حج مبرور وذنب مغفور بإذن الله، لكن علينا أن نسأل ما هدف الحج؟ ما غاية هذه الفريضة الأساسية في الإسلام؟ الجميع يعرف غاياتها، لكن لماذا ممارساتنا وأفعالنا غالبا تخالف تعاليم ديننا؟أعلنت أمانة مكة المكرمة عن رفع أكثر من 15 ألف طن من النفايات التي خلفها الحجاج في عرفات فقط، وتم جمع أكثر من 70 مليون قنينة مياه بلاستيكية لم ترم في سلة النفايات! 70 مليون قنينة! أي أن كل حاج في المتوسط يستهلك 35 قنينة في خلال أربعة أيام، ويعني أنه يومياً يستهلك تسع قناني! ما هذا الإسراف في المشرب والمأكل؟ هل يغتسلون بالمياه المعدنية أيضا؟هذه الهوة السحيقة بين سلوكنا وأفعالنا وبين تعاليم ديننا، تلك المسلكيات التي لا تمت إلى الإسلام بصلة، إذا استطعنا أن نردم تلك الهوة، ربما يمكن أن ننتشل أنفسنا من الدرك الأسفل في الدنيا والآخرة، لأن الله بعث الإنسان خليفة في الأرض ليعمرها لا ليدمرها.والأسوأ... حيث نرى مخلفات وبقايا الأطعمة متناثرة على الأرض ويدوسها بعض الحجاج في النفرة في عرفات. نعمة الله تُهان وتداس بالأقدام، ومن قبل من؟ حجاج بيت الله الحرام! إضافة إلى التباهي بحملات الحج الخرافية التكاليف، التي تزيد على خمسة آلاف دينار للحاج الواحد، والتي تُهيأ خيمة الحجاج وكأنها خيمة أعراس من الأبهة والفخامة والبذخ في الأثاث والوجبات.أهذه غايات الحج؟ متى نفهم جوهر الدين؟ ومتى نتبعد عن الشكليات؟ نتباهى بأننا أدينا فريضة الحج، ومن البشر من يقوم بأداء هذه الفريضة سنويا، ويشعر المسلم بالفخر عندما تسبق اسمه كلمة الحاج، لكن السلوك والفعل ليس في اعتبارنا ولا يهمنا مطلقا.نحن لا نحتاج إلى معرفة الدين فحسب، بل نحتاج إلى الوعي بحقيقة ديننا العظيم وقيمه السامية، نحتاج أن نتمثل حقيقة ديننا في سلوكنا وتعاملنا وأخلاقنا، فلو كان هؤلاء واعون للقيم الإسلامية لتمثلوه في أفعالهم ومعاملاتهم، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: «قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين».والبصيرة تعني الوعي والمعرفة. والبصيرة أيضا تعني معرفة الحكم ومعرفة التعامل معه، أي الطريقة والكيفية، فمن منا يجهل أفضلية قيمة الصدق على الكذب؟ أو قيمة الأمانة على الخيانة؟ لكن الهوة سحيقة والفجوة شاسعة بين الفهم والتطبيق، فالمشكلة الأساسية لدينا هي التنفيذ والفعل والسلوك، لذلك عندما تم عمل مسح للدول والشعوب التي تطبق تعاليم الإسلام الحنيف كانت النرويج والسويد واليابان في المقدمة، وكل الدول الإسلامية والعربية في آخر القائمة، الشعوب التي تطبق تعاليم الإسلام، هم المسلمون حقا في سلوكياتهم وأخلاقياتهم، وهم من يكونوا في مقدمة الأمم.الدين المعاملات وليس العبادات فقط، يغيب عن الأغلبية إن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) يقول: «الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق». كما يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): «الطهور شطر الإيمان»، ويتضمن طهارة البدن والملبس والمكان واللسان.نرى الحجاج القادمين من أميركا يقومون بحملة تنظيف تطوعية لشوارع مكة باسم «مبادرة مكة نظيفة»، ولا نرى حجاج الدول العربية والإسلامية يمارسون مثل هذا السلوك.والحقيقة إننا بحاجة إلى حلول جذرية، وهذا أمر منوط بالقيادة السياسية، لكننا نقترح كحد أدنى، الاستفادة من التعليم النظامي لتكريس المفاهيم والقيم الإسلامية، وأهمها النظافة، من خلال تدريب الطفل منذ الصغر على سلوك النظافة، واعتماد التدريب على مثل هذه المسلكيات والأخلاقيات في المناهج الدراسية، وتنفيذها عملياً، منذ الروضة وحتى المرحلة الثانوية، بحيث يكون كل طفل مسؤولا عن نظافة حقيبته وكتبه ودُرجه وصفه وساحة مدرسته، ويُحاسب على التقصير، لتعويد الفرد على هذه المسلكيات.كما نقترح إلغاء ضريبة المشتريات 5 في المئة والتي تنوي الدول الخليجية فرضها، واستبدالها بغرامة على كل حاج يرمي النفايات، وعلى كل فرد داخل الحرم المكي أو خارجه، وعلى كل شخص يرمي الأوساخ والأوراق والنفايات في أي بقعة من أراضي الدول الخليجية، والتي ستقلل من تكاليف الدولة الخاصة بالبلديات، وتعوضها عن الضريبة المقترحة، ويا ليت تطبقها كل الدول العربية والإسلامية. لعل وعسى يتغير السلوك وتصلُح الأخلاق.aalsaalaam@gmail.com