أرض في المنطقة الصحراوية تنتج مأكولات عضوية.
• ما نوعية المشاكل الاجتماعية التي تتعاملون معها في «مؤسسة شواب» في العالم أو تحديداً في منطقة الشرق الاوسط؟
- انها المرة الاولى التي أزور فيها هذه المنطقة، لذلك من الصعب جداً أن أحدد المشاكل التي نعاني منها. أما في الخارج، فأنا أنظر الى المشاكل العديدة بعيون المنظمين الاجتماعيين المنتشرين عبر العالم. واحدى هذه المشاكل هي ما رأيته أخيراً في المكسيك، حيث عمل أحد أعضاء المؤسسة في مدينة مكسيكو، الذي أنشأ مؤسسة لتمويل القروض الصغيرة، وهي مدرجة في البورصة المكسيكية اليوم بعد ان طرحت للاكتتاب العام، وقد أنشأت العديد من المؤسسات الصغيرة الاخرى بواسطة الارباح والعوائد التي حققها من البورصة، لمساعدة الفقراء في القرى المكسيكية النائية. حيث معظم الاطفال يعانون من سوء التغذية، وهم يجهلون ما الذي يجب أن يأكلوه لينموا بطريقة صحيحة. وقد قام بتطوير برنامج معين بالتعاون مع مؤسسات الاعمال وأخرى طبية، لمساعدة الاطفال ما دون الخامسة من العمر وتأمين الاغذية والفيتامينات اللازمة للقرى مرتين كل أسبوعين. وهي مسألة مهمة جداً، لأنها ليست مسألة عدم توفر الغذاء الضروري بل الجهل في الحصول على الكمية اللازمة من الغذاء. وهو أمر يؤثر على نشاط الاطفال في تلك القرى، فهم صامتون وعديمو الحركة في أكثر الاوقات. وهي احدى المشاكل الكثيرة التي صدمتني فعلاً عندما صادفتها للوهلة الاولى.
• هل ترون أن الازمة المالية والاقتصادية الحاصلة سوف تقلل نسبة المتطوعين للعمل كمنظمين اجتماعيين؟
- أنا أخشى ذلك بقوة للآسف، وأعتقد ان الفترة المقبلة ستقلل نسبة المستثمرين والاستثمارات المخصصة للنشاطات الاجتماعية. وحتى أن التبرعات والاعمال الخيرية ستخف تدريجياً من الآن فصاعداً، لأن الاموال والسيولة تتناقص، كما أن هناك مئات الآلاف من المؤسسات غير الحكومية، لن تقدر على الصمود نظراً لاعتمادها الكبير على أموال التبرعات. وعلى العديد من هذه المؤسسات أن تلجأ للاندماج مع مؤسسات أخرى أو الاقفال.
• ما الخطوات التي قد تتخذ لتفادي حصول أمر كهذا؟
- أعتقد أن وسائل الاعلام يمكن أن تلعب دوراً مهماً في هذه النقطة. ومع أنني لست خبيرة في الامور المالية. ولكن برأيي يجب أن نعمم عبر وسائل عدة مهام ووظيفة «المنظمين الاجتماعيين» في العالم، لأنني أؤمن أن هذه الازمة لن تقف عند حدود «وول ستريت» أو في الاوساط المالية فقط، لأنها ضربت الاقتصاد العالمي ككل الى الآن، وأول وأكثر الذين سيعانون من ضربات هذه الازمة، هم الفقراء المحتاجون. اذ ستقل أمامهم الاموال والفرص لتطوير أنفسهم.
• ببساطة، هل ما تقومون به يعد أمراً سهلاً أو صعباً؟
- ليست مسألة صعبة، بل هي متعة كبيرة. فأنا احب ما أقوم به. العملية ليست صعبة أو معقدة، كل ما علينا القيام به هو جمع المرشحين الذين يتفاوت عددهم من دولة الى أخرى. فقد تجد المئات من المنظمين الاجتماعيين في دولة نامية مثل الهند، وأميركا اللاتينية حيث الحاجة كبيرة للمساعدات الاجتماعية وعلى سبيل المثال ففي البرازيل وحدها قدم نحو 400 شخصاً ترشيحاتهم وفقاً للمعايير الصارمة التي فرضت عليهم، وهو عدد كبير جداً. ولكن بالمقابل قد نجد صعوبة في ايجاد هؤلاء الاشخاص في الدول المتطورة كفرنسا، المانيا وسويسرا حيث لا يتعدى معدل نسبة المرشحين الـ20 فرداً على الاكثر. وهم يعملون جميعاً في مجال رعاية الاطفال، والبطالة وهو نوع من أنواع المشاكل التي تعاني منها هذه الدول. في حين أن مشاكل الدول النامية تتجلى في نقص المياه، محو الامية، مدارس خاصة بالفتيات، الامراض المستعصية والمعدية وطرق مكافحتها،
• هل انت متشائمة أو متفائلة؟
- أنا دائماً متفائلة. وربما كنت اليوم من أكبر المتشائمين لو لم التق كل الاشخاص الذين أعمل معهم، ولم أكتشف الحلول التي يمكن ان تنفذ للعمل على التخلص من هذه المشاكل. هناك العديد من المشاكل التي يجب علينا ان نحلها اليوم. كما قام المنتدى الاقتصادي العالمي بتقديم تحليلات ودراسات حول المشاكل والمخاطر التي تواجه العالم اليوم. وهو تقرير سنوي يسمى «تقرير المخاطر العالمية» يشمل 100 خطر أهمها الغازات المنبعثة من دخان السيارات في المدن، ارتفاع أسعار الغذاء، ادارة المياه، الارهاب، مرض السيدا... وكل هذه المشاكل قد تحبط من عزيمة من يعمل في هذا المجال. ولكن في المقابل هناك من يسعى لحل هذه المشاكل. وحتى لو بدأ من نقطة صغيرة محددة، يمكن العمل على تطويرها ونشرها لتصبح اكثر فعالية.
• هل تخططون لعقد قمة أخرى في المنطقة الخليجية؟
- نحن نخطط لعقد القمة ذاتها التي عقدت هذا العام في دبي في نوفمبر بعد 5 سنوات، واعادة دورة المفكرة العالمية ذاتها التي عقدت هذا العام.
• كيف تستفيد «مؤسسة شواب» من المنتدى الاقتصادي العالمي؟
- على سبيل المثال، في القمة التي عقدت في دبي الاسبوع الماضي، كان لدينا 68 مستشاراً في جميع المجالات والقطاعات. ومن عدة دول وقارات من اليابان، أفريقيا للتحدث عن المشاكل التي يعاني منها اليوم. والقمة عبارة عن اجتماع لمجموعة من المتخصصين الذين يجتمعون معاً لمناقشة العديد من المشاكل ومحاولة تبادل الخبرات فيما بينهم للتوصل الى حلول ناجحة ومؤثرة. وأحد هذه المنتديات كان خاصاً بالمنظمين الاجتماعيين. كما تستفيد «مؤسسة شواب» بطريقة أخرى اذ يدعى المنظمون الاجتماعيون المختارون داخل شبكتها من أميركا اللاتينية، أفريقيا، الهند ومنطقة الشرق الاوسط، الولايات المتحدة للمشاركة في هذه الاجتماعات، والتحدث وملاقاة الاشخاص الذين قد يساهمون في حل ودفع قضاياهم الى الامام.
• ما المسألة المقبلة التي ستكون محور نقاش المنتدى الاقتصادي العالمي المقبل في دافوس؟
- المنتدى السنوي المقبل في دافوس سيناقش الازمة المالية العالمية بالطبع، ولكنه سيحرص بالمقابل على عدم نسيان المشاكل الكبرى الاخرى كالتغير المناخي ونقص الموارد المائية.كما سيتطرق الموضوع الى كيفية مواجهة العالم لمرحلة «ما بعد الازمة» لكي نتطلع لمعرفة الامور التي قد تطرأ في المرحلة المقبلة.
عندما يكون الزوج رئيساً للمنتدى الاقتصادي العالمي (منتدى دافوس)، الذي غالباً ما يوصف في الاعلام بأنه «منتدى الأغنياء»، ماذا عسى زوجته أن تكون؟
هيلدا كلاوس شواب، لا تلحظ في شخصيتها «تعالي» سيدات مجتمع النخبة، ولا يبدو من حديثها أنها «السيدة الأولى» في «منتدى الأغنياء»، بل هي نموذج مختلف قليلاً لما هو سائد في الأذهان عن الناشطات الاجتماعيات. لعلها تريد أن تكون رئيساً لـ«منتدى الفقراء».
لكن «فعل الخير» هنا يأخذ طابعاً جديداً مختلفاً تماماً عن الفكرة التقليدية للاحسان. فبدلاً من توزيع الاعانات الغذائية على من يعانون سوء التغذية، ثمة نموذج آخر بلغ ذروة الشهرة مع فوز البنغلاديشي محمد يونس بجائزة نوبل للسلام. وهو النموذج الذي يمكن تلخيصه ليس كما يقول المثل «اعط الفقير صنارة بدلاً من منحه سمكاً كل يوم»، وانما بصيغة جديدة للمثل: «اقرض الفقير ثمن الصنارة»، لأنه حين يسدد ثمنها سيتاح اقراض المبلغ لفقير آخر.
شخصية هيلدا مفعمة بالحبور، وعيناها الزرقاوان تشعان براءة وخجلاً وفرحاً دائماً. لعلها تريد القول ان العمل الاجتماعي ومساعدة الفقراء لا يقتضي بالضرورة ادعاء مظهرياً من خلال الكآبة في الوجه، والاصرار على اتخاذ الصور في بؤر الفقر والجوع في مجاهل افريقيا، للاستفادة منها في منتديات النخبة.
وربما تقصدت السيدة شواب أن ترتدي زياً أبيض خلال زيارتها الى الكويت، ليعكس التفاؤل الذي يغمر هذه السيدة التي تتعامل مع مشاكل العالم «الكلية»، ولا تزال الى اليوم تتفاجأ وتصدم بنوعية المآسي والمشاكل التي تلف الكرة الارضية.
«الراي» التقت شواب في مقر بنك الكويت الوطني حيث حلت ضيفة برفقة زوجها كلاوس شواب، وجرى لقاء مقتضب تحدثت فيه عن طبيعة عمل مؤسسة النشاط الاجتماعي التي أسستها بالتعاون مع زوجها منذ 10 سنوات، التي تهدف لتحسين المستوى الاجتماعي للافراد الذين يعيشون في المدن والقرى الريفية والقاء الضوء على المشاكل المنسية التي يعاني منها المجتمع في كل دولة، وهي غالباً ما تكون مشتركة.
واعتبرت شواب أنه سيكون أمراً رائعاً لو توصلت الى اشراك دولة أو اثنتين من المنطقة في منظومة «العمل الاجتماعي»، مشيرة الى أن المنظمة تضم 150 شخصاً، اثنان منهم فقط من العالم العربي في حين أن الباقين يتوزعون في آسيا، أميركا اللاتينية. والمفارقة الاكبر والاغرب بحسب شواب أن العدد الاكبر من المتطوعين يخرج عن الدول النامية حيث مشاكل نقص الغذاء والمياه، والامراض والاوبئة والجهل مقابل صعوبة ايجاد أشخاص للعمل في الشراكة الاجتماعية من القارة الاوروبية وأميركا الشمالية. وعن تأثير الازمة المالية العالمية على أعمال ونشاطات وتمويلات هذا النوع المنظمات، اكدت شواب أن الازمة ستؤثر وتخفف من نسبة الممولين والعاملين في المنظمة وفي العمل الخيري ككل.
وفي ما يلي نص المقابلة:
• ما طبيعة عمل مؤسسة شواب؟
- «مؤسسة شواب للتنظيم الاجتماعي»، أنشأت عام 1998 من قبل مؤسس منتدى الاقتصادي العالمي كلاوس شواب ومن قبلي، الا أنها تعمل بطريقة منفصلة وبتمويل منفصل عن مجلس المنتدى الاقتصادي العالمي وقد بدأت نشاطها عام 2001، ولكنها تتعاون بالطبع مع المنتدى الاقتصادي العالمي في بعض المسائل.
• ما تعريف المنظم الاجتماعي أو الـ«social entrepreneur»؟
- المنظمون الاجتماعيون عادة هم الاشخاص الذين يعملون على المستويات الشعبوية الارضية، ويملكون أفكاراً خاصة ومبتكرة لتحسين المستوى المعيشي للأفراد الذين يقطنون في المدن والقرى الريفية. وقد يكون ذلك في قطاعات التعليم، العناية الطبية، التطور التكنولوجي... وقد وضعنا استراتيجية للبحث عن المنظمين الاجتماعيين في العديد من الدول. وخرجنا بهذه الفكرة منذ أكثر من 15 عاماً عندما قابلنا رجل الاعمال وأستاذ الاقتصاد السابق في جامعة «شيتاجونج» ومؤسس بنك جرامين محمد يونس في بنغلاديش. يومها قلت لزوجي (كلاوس شواب) أنه لا بد أن يكون هناك العديد من أمثال محمد يونس في العالم يقومون بأعمال رائعة ولا أحد يعلم عنهم شيئاً. لأنه في ذلك الوقت لم يكن معروفاً كثيراً خارج محيط القارة الآسيوية والهند.فقمنا بانشاء «مؤسسة شواب» وقررنا أن نبحث عن عدد أكبر من الاشخاص يعملون بطريقة محمد يونس.
• ما هدف زيارتكم الى الكويت والمنطقة الخليجية؟
- لقد قام المنتدى الاقتصادي العالمي بتنظيم أول قمة ولقاء له في دبي، من ضمن سلسلة اللقاءات التي يعقدها عبر العالم سنوياً، من 7 الى 9 الجاري. وهذا اللقاء يجمع كل الخبراء، والادمغة المفكرة عبر العالم للتحدث والعمل لايجاد حلول معينة للمشاكل التي تواجه الكرة الارضية اليوم. وقد كان هذا السبب الرئيسي وراء زيارتنا الى دبي والمنطقة الخليجية. ولكن بالطبع، فان منطقة الخليج مهمة وحيوية جداً بالنسبة لنا، ولدى كلاوس العديد من العلاقات والصداقات في هذه المنطقة. كما أعتقد أنه سيكون أمراً رائعاً لو استطعنا أن ندخل المنطقة بأكملها أو بلدين أو ثلاثة على الاقل في شبكة المنظمين الاجتماعيين التي نملكها.
• كيف يمكن ان تستفيد «مؤسسة شواب» من الثروة المالية الموجودة في دول الخليج؟
- المنظمة الاجتماعية أو نشاط «المنظم الاجتماعي» ليس عملاً خيرياً أو احساناً. بل هو شريك أو منظم يملك أفكاراً محددة وينشئ منظمة معينة لاسباب اجتماعية. وأحد الامثلة على ذلك، احدى السيدات التي قامت بتأسيس مدرسة للأطفال المعاقين، وبعد أن ضاقت أحوالها وفرض نقص التمويل على تلك المدرسة أن ترفض العديد من طلبات الاطفال وهددت بخطر الاقفال. وأمام هذا الواقع، تواردت الى ذهنها فكرة بناء مدرسة على قطعة من الارض. بالاضافة الى عيادة طبية، مركز صحي ومركز تشخيص، خصصت كل عائدات الارباح التي تجنيها من هذه المراكز لتمويل المدرسة الخاصة بالاطفال المعاقين. فالمهمة في الاساس هي ابتكار فكرة جديدة ومن ثم البحث عن التمويلات اللازمة لتنفيذها.
وتقوم مؤسستنا بالبحث وانتقاء أشخاص معينين في ما يقارب 22 دولة، بصفة منظمين اجتماعيين، وقد وضعنا منظومة محددة لاختيار الاشخاص، وفق نظام ترشيحات وضمن معايير محددة. ويمكن للراغبين بالعمل كمنظمين اجتماعيين أن يترشحوا للدخول في شبكة «مؤسسة شواب».
ومن ثم ننتقل الى مرحلة الاختيار، وخلال هذه المرحلة نعمل مع وسائل الاعلام المحلية، المؤسسات غير الحكومية، جمعيات الاعمال، للاعلان عن هذه المسابقة في كل دولة بالاضافة الى اعلاننا عبر الموقع الالكتروني لنفسح المجال أمام الناس لتقديم ترشيحاتهم، وبعدها نقوم باختيار الاشخاص المناسبين، وبمعاينة المؤسسات التابعة لهم للتأكد من أنها تستوفي الشروط المناسبة، من خلق أفكار مبتكرة، التمتع بوضعية مالية قوية والقدرة على التأثير المباشر في المجتمع، ليحصل المرشح على الجائزة التي تسلم اليه خلال حفل عام يقام في البلد الذي تمنح فيه.
ومن ثم يدخل الفائز في شبكة «مؤسسة شواب» كواحد من المنظمين الاجتماعيين عبر العالم. ويحق له بعدها حضور الاجتماعات الاقليمية العديدة التي تعقد دورياً، أو حضور الاجتماع المقبل في منطقة الشرق الاوسط الذي سيعقد في الاردن العام المقبل. أو حضور المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في حال كان نشاط المؤسسة التابعة له على مستويات عالمية. وهناك يمكن لهذا المنظم الاجتماعي أن يفتح شبكة علاقات عامة والتعرف على العديد من الناس لمساعدته على الدخول في هذه المنظومة. أو حتى الحصول على التمويلات اللازمة لمشاريع اضافية.
•هل لديكم أي مشاركات عربية في «مؤسسة شواب»؟
-لدينا 150 شخصا اليوم، أعضاء في الشبكة التابعة لمؤسسة شواب، أما من منطقة الشرق الاوسط، وتشارك معنا سيدة أردنية تدعى ثريا سالي صاحبة مؤسسة «انجاز» في الكويت، لبنان، عمان، الامارات العربية والاراضي الفلسطينية. وهي مؤسسة تعليمية وتدريبية تعمل على ترشيد الطلاب لاختيار المهنة التي تناسبهم في المستقبل. لأن معظم طلاب المدارس يواجهون المشاكل في اختيار المهنة الانسب لهم. كما يشاركنا مزارع مصري يقوم بزرع وانتاج المأكولات العضوية، وقد قام بزرع أرض في المنطقة الصحراوية تنتج مأكولات عضوية.
• ما نوعية المشاكل الاجتماعية التي تتعاملون معها في «مؤسسة شواب» في العالم أو تحديداً في منطقة الشرق الاوسط؟
- انها المرة الاولى التي أزور فيها هذه المنطقة، لذلك من الصعب جداً أن أحدد المشاكل التي نعاني منها. أما في الخارج، فأنا أنظر الى المشاكل العديدة بعيون المنظمين الاجتماعيين المنتشرين عبر العالم. واحدى هذه المشاكل هي ما رأيته أخيراً في المكسيك، حيث عمل أحد أعضاء المؤسسة في مدينة مكسيكو، الذي أنشأ مؤسسة لتمويل القروض الصغيرة، وهي مدرجة في البورصة المكسيكية اليوم بعد ان طرحت للاكتتاب العام، وقد أنشأت العديد من المؤسسات الصغيرة الاخرى بواسطة الارباح والعوائد التي حققها من البورصة، لمساعدة الفقراء في القرى المكسيكية النائية. حيث معظم الاطفال يعانون من سوء التغذية، وهم يجهلون ما الذي يجب أن يأكلوه لينموا بطريقة صحيحة. وقد قام بتطوير برنامج معين بالتعاون مع مؤسسات الاعمال وأخرى طبية، لمساعدة الاطفال ما دون الخامسة من العمر وتأمين الاغذية والفيتامينات اللازمة للقرى مرتين كل أسبوعين. وهي مسألة مهمة جداً، لأنها ليست مسألة عدم توفر الغذاء الضروري بل الجهل في الحصول على الكمية اللازمة من الغذاء. وهو أمر يؤثر على نشاط الاطفال في تلك القرى، فهم صامتون وعديمو الحركة في أكثر الاوقات. وهي احدى المشاكل الكثيرة التي صدمتني فعلاً عندما صادفتها للوهلة الاولى.
• هل ترون أن الازمة المالية والاقتصادية الحاصلة سوف تقلل نسبة المتطوعين للعمل كمنظمين اجتماعيين؟
- أنا أخشى ذلك بقوة للآسف، وأعتقد ان الفترة المقبلة ستقلل نسبة المستثمرين والاستثمارات المخصصة للنشاطات الاجتماعية. وحتى أن التبرعات والاعمال الخيرية ستخف تدريجياً من الآن فصاعداً، لأن الاموال والسيولة تتناقص، كما أن هناك مئات الآلاف من المؤسسات غير الحكومية، لن تقدر على الصمود نظراً لاعتمادها الكبير على أموال التبرعات. وعلى العديد من هذه المؤسسات أن تلجأ للاندماج مع مؤسسات أخرى أو الاقفال.
• ما الخطوات التي قد تتخذ لتفادي حصول أمر كهذا؟
- أعتقد أن وسائل الاعلام يمكن أن تلعب دوراً مهماً في هذه النقطة. ومع أنني لست خبيرة في الامور المالية. ولكن برأيي يجب أن نعمم عبر وسائل عدة مهام ووظيفة «المنظمين الاجتماعيين» في العالم، لأنني أؤمن أن هذه الازمة لن تقف عند حدود «وول ستريت» أو في الاوساط المالية فقط، لأنها ضربت الاقتصاد العالمي ككل الى الآن، وأول وأكثر الذين سيعانون من ضربات هذه الازمة، هم الفقراء المحتاجون. اذ ستقل أمامهم الاموال والفرص لتطوير أنفسهم.
• ببساطة، هل ما تقومون به يعد أمراً سهلاً أو صعباً؟
- ليست مسألة صعبة، بل هي متعة كبيرة. فأنا احب ما أقوم به. العملية ليست صعبة أو معقدة، كل ما علينا القيام به هو جمع المرشحين الذين يتفاوت عددهم من دولة الى أخرى. فقد تجد المئات من المنظمين الاجتماعيين في دولة نامية مثل الهند، وأميركا اللاتينية حيث الحاجة كبيرة للمساعدات الاجتماعية وعلى سبيل المثال ففي البرازيل وحدها قدم نحو 400 شخصاً ترشيحاتهم وفقاً للمعايير الصارمة التي فرضت عليهم، وهو عدد كبير جداً. ولكن بالمقابل قد نجد صعوبة في ايجاد هؤلاء الاشخاص في الدول المتطورة كفرنسا، المانيا وسويسرا حيث لا يتعدى معدل نسبة المرشحين الـ20 فرداً على الاكثر. وهم يعملون جميعاً في مجال رعاية الاطفال، والبطالة وهو نوع من أنواع المشاكل التي تعاني منها هذه الدول. في حين أن مشاكل الدول النامية تتجلى في نقص المياه، محو الامية، مدارس خاصة بالفتيات، الامراض المستعصية والمعدية وطرق مكافحتها،
• هل انت متشائمة أو متفائلة؟
- أنا دائماً متفائلة. وربما كنت اليوم من أكبر المتشائمين لو لم التق كل الاشخاص الذين أعمل معهم، ولم أكتشف الحلول التي يمكن ان تنفذ للعمل على التخلص من هذه المشاكل. هناك العديد من المشاكل التي يجب علينا ان نحلها اليوم. كما قام المنتدى الاقتصادي العالمي بتقديم تحليلات ودراسات حول المشاكل والمخاطر التي تواجه العالم اليوم. وهو تقرير سنوي يسمى «تقرير المخاطر العالمية» يشمل 100 خطر أهمها الغازات المنبعثة من دخان السيارات في المدن، ارتفاع أسعار الغذاء، ادارة المياه، الارهاب، مرض السيدا... وكل هذه المشاكل قد تحبط من عزيمة من يعمل في هذا المجال. ولكن في المقابل هناك من يسعى لحل هذه المشاكل. وحتى لو بدأ من نقطة صغيرة محددة، يمكن العمل على تطويرها ونشرها لتصبح اكثر فعالية.
• هل تخططون لعقد قمة أخرى في المنطقة الخليجية؟
- نحن نخطط لعقد القمة ذاتها التي عقدت هذا العام في دبي في نوفمبر بعد 5 سنوات، واعادة دورة المفكرة العالمية ذاتها التي عقدت هذا العام.
• كيف تستفيد «مؤسسة شواب» من المنتدى الاقتصادي العالمي؟
- على سبيل المثال، في القمة التي عقدت في دبي الاسبوع الماضي، كان لدينا 68 مستشاراً في جميع المجالات والقطاعات. ومن عدة دول وقارات من اليابان، أفريقيا للتحدث عن المشاكل التي يعاني منها اليوم. والقمة عبارة عن اجتماع لمجموعة من المتخصصين الذين يجتمعون معاً لمناقشة العديد من المشاكل ومحاولة تبادل الخبرات فيما بينهم للتوصل الى حلول ناجحة ومؤثرة. وأحد هذه المنتديات كان خاصاً بالمنظمين الاجتماعيين. كما تستفيد «مؤسسة شواب» بطريقة أخرى اذ يدعى المنظمون الاجتماعيون المختارون داخل شبكتها من أميركا اللاتينية، أفريقيا، الهند ومنطقة الشرق الاوسط، الولايات المتحدة للمشاركة في هذه الاجتماعات، والتحدث وملاقاة الاشخاص الذين قد يساهمون في حل ودفع قضاياهم الى الامام.
• ما المسألة المقبلة التي ستكون محور نقاش المنتدى الاقتصادي العالمي المقبل في دافوس؟
- المنتدى السنوي المقبل في دافوس سيناقش الازمة المالية العالمية بالطبع، ولكنه سيحرص بالمقابل على عدم نسيان المشاكل الكبرى الاخرى كالتغير المناخي ونقص الموارد المائية.كما سيتطرق الموضوع الى كيفية مواجهة العالم لمرحلة «ما بعد الازمة» لكي نتطلع لمعرفة الامور التي قد تطرأ في المرحلة المقبلة.